تِ ~ تِلْكَ النظْرَة . . ج1

435 36 51
                                    


على غفلة مني، وفي غمرة التسكع في الحياة المغمسة بالتوت - والتي خططنا معالمها في الفصل السابق - قادتني رجلاي إلى عالم ظلام حسبته نورا .. وإلى ماء عكر ظننته صافٍ. كيف للعين أن تكون خادعة، وكيف للحقيقة أن تكون زائفة ! .. ما بال الطفولة تجردت من ثوبها الأبيض لتغيره بآخر مزركش بالبني الترابي، والأحمر الدامي، والأسود الحزين .. لقد حسبتها التجسيد الأمثل لروح العفوية والبراءة الصادقة لأجدها جوفاء دون ملامح مرحة، ولا ابتسامة صافية، ... ... ... إنها كتلة أطفال بلا طفولة!

والأدهى، أن لا أحد يتملص من الاكتفاء بالمشاهدة ليمد يد المساعدة لهذه الفئة الفتية، التي ما فتئت تحلم باسترجاع ممتلكاتها وفهم ما يدور حولها؛ ليس أملاً في السعادة، واللعب، والجري، والصداقة .. فهذه مجرد "إكسير حياة"؛ وَهْم اختلقته الحكايات القديمة ليُروى، لا ليُعاش! .. لكن فقط أملاً في "شيء آخر"؛ في العائلة والدفء والطعام .. ليريح اللوحة من ألوانها المغبرة، ويرجع لها لونها الطبيعي الموجود عند البقية ... ... ... إنه الحق في العيش .. الحق في الطفولة - [ لا أكثر ولا أقل ! ].

أطفال دهستهم الحياة بقاطرتها، وأجبرتهم على ارتداء ثوب المسؤولية في فترة كان يفترض أن يكون أقسى تعبهم فيها توبيخ المعلمة .. إنهم أطفال تروي نظرتهم ألف حكاية وحكاية ... ... ... فل نقرأ بعضها إذا!

~.

للبعض منهم نظرة طلب؛ تطلب بعض المشاعر وإن كانت لا تُطلب،وبقدر فارغ .. تطلب أكلاً يسكت بطنها الجوعى من أيام .. وبثوب ممزق .. تطلب غطاء يغنيها عن برد الشتاء .. إنها تطلب الرحمة، وإيقاظ بوادر الإنسانية ... ... ... إنها تطلب عمرَ - وإن كان عمر قد مات!

للبعض الآخر نظرة تساؤل؛ عن كم قسوة البشر، وعن حياة حرمتهم من العائلة؛ من أب يكون سندا وأم تكون جنة .. لتنقلب بذلك لنظرة حزن بسبب الحال المعاش، ثم نظرة ترقب لمستقبل ملبد بالغيوم لا تشرق شمسه أبدا ... إنها نظرات صارخة، ثاقبة .. تتجاوز كل ما درسناه في لغة الجسد، وكل ما تعلمناه في سلسلة الحياة، تقوى أحيانا لتصبح نظرة تحدٍ وتضعف أحيانا أخرى لتنقلب لنظرة شفقة.

- - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

لقد شخت كثيرا يا صغيري، كَبُرت وتعِبت .. زحفت قوى الكُهل على بشرتك الرطبة .. واحتلت بذلك معالم طفولتك السمحة. لك الله وحده ! يصلح من أجنحتك المنكسرة .. ويأخد بيدك البريئة .. فإن مات عمر، فرب عمر حي لا يموت!

- - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

كانت هذه { (تِ)لْكَ النظْرَة ! } .. بأسرارها وسماتها .. وملاحمها ..

وتبقى { (ثُ)ــــــــم مَاذا؟ } سؤال الفصل القادم ..

أَبَجَدِياتٌ نَاطِقَة ~حيث تعيش القصص. اكتشف الآن