ذَ ~ ذَلِكَ التَعْبير . . ج2

308 19 102
                                    

يغدو الرحيل أحياناً حلنا المفضل بعد أن كان مجرد هواجس يقاتلها الحضور وحيداً .. يغدو كذلك بعد أن نرتشف من كأس الألم قطرات مذاقها يلتصق بالشفاه دوماً .. نركض مع تيار الأيام إلى ما لا ندري .. نمشي وفي دواخلنا نزعة غريبة للوقوف بعض الوقت والالتفات للوراء .. لتلك النظرة البريئة الطفولية التي محى شقى الأيام ملامحها .. ولكن، الرحيل .. إلى أين ؟ وكل الأمكنة تتشابه والأزمنة كذلك ..

وأنا أجانب الصورة، ملتحفة كنتُ برداء نسج حزناً وحباً، وغارقة في سراب [ تلك النظرة ] .. تعثرت قدماي في فئة مشابهة وإن اختلفت، قريبة وإن ابتعدت .. أبى بعدها قلمي أن يعلن الخضوع، لينزاح بذلك لصفها ولا يخط حبره إلا لها ..

عن كبار السن سأتحدث هذه المرة .. عن مرحلة الشيخوخة، وما تتميز به بظهور عوارض الضعف والإعتلال وبروز حاجيات جديدة .. عن تلك الفئة التي زحفت قوى الكهل على بشرتها العذبة .. لتصنع غضوناً متدرجة .. لكل ثنية منها حكاية .. وتأصل لتراث لا يقبل الترميم ولا التشويه ..

~.

لا يعرف ماذا دهاه ! لكنه يدري أنه ما عاد هو .. فذاك واضح جدا ! إن لم تظهره مرآته الزجاجية، كشفته مرايا الأعين المحيطة به .. ولكن، ما العمل ؟ أيصرخ في وجوههم طالباً التفهم ؟ أم يصرخ في وجهه الذي يبحث عنه منذ الأزل مناشداً شيئاً من الرحمة .. أم يكتفي بالتقوقع هناك وحيداً لحين أن يستعيد ما لا يستطيع استعادته ! فلا الزمان زمانه .. ولا المكان يناسبه ! .. بل حتى الذاكرة ما عادت تتسع لحمولة إضافية من الأحلام .. ولا العقل بات يمارس وظيفته الوحيدة في التفكير ..

مرهق هو حد الموت من تعاقب السنين على ما تبقى من عمره .. أم تراه إرهاق من تعامل ابنه ونظرة زوجته لكومة التجاعيد هاته ! أنه يرى الألم بكلتا عينيه .. فبعد أن كان يتوجع لتوجع ابنه، أصبح يتوجع لتوجع ابنه منه ! كلمةٌ [ منه ] زجت به في سجن السببية .. ليصبح عالةً، تتخبط خطاها في الظلام .. عزاها الوحيد أن الأبدية مستحيلة، وأن الموت قادم وإن تأخر ..

يعيش الحاضر على رفات الماضي .. دون التطلع إلى مستقبل ! وقد أخد من طاولة الذكريات رفيق دربه .. يلجأ إليها كلما أرهقته الدنيا بصفعاتها المتتالية .. ليروح عن نفسه باجترار هنيهات الماضي .. ذاك الذي لا يعود أبدا ! ويبقى التأمل فيه إيقاظا لبراكين الحنين الخامدة .. لتنفجر في وجه الذاكرة .. مخلفة إبتساماتٍ و تعبيرات .. وتساؤلات أغلبها يبقى بلا جواب !

- - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

من الطفولة حتى الكهولة .. يمتد عمر الإنسان بين مد وجزر .. ويظل الإنسان سفينة هائمة تتقاذفها أمواج القدر .. لِ { (ذَ)لِكَ التعْبير }

ومع { (رَ)ائِحَةِ المَطَر } نستقبل الفصل القادم .. ومايخفيه خلف قطراته النقية ..

أَبَجَدِياتٌ نَاطِقَة ~حيث تعيش القصص. اكتشف الآن