.....بعد انتهاءها من تناول الإفطار.... جلست سوسن على مقعد وثير فى الشرفة الواسعة والتى تطل على حديقة القصر ذات ألوان المتداخلة.... والتى تضفى عليها أشعة الشمس رونقا خاصا يجعلها بمثابة لوحة فنية.... وبدأ سيل من الأفكار....
تذكرت كيف كانت حياتها قبل الزواج من صدقى....كانت مجرد فتاة فقيرة وحيدة يتيمة الأب وتراعى والدتها المسنة.....كانت تسكن فى شقة متواضعة فى منطقة القلعة....كانت حياتها بسيطة..خالية من أية تعقيدات..... وعندما تقدم لها صدقى.... كان صاحب مشروع صغير.... ولكن منذ زواجها به.. كان ذلك بمثابة (فتحة خير عليه).... توسعت أعماله وتقدمت.... والمشروع الصغير أصبح شركة كبيرة...ثم مجموعة شركات....وسريعا ما أصبح اسم (صدقى علوان)..... يحمل سحرا خاصا...يجعل كل من يسمع به يبدى الإحترام والتقدير......
كانت حياتهما جميلة.....مستقرة....ولكن كان ينقصها شيئا هاما....بل إنه فى الواقع كان أهم شئ كان كان ينقصها طفل....ذهبت هى وزوجها إلىجميع أطباء مصر تقريبا....ولكن مامن فائدة..... بعضهم كان يقول أن العيب بها...والبعض الاخر يقول أن العيب بزوجها.... والبعض يقول أنه ليس هناك مشكلة بالإنجاب...وأنها مسألة وقت لا أكثر ولا أقل..لم يقصر أيا منهما فى تناول الأدوية....طوال 20عاما بذلت أقصى مجهوداتها لتنجب صغيرا يملأ منزلها بالضحك والمرح....
وأخيرا.... وبعد ما أصابها من يأس وإحباط جعلها تتوقف عن تناول العلاج.... شاء الله أن تضاء حياتهما بنور شمس ساطعة....كانت جميلة.... رقيقة.... لطيفة....ناعمة....وفور رؤيتها قررت أن تطلق عليها اسم شمس....كان الأنسب لها...كيف لا وهى صاحبة الوجه المشرق والعينان العسليتان....والشعر الحريرى...
كبرت شمس.... وكبرت معها مشاكلها بعدما وصلت لمرحلة المراهقة..... بدأت تكتشف أنها الأجمل والأغنى بين صديقاتها....كانت مرغوبة من جميع شباب المدرسة الثانوية....كان الجميع يتمنى أن تنظر لها شمس ولو لمرة واحدة....كانت ممشوقة القوام..شعرها كستنائى اللون يمتد طوله إلى أسفل ظهرها بقليل...كان خصلاته المموجة الرقيقة تنساب فى نعومة...بشرتها كانت بيضاء كاللبن الحليب....عيناها كبحيرتان ماء عذب...تعكس اللون الذى يقع فى المنتصف بين الأخضر والبنى...كل من كان يراها كان يقول أنها آية فى الجمال.....ولكن للأسف...كان هذا الجمال بمثابة نقمة عليها....جمالها والمدعم بغناها جعلها تنكر إلى العالم من الأعلى....كانت متكبرة....مغرورة....
كان لوالدها دورا كبيرا فى إفسادها....كان يحنو عليها كثيرا...لا يعاتبها....لا يقسو عليها ابدا حتى لو أخطأت..... أصبحت لا تحترم كبيرا....ولا تشفق على صغير...كل ما كان يهمها أن يبدى الجميع لها الاهتمام وينصاع لأوامرها....عندئذ فقط تشعر بالرضا.....
حاولت والدتها جاهدة أن تسعى فى تغييرها....ولكن لا حياة لمن تنادى.....
قطع سيل أفكار سوسن صوت الخادمة(فتحية):"ست سوسن....فيه واحدة عايزة حضرتك"
نظرت سوسن إلى فتحية والتى وقفت ممسكة بجهاز اللاسلكى ثم قالت بهدوء:"مين؟"
وقبل أن تجيب فتحية....التقطت سوسن جهاز اللاسلكى ووضعته فوق أذنها وهى تقول:"صباح الخير...مين معايا؟؟"
أتاها صوت أنثوى رقيق:" أخس عليكى يا سوسن....أنا توقعت أنك هتتصلى بيا أول ما تقومى من النوم"
سوسن وعلى شفتيها شبح ابتسامة:" مين؟؟....عبير؟؟"
-"أيوة يا ختى...عبير"
سوسن وقد اتسعت ابتسامتها:" إزيك يا عبير...عاش من سمع صوتك...بس خير....أنتى بقالك كتير مسألتيش اشمعنى كنتى مستنيه اتصال النهاردة "
عبير معاتبة:" كده يا سوسن؟؟بقى معقولة تنسى"
سوسن بجدية:"انسى؟؟....أنسى إيه؟؟"
عبير بسرعة:" عيد ميلادى يا هانم"
سوسن:" ليه....هو النهاردة إيه.....اااااااه....أسفة خالص ياعبير....نسيت والله"
عبير بضحكة مستفزة:" عموما أنا هسامحك....بس بشرط....أنك تيجى النهاردة الحفلة وتعوضينى بهدية حلوة "
سوسن بشرود:"هدية؟؟" ثم تابعت بجدية:" أه يا حبيبتى طبعا....أكيد"
عبير بسرعة:"ماشى يا حبيبتى.....هستناكى النهاردة باليل على الساعة 8"....ثم تابعت بسرعة:" أه وطبعا بلغى صدقى"
سوسن:" أه...أكيد إن شاء الله"
-"مع السلامة"
-"مع السلامة يا حبيبتى"
أغلقت سوسن الهاتف....ثم دقت أزرار الهاتف بسرعة وسرعان ما أتاها صوت صدقى:" ألو...."
-"أيوة يا صدقى...بقولك...عيد ميلاد عبير النهاردة...وأنا كنت ناسية...عايزة أنزل أجيبلها هدية"
صدقى ببرود:"هتجيبلها إيه؟
سوسن بسرعة:" أى حاجة....خاتم....أو عقد ألماظ
صدقى:"بس ماعتقدتش هتلاقى فى الخزنة فلوس تكفى تمن حاجة ألماظ...بقولك إيه؟؟... خوديلها أى حاجة من عندك أنتى عندك ألماظ كتير"
سوسن:" ليه بس يا صدقى....مانجيب حاجة جديدة أحسن"
صدقى بنفاذ صبر:"ياستى...أديها حاجة من عندك...وأنا أبقى أجيبلك زيها..."
سوسن:"طب أديها إيه بس"
صدقى بعد أن زفر بحدة:" أى حاجة ياستى....سلام دلوقتى بقى علشان ورايا اجتماع"
همت سوسن بقول شئ...ولكن فاجئها صوت غلق الهاتف...نظرت إلى الهاتف بغيظ ثم تمتمت:"بقى كده يا صدقى....ماشى"
ذهبت سوسن إلى حجرتها وبحثت فى صندوق مجوهراتها كثيرا....وأخيرا استقرت على سلسلة رقيقة يتوسطها قلب رقيق من الألماس الخالص....فتمتمت:"يارب تعجبك يا عبير"
وضعت سوسن السلسلة فى علبتها الأنيقة...فبدت الهدية كما لو كانت قادمة للتو من محل مجوهرات