#دوامة_في_قلب_البلورة
الفصل الرابع
أحست شاهندا بالنشوة، و غمرتها الفرحة التي لم تجدها في حياتها منذ زمن. كل ذلك الثناء لها.. هل تحول الأسى الذي تعيش فيه و رسمته بفرشاتها في كل لوحة، كأبيات قصيدة شعرية تحكي قصتها، إلى رسالة مست قلوب النقاد و المعجبين؟ ترى هل حقاً فهموها؟ نظرت ساعتها إلى زوجها، فوجدت شرارات الغضب تلتمع في عينيه.. ما الذي فعلته الآن؟ تكاد تجزم أنه لولا وجودها وسط الناس لهمَّ بضربها. تدعو الله ألا ينتهي وقت المعرض.. قلبها يرتجف من الخوف.. لقد أقترب موعد المغادرة و العودة للبيت.حين ركبا السيارة في إتجاة البيت، ساد الصمت بينهما. حاولت تلطيف الجو و تهدئته، فسألته عن أخبار آخر مسرحياته. كان هذا غباءاً منها.. عرفت ذلك حين أبيضت عقلات أصابعه من شدة ضغطه على المقود. لم ينظر إليها و داوم على النظر أمامه للطريق. لماذا سألت مثل هذا السؤال الأحمق؟ سمعته يتحدث منذ يومين عن أن المسرحية لم تلقى النجاح المرغوب كما اللتي سبقتها، و أن إستقبال النقاد لها و الجمهور كان سيئاً على حد سواء. " يا إلهي! لقد جعلته أكثر غضباً الآن.."
فور دخولهما إلى الشقة، ألقى مفاتيحه بعنف على الطاولة. صوت إرتطامهم جعلها تنتفض. إستدار يواجهها و على شفتيه إبتسامة ساخرة قاسية. " الآن و قد أصبحتِ على مشارف النجاح و الشهرة، تسخرين مني؟" " أنا!" " نعم أنت.. أتظنين أن كلام كل ناقد و معجب أبله إليك كان حقيقياً؟ كلهم يخدعونكِ.. كل لوحاتك ما هي إلا تراهات.. خطوط خرقاء.. لست فنانة! كل رسوماتك لا تحوي شيئاً سوى الظلام و الكآبة!" " و من الذي حول حياتي و أعمالي لتلك الدرجة؟ من الذي أنهى سعادتي؟ يد واحدة لا تصفق.. لم أعد أطيق.. لا أريدك بعد الآن. أقسم بالله سامحتك مراراً، و لكن ما أعيشه معك الآن ليس بالحياة.. شيء أقرب إلى الإستنزاف حتى الموت.. تقول أنك تحبني، و أنك نادم ، و أنه عليَّ أن أثق بك.. كيف؟ كيف بالله عليك.. كيف؟ لم تكف عن خيانتي يوماً! لم تقطع على نفسك عهداً أمامي إلا و نقضته! لم تعدني وعداً و أوفيته! أكره الإنسانة الجبانة التي تحولت إليها؟ أكره نفسي لحبي لك و لأنني صدقتك في كل مرة! لم أعد أعرف من أنا و لا من أنت.. أريد الطلاق..."
لم تكد آخر الكلمات تخرج من فمها حتى أحست بصفعاته على وجهها. دفعها نحو الحائط بشدة تسببت في وقوع صورة زفافهما على الأرض و تكسر زجاجها و إطارها. أمسك كتفيها صارخاً، " الآن تريدين تركي! أتظنين أنني أصبحت شخصاً فاشلاً، و أن مشهورة مثلك لا يجب أن تربط نفسها بي! أنت لا شيء و لن تكوني شيئاً!" شدها بقوة ورائه لغرفة النوم. كال لها الضربات حتى سقطت على الأرض باكية.. دهس أصابعها بحذاءه بكل قسوة حتى سمعت صوت تحطم عظام أصابعها. حين فقدت الوعي كان آخر ما سمعت من صراخه، " لن أجعلك تمسكين الفرشاة مرة أخرى..!" ساعتها رحبت بظلمة اللاوعي التي إلتفت حولها و غلفتها.
حين أفاقت، وجدت نفسها على الأرض، و رأته جالساً جوارها يبكي، ظل يردد، " أنا آسف.. انا آسف.. لا تتركيني .. أحبك.." كم هائل من أعقاب السجائر حوله.. رائحة الغرفة خانقة. حاولت النهوض و لم تستطع. جسدها يئن في صمت مؤلم. كل ما قالته، " أريد الطلاق.. أكرهك. " غابت عن الوعي مرة أخرى.
حين أفاقت، كانت على سرير. شخص ما حملها، و ألبسها ملابس النوم، ضمد أصابعها التي يحيط بها الآن الجبس. كل شيء حولها لونه أبيض.. لم تعد الغرفة خانقة، و نور الشمس يدخلها.. ليست هذه غرفتها. أين هي؟ حاولت التركيز مرة أخرى لكنها غابت عن الوعي للمرة الثالثة.
مالذي يحدث لشاهندا؟ أين هي؟ مالخبر الصادم الذي ستسمعه؟ أين سيكون علاء في حياتها من الآن فصاعدا؟