بدأت ابحث عن عمل شريف اعيش منه انا وصغاري ولقد سخر الله لي جيران طيبين ساعدوني كثيرا فقد كانو يتصدقون علينا ببعض الطعام والملابس القديمه واحسنوا الي فجزاهم الله عني خير الجزاء ووجدت عملا حكوميا كمستخدمه في احدى المدارس الثانويه القريبه من بيتي, ولا انسى اول راتب قبضته في حياتي, صحيح انه كان بسيطا ولكن دموعي انهمرت من عيني لحظه تسلمه بكيت كثيرا وحمدت الله على رزقه واعانتي على لقمة العيش الشريفه, اشتريت لاطفالي ملابس جديده والعابا وطعاما طيبا ولأول مره منذ اربعه اشهر اطبخ لحما ودجاجا لاطفالي, واشتري لهم بسكويتا وشوكولاته, كنت ارى السعاده تتراقص في اعينهم وهم يتلذذون بما احضر لهم خاصه حين هجرنا الخوف من ذلك الهرم الذي كان يضربنا في كل لحظه وكأننا كلاب شريره جاءت تتسول على بابه.مرت سنه كامله علي وانا في وظيفتي استطعت خلالها ان اكسب احترام مديرتي وتعاطف المعلمات وحب الطالبات بما منحني الله من تفاني بالعمل والاخلاص,
وذات يوم سألت نفسي لم لا اكمل تعليمي الثانوي خاصه انني في مدرسه ثانويه وعرضت الامر على مديرتي فشجعتني كثيرا وفعلا قدمت اوراق انتسابي وكانت صدفه ان ابني البكر يدرس في الصف الاول الابتدائي,
وانا في الصف الاول الثانوي اجتهدت كثيرا في دراستي على الرغم من الاحمال الملقاة على عاتقي كأم وموظفه وطالبه,
وفي خلال ثلاث سنوات حصلت على شهادة الثانويه العامه بنسبة سبعه وتسعين بالمائه وكانت هذه النسبه مفاجأه لكل من حولي بكيت كثيرا وانا ارى ثمار جهدي بدأت تنضج.....
انتقلت من عملي كمستخدمه وقدمت على وضيفه كاتبه في احدى الدوائر الحكوميه براتب جديد بالأضافه الى تقديم اوراق انتسابي الى الجامعه قسم التربيه الاسلاميه, استأجرت شقه صغيره مكونه من غرفتين وصاله ومطبخ مستقل وحمام ولأول مره يدخل التلفزيون الى بيتنا بعد ان اخذت سلفه من البنك اثثت فيها الشقه اثاثا جديدا صحيح انه كان بسيط ولكنه لم يكن مستعملا وبدأت ارتاح نوعا ما في حياتي خاصة اطفالي جميعهم دخلوا المدارس واصبحوا من المتفوقين دراسيا واخلاقيا, اشتريت لاطفالي ما كانت نفوسهم تهفو اليه من العام رخيصه وملابس بسيطه وحاولت قدر الامكان ان اعوضهم عن حاجتهم الى العائله الكبيره,
فكونت صداقات عميقه مع زميلات واخوات في الله,
كن نعم العون لي فكنا نذهب في نزهات وزيارات سويه نروح عن اطفالنا والذي كان يثلج صدري ويمنحني الصبر والامل هو نظرات الحب التي كنت اراها في عيون اطفالي وتلك القبلات اللذيذه التي كانوا يعطرونني بها بمناسبه او بدونها, مرت اربع سنوات عصيبه حصلت فيها على البكالوريوس بتقدير امتياز مع مرتبه الشرف الاولى ثم استقلت من عملي ككاتبه وتم تعييني معلمه في مدرسه ثانويه كان ابني الكبير في الثالثه عشرة من عمره حين اصبحت معلمه احتضنني بقوه وهو لايكاد يغالب دموعه قائلا(امي انا فخور بك انت اعظم ام في العالم)
واحتضنتهم جميعا وظللنا نبكي بلا شعور لساعات طويله, ولأول مره في حياتي اقبض مرتبا ضخما, تصدقت بنصفه كشكر لله على نعمه المتواليه علي وبما يسر لي من اسباب الرزق وبنصفه الباقي اشتريت لأطفالي جميع ما يحتاجون اليه وبدأت فيما بعد ادخر جزءا كبيرا منه لبناء منزل خاص بنا, وقدمت على الماجستير وصلت عليها خلال سنتين فقط بتقدير امتياز مع مرتبه الشرف,
وبدأت في بناء منزلنا الكبير المكون من طابقين به عشر غرف وصالتين ومطبخ ومستورع وحديقه كبيره ومسبح جميل وقدمت على الدكتوراه وكان مشوارها صعبا جدا خاصه ان اطفالي بدأوا يكبرون ويتدرجون في فصولهم فكان الارهاق يكاد يقتلني احيانا وانا اشتت نفسي بين عملي كمعلمه وبين مذاكرتي للدكتوراه وابحاثي وبين مذاكره اولادي وبين الاشراف على البناء والتأثيث والذي كان اثاثا فخما ورائعا,
وحصلت خلالها على درجه الدكتوراه وبامتياز ايضا مع مرتبه الشرف وتم تعييني كأستاذه في الجامعه,
وانا في السابعه والثلاثين من عمري, اتعلمون لحظه تسلمي الشهاده بمن فكرت؟؟لقد فكرت بأمي, ترى لا رأتني في هذا المشهد فهل كانت ستبكي من الفرح, او انها ستسألني عن عائد المادي الذي سأجنيه من وراء ذلك؟؟!
لكن لا تعتقدوا اني انسانه عاقه لوالدتي او انني لم احاول صلتها في ما مضى بالعكس لقد ذهبت اليها اكثر من مره خلال مشوار حياتي فوجدتها كما هي لم تتغير تتسكع بين بيوت الجيران لتحصل على المال دائما ايا كان مصدره حتى انها كثيرا لا تسأل شقيقاتي من اين يأتين بالمال بل اهم من ذلك ان يعطينها شيئا منه ..
اما والدي فقد توفي بعد زوجي بسنه واحده اقتطعت جزءا من مرتبي شهريا وكنت ارسله لها بانتظام الى ان توفاها الله بعد ذلك ..
اما اخوتي واخواني فلم يكن يشرفني التعرف اليهم او تواجدهم في حياتي فابتعدت عنهم من اجل ابنائي ابتسمت الحياة لي بعد عبوس طويل فها انا الان لي مركزي الاجتماعي واعيش في بيت فخم وعندي الخدم والسائقين وابنائي جميعهم قد تخرجو من جامعاتهم العلميه فابني الكبير اصبح طبيبا جراحا والأخر مهندسا معماريا والصغرى طبيبه اطفال وقد زوجتهم جميعا واصر ابني الكبير ان يعيش هو وزوجته معي فملاوا علي البيت بالحياة وضحكات الاحفاد وها انا الان في الخامسه والخمسين من عمري مازلت احتفظ بمسحه من جمالي برغم جميع الظروف التي مررت بها ....
فصتي هذه اهديها الى كل يائس ومحبط لعلمها من بصيص الامل ما يبدد لحظات اليأس في حياته!!
وصدقوني لو استسلمت لليأس ولحظاته المريره لما وصلت الى هذه الحياه التي اعيشها الان بفضل الله سبحانه وتعالى ثم بفضل تمسكي بالأمل رغم كل الخطوب من حولي.اليأس قاتل حين يشرع له ابوابنا كضيف ثقيل لا يبال بمشاعر الاخرين.
فيا ايها اليائس اياك ان تفتح له بابك وان ادلهمت من حولك الصعاب.. !!
فصدقوني ومن تجربه خضتها واستطعت النجاح فيها وليس هناك اجمل من التفاؤل والتشبث بالأمل حتى وان كان صغيرا.
والاهم هو عدم اليأس من رحمه الله.....
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذه القصه من كتاب (هكذا هزموا اليأس)للكاتبه سلوى العضيدان -كاتبه سعوديه-
أنت تقرأ
لا تقرأني قرأءه سطحيه
Nouvellesلا تقرأني قرأءه سطحيه لاتقرأني بحثا عن اخطائي لا تقرأني بعواطفك فقط لا تقرأني لكي تنتقدني لا تقرأني لكي تعلم فقط من غير ان تتعلم وتعلم كتابي المفضل للكاتب *المجهول*