#دوامة_في_قلب_البلورة
الفصل السادس
لو إرتدى خوذة، لكان فارساً من عهد صلاح الدين. طويل القامة نحيف البنية، و رغم ذلك عريض الكتفين.. عيناه رماديتان يلتمع فيهما الذكاء. تغلفهما رموش سوداء كثيفة. بياض يلمع كالشهب في فوديه.. أما باقي شعره فحالك السواد.. بشرته حنطية.. وجهه حاد القسمات بأنف مستقيم، و فم تحمل حوافه معالم الجد.. قد يبدو قاسياً للوهلة الأولى، لكن بعد برهة من تدقيق النظر في تلك القسمات، يعرف من ينظر إليه أنه شخص يخفي ذاته خلف قناع سميك من الجد و الوقار. حين إنعقد حاجباه إرتباكاً، كست الحمرة وجنتي شاهندا. يالغبائها! لقد نست نفسها و تطلعت لقسماته بعين الفنانة.. لكم تاقت لترسم وجه ذلك الطبيب في لوحة، مرتدياً درعاً و راكباً لحصان أهوج قوي.. يعطي أوامره للجند من حوله في ساحة المعركة. لكن ذلك ذكرها بحالة أصابعها. فأشاحت بوجهها عنه.تنحنح قليلاً، ثم عاود أسئلته عن حالة أصابعها.. صارحها أنها تعاني من كسور في عظام اليدين و الأصابع، و حالة الأوتار العصبية يرثى لها.. لكن الأمل بالله، و إذا كان لديها عزيمة قوية، فستتمكن إن شاء الله مع العلاج الطبيعي المكثف من تحريكهم مرة أخرى. ربما لن تتمكن من إستعمالهم بنفس الكفاءة، لكن ذلك من عزم الأمور. شرح لها أنه قام بعمل عملية كبيرة بموافقة والدها، و أنها ستضطر للخضوع لعملية أخرى بعد أربعة أسابيع. بعد ذلك بقترة وجيزة ستبدأ في كورسات العلاج الطبيعي فور إلتئام جروحها.
كاد أن يسألها من فعل بها ذلك؟ لكن هذا الأمر لم يكن من شأنه. لقد إضطلع على محضر المستشفى فور إستلام الحالة.. و قرأ أقوال والدها.. لكن كم الندوب و الكسور و الجراح في جسدها، قديمة كانت أو حديثة، يدل على أنها كانت تتعرض مراراً لضرب مبرح. ربما يحاول أن يجعلها تتكلم..
و هكذا مرت الأيام على شاهندا في المستشفى في صورة روتينية مملة.. لم يقطع هذا الملل سوى زيارات هشام.. إحم دكتور هشام. كان شخصاً حلو المعشر، مهذب، مثقف. إكتشفت أنه حضر معرضها الأخير، لإنه هو أيضاً يعشق الرسم، و لولا والده رحمه الله، لصار رساماً. كانا يتحدثان في مواضيع شتى. في الحياة، الفن، السياسة، لكنهما لم يتطرقا أبداً لأي من الأمور الشخصية.. كانت تتعجب من إهتمامه بها، لكنها إكتشفت فيما بعد أنه يعامل كل مرضاه بنفس الإهتمام، مما ضايقها بعض الشيء.. تعجبت في قرارة نفسها من ذلك. لما الضيق؟ أتراها إنجذبت إليه؟ لا.. لا يمكن.. ليس مجدداً! فقد أصبحت ترهب الحب و الزواج. ما يدريها أنه لن يكون علاءاً أخر؟
علاء!! غريب أمر البشر.. لم تتذكره سوى الآن. كيف تحول حبها لكراهية ثم لا مبالاة بهذه السرعة المؤلمة.. ربما لإن والدها أخبرها أنه سيقتلها إن حاولت الرجوع إليه.. ربما لإنه إختار أن يطلقها ليس خوفاً عليها من قسوته، و إنما خوفاً من إفتضاح الحقيقة.. ربما لإنه لم يكلف خاطره بالإطمئنان عليها طوال مدة مكوثها في المستشفي رغم أنه من تسبب في حالتها الأن.. قرأت ذات مرة أن كل شيء يبدأ صغيراً ثم يكبر.. إلا الحزن و الغضب، يذويان حتى ينتهيا، و لكن اللامبالاة لم تكن موجودة في عالم أحلامها.. فالكوابيس لاتزال ضيفاً غير مرحب به في منامها.
ترى هل ستعود يوماً كما كانت؟ هل ستستطيع الرسم ثانية؟ هل هناك من سينتشلها من هوة اليأس و يزرع في قلبها الأمل مجدداً؟