#دوامة_في_قلب_البلورة
الفصل الثاني
بدأ الأمر برنين هاتفه النقال في ساعات الليل المتأخرة.. و كل المتصلات من النساء.. عودته متأخراً متعللاً بإنشغاله بالعمل.. روائح العطر النسائي الملتصقة بثيابه.. عصبيته التي بدأت في الإزدياد يوماً بعد يوم. كانت غيرتها تتفاقم، حتى لم تستطع الصبر أكثر وواجهته، و أنفعلا، فكلاهما يملك طبعاً نارياً. لطمها على وجها، فوقعت على الأرض، و غادر البيت. كانت أول مرة يمد يده عليها.. والدها نفسه لم يضربها، لذا كان الألم النفسي قبل الجسدي لا يطاق.حين عاد ليلاً، ظل يتأسف و يبكي بين يديها، واعداً إياها بأنه لن يكرر ذلك الأمر أبداً، و أنه يحبها.. و هي كالحمقاء صدقته، لأنها كانت تحبه. حافظ على عهده شهرين، و لكن الأمر تكرر بعدها عدة مرات، و في كل مرة تجمع ملابسها و تكاد ترحل، لولا بكاءه و توسله إليها لتبقى. كان حبها له لعنة أصابتها و عذبتها. لم تكن تطيق الحياة مع ذلك الوحش الشرس، و لكنها لم تكن تطيقها بعيداً عن ذكرى الإنسان الذي أحبته. كلما ثارت كرامتها، إزداد قلبها خنوعاً.
حتى دخلت غرفة النوم فجأه ذات يوم من مرسمها في غير موعدها، و سمعته يحادث شخصاً بغزل على هاتفه. صاحت.. بكت، وواجهته بوعوده. لكنه أغلق هاتفه بعد إعتذار لبق لمحدثته، و نهض من جلسته. توجه نحوها بكل هدوء، و لطمها على وجهها المرة تلو المرة حتى انهارت على الأرض، فأخذ يركلها حتى كادت تغيب عن الوعي. لم يلتفت إليها و تركها و غادر. تحاملت على نفسها تستند على الأثاث و الجدران إلى أن وصلت إلى دورة المياة، فأخذت تتقيأ، و أكتشفت خطوطاً من الدماء تسيل على فخذيها.. اتصلت بأبيها باكية ليحضر لها الإسعاف و ياتي لنقلها للمستشفى.
عرفت هناك أنها كانت حاملاً في شهرها الرابع، و أنها فقدت الجنين، و مصابة بتهتك في أنسجة الرحم، لكن رحمة الله واسعة، فلن يؤثر ذلك في قدرتها على الإنجاب. حين سألها الطبيب عن سر الكدمات في جسدها، لم تخبره الحقيقة.. قالت أنها سقطت على درج البيت مراراً لإصابتها بهبوط و إنخفاض في ضغط الدم. إتصل والدها بعلاء مؤنباً إياه على ما حدث، و على إهماله في رعاية زوجته في حملها.
جاء إليها في غرفتها بالمستشفى و هو يبكي، أخذ يتأسف و يقبل قدميها، حتى أن والدها الجاهل بحقيقة الأمر شعر بالشفقة نحوه أكثر من حزنه على ابنته. كادت شاهندا تضحك من سخرية الموقف و جنونه، لكنها صمتت و أدارت وجهها بعيدا عن زوجها. لم تطق أن تنظر إليه في تلك اللحظة. كل الحب الذي كان في قلبها تحول إلى مقت و كره. لقد قتل بيده كل شيء كان بينهما جميلاً.
أخبرته أنها ستمكث في بيت أبيها حتى تتماثل للشفاء. وافق على طلبها، و عينيه مليئة بالتوسل لتسامحه.. لكنها في تلك اللحظة لم تستطع. طفلها الذي قتل قبل أن يرى نور الحياة، كرامتها التي سفكت دمائها مع جسدها، و قلبها المطعون من خياناته المتكررة. لم تستطع مواجهته دون أن يظهر الألم و الوجع في عينيها. و تعجبت من نفسها و هي تصطنع إبتسامة منمقة لم تصل لعينيها لأول مرة في عمرها، حتى لا يحس والدها بشيء.
غادرت المستشفى بعد أسبوع، و مكثت في بيت والدها. لكن الأشباح لم تغادرها. كادت تصاب بالجنون.. ترى هل لا زالت خيانته مستمرة؟ ترى هل هناك من تغويه بعيداً عنها؟ من يجهز له طعامه؟ من يغسل له ملابسه؟ كيف يعيش؟ هل ما زال يحبها؟ هل هي عنده أهم من الأخريات كما كان يقول لها دائماً و هو بين ذراعيها؟ يقتلها الحنين إليه و الخوف من أن يكمل حياته من دونها.. كأنها لم تكن.. كذكرى طويت قيد النسيان.
" لكنه ضربك.. كاد يقتلك.. قتل طفلك ي رحمك.. حرمك من أن تكوني أماً. أهانك جسدياً و لفظياً و نفسياً.. أحبه.. لا أطيق الحياة بدونه.. ستقتلني الغيرة عليه.. ليس هو نفس الشخص الذي أحببته.. من وقعت في غرامه مجرد صورة واهية.. ما بداخله فاسد غير سوي.. بل هو نفس الشخص! لكل منا جانب مظلم.. أنا شديدة الغيرة، و كثيراً ما أستفزه.. أنا من يتسبب في تحويله إلى وحش. يجب أن أتعامل معه بحرص أكبر من الأن فصاعدا. آآآخ! يا لك من حمقاء! أين كرامتك؟ أين كبرياءك؟ أين لوحاتك؟ لم تستطيعي مسك فرشاة و إنهاء و لو لوحة واحدة.. من أنت؟ لقد صرتي شخصاً غبياً متواكلاً عليه. حقاً لم أعد أعرفك.. من أنت؟" كل هذا كان يدور في عقل شاهندا حتى كادت تصاب بالخبال و الجنون. كان ملاذها الوحيد هو النوم. نوم عميق بلا أحلام.. تنام لتمنع نفسها من معاودة البكاء.. تنام لتهرب من الذكريات.. تنام لتهرب من الشوق و الحنين.. تنام لإنها لا تريد مواجهة الواقع.
ترى مالذي سيحدث للوحش الخائن و الغافلة الحمقاء؟