Chapter 8

371 18 7
                                    

لم يستطع النوم أن يجد إلى عيني مصعب سبيلا، فقد أخذ يفكر بكل ما مر به ذلك اليوم، كيف وجد الفتاة نائمة، وكيف شعر وهي تبتسم ابتسامة ساحرة لهما حين كانا يتناولان معها طعام الافطار

كان يفكر في ذلك الزمن الخرافي الذي استطاعت أن تعد فيه وجبتي الافطار والعشاء، وفي الوقت الذي استغرقه هيثم لإعداد وجبة الغداء لهم في نفس هذا اليوم

كما أنه استرجع كل كلماتها وقصتها التي روتها لهما أكثر من مرة والتي لم يفهم منها شيئا غير أنها يتيمة وأن صاحب المنزل وصي عليها وأنها كانت في سفر ثم عادت إلى غرفتها متعبة- غرفته هو- والقت بجسدها لتغط في نوم عميق من دون أن تشعر

كان كل كلامها غير منطقي ولا يدخل العقل البتة، لكن ما يثير عجبه أكثر من أي شيء هو تصديق هيثم لها رغم ذلك.. ترى؟.. هل هيثم أعمى وأبله لهذا الحد؟

ولشد ما أثار انتباهه رد فعلها في كثير من المواقف التي كان الأولى بها أن تخاف أو تندهش أو حتى ترتبك، لكنها كانت هادئة دائما

كانت هادئة عندما فتحت عينيها لنجد أمامها شابين ينظران إليها وهي في ملابس النوم، كما كانت هادئة عندما قال لها هيثم:- أهذا العقد لك؟

فأجابت ببرود وابتسامة رقيقة:-أوه! نعم لقد كان لي يوما

والغريب أنه عندما أعطاها الورقة الصفراء التي كتب عليها بالحبر السري، لمعت عيناها ثم قالت:- لم أفهم شيئا من هذه الورقة

كان مصعب مشتت الذهن لدرجة الصداع، وأثناء تفكيره بكل ذلك التفت إلى هيثم الذي كان يتقلب كثيرا بجواره على السرير فقال له هذا:- الم تنم أنت ايضا يا مصعب؟

مصعب:- لا.. لا أستطيع أن أنام بسبب الصداع

هيثم:- أنا أيضا لا أستطيع

مصعب:- هل تشكو من الصداع أنت أيضا؟

هيثم:- أنا.. نعم .. قليلا

ثم سادت فترة من الصمت، فقال مصعب وهو ينظر إلى السقف:- هل تلاحظ شيئا؟

 هيثم:ماذا؟

مصعب:- الليلة هادئة جدا.. حتى زجاج النافذة لا يصرصر.. لا أصوات... لا طرق على الأبواب.. لا عواء.. لا صوت للحفر في الحديقة

فأخذ هيثم نفسا عميقا وقال باسما:- نعم.. قلما حظينا بليلة هادئة كالليلة

مصعب:- لا يا صديقي.. إننا مذ أقمنا في هذا المنزل لم نـحظَ (أبدا) بليلة هادئة

هيثم:- ربما

مصعب:- بل بالتأكيد

فالتفت هيثم لصديقه وهمس:- ماذا تعني؟

مصعب:- أعنني أننا لن نسمع إلا الهدوء من اليوم فصاعدا

!!!!هيثم:- ولمَ؟؟

مصعب:- لأنه لم يعد أحد يريد أن يزعجنا أو يلفت انتباهنا

هيثم:- هل تقصد أن سحر هي السبب؟

مصعب:- لا.. أنا لا أقصد شيئا.. أنا أفكر وحسب

بدا هيثم منزعجا من تفكير صاحبه، لكنه لم يتكلم

**********

أفاق مصعب متأخرا في اليوم التالي، لا يتذكر كيف نام ومتى، كان غارقا في التفكير مشوش الذهن، لم يكن هيثم بجواره.

عندما نزل إلى غرفة الجلوس لم يجد أحداً، لكنه سمع ضحك هيثم في الشرفة السفلية التي كان الصديقان يحبان تناول شاي العصر عندها

كان هيثم يثرثر بانبساط ومرح كبيرين، بينما سحر تستمع إليه بابتسامتها الفاتنة،  تبدو رقيقة كما لو كانت في الرابعة عشرة من العمر

عندما لمحت مصعبا ابتسمت له قائلة:- صباح الخير.. كيف كانت ليلتك؟

فأجابها ببرود:- لا بأس بها

فقال هيثم:- هل أحضر لك شيئا لتأكل؟

مصعب:- هل تناولتما الإفطار قبلي

هيثم:- آ.. نعم.. كانت سحر جائعة ولذا..فـ

فقاطعه مصعب :- أنا سأعد لنفسي شيئا لا تشغل بالك

كان لا يزال مشغول الفكر، لا يتوقف عن التفكير فيمن تكون هذه الفتاة وماذا عساها تريد.. إنها حتى لم تقل لهما أن يتركا المنزل ويستأجرا غيره بما أنه ملكها وهما شابان لا يصح أن يقيما معها تحت سقف واحد

ترى!.. ألا تفكر فيما قد يقوله عنها أهل القرية؟ وهل يعرفونها؟ نعم.. لابد أن يسأل أهل القرية اليوم ليعرف.. سيتعذر بشراء شيء ويخرج ليسأل كل من يقابله

خُيل إليه أنه سيعرف شيئا جديدا لو سأل الناس هنا، من يدري لعل أحدا رآها، لكن كيف؟ ألم يقل اهل القرية لهم سابقا أن هذا البيت مشؤوم وأن كل من يسكنه كان يموت أو يحدث له شيء مخيف أو مصيبة ما؟

لو كانوا يعرفون عنها شيئا لمَ لمْ يخبروهما إذن؟!! لابد أنهم هم مثله يجهلون تماما من عساها تكون تلك الفتاة اللعوب الغامضة

فيما هو يفكر فتح أحد الأدراج في المطبخ ليأخذ ملعقة، لاحظ في الدرج مظروفا صغيرا احمر اللون، فتحه فإذا فيه مفتاح صغير جدا كأنما هو لحصالة أطفال، فكر قليلا ثم وضعه مرة أخرى في المظروف وأغلق الدرج وكأنه لم يلاحظ شيئا

لم تكن لدى مصعب خطة معينة، ولم يكن يعرف لماذا تصرف على هذا النحو، لكن في قرارة نفسه أحس أن هناك من يحاول أن يسيره إلى تصرف ما، إلى خط سير محدد، أبى بغريزته أن ينقاد إلى هذا الخط الذي رسمه شخص آخر، هذا الشخص من غير شك هو سحر

عندما عاد إلى حيث يجلس صديقه مع الفتاة تعمد ألا ينظر إليها، كان يريد مراقبة رد فعلها، ربما تتساءل الآن إذا كان قد لاحظ الظرف الأحمر في الدرج أم لا، كما تعمد أن يقلب السكر في كوب قهوته مرارا بالملعقة لتعرف أنه فتح الدرج

لكن كل ما لاحظه ان الفتاة كانت باسمة وتتحدث إلى هيثم بمرح

"يا إلهي!!" قال مصعب في نفسه.. "إما أن تكون الفتاة بريئة من قصة المفتاح، أو تكون خبيثة جدا على نـحو مخيف"


************

يتبع

البيت الاسودحيث تعيش القصص. اكتشف الآن