دوامة في قلب البلورة

769 68 1
                                    

#دوامة_في_قلب_البلورة
الفصل الثالث
كان يتصل بها أكثر من مرة كل يوم. جاء لزيارتها مرات عديدة، و في كل مرة تقاوم نفسها و ترفض مقابلته.. حتى أن والدها أمرها في أخر مرة أن تجمع ملابسها في حقيبتها و تغادر مع زوجها. كادت تصرخ، تريد أن تصارحهم بحقيقة الشيطان الذي يظنه الجميع ملاكاً.. لكن نفسها لا تطاوعها، فحتى لو كان شيطاناً، فمازال حبيبها.. ما زالت تشتاق و تحن إليه. ربما ينصلح حاله، ربما يحبها حقاً، ربما هي حقاً من يسكن قلبه و ليست كل الأخريات اللاتي عرفهن قبلها و بعدها، أليست هي من تزوج؟ ربما، و ربما، و ربما..

حملت حقيبتها، و ودعت أباها و غادرت مع زوجها في سيارته. لم تحادثه، و لم تعد تسمع ما يقوله.. كل ما كان يشغلها الأن هو سؤال واحد هل ستتحمل الحياة معه؟ هل سيكرر قتله لطفل آخر بداخل أحشائها؟ هل سيحتمل قلبها و عقلها حياة بمثل هذا العذاب؟ و إلى متى؟

دخلا شقتهما، و تفاجأت بأن كل شيء على ما يرام. البيت مرتب، و رائحة النظافة تشع من أركانه. و جهت له نظرة تحمل تساؤلها. فأجابها أنه أستأجر أمرأة تنظف البيت أسبوعياً، و أنه لا داعي لإن ترهق نفسها بالأعمال المنزلية الشاقة من الآن فصاعداً. حين دخلا غرفة نومهما.. هاجمتها هواجس الذكريات، فرأت نفسها مسجاة على الأرض تمسك بطنها، و تذكرت لطماته المتكررة على وجهها، دموعها المنهمرة، و هي بإنتظاره، و تعرف أنه بين أحضان أخرى متعللاً بإنشغاله في العمل. حين حاول أن يضمها بين ذراعيه، سمعت بكاء جنينها المقتول، فصرخت و أرتعدت مبتعدة عنه كغزال خائف.

بدأ غضبه في الظهور على محياه، لكنه تمالك نفسه، و ضغط قبضتيه حتى أبيضت عقلات أصابعه.. أظهر إبتسامة مفتعلة، و أخبرها أنه سيذهب للعمل لإن لديه مقابلة مع كاتب مسرحي. فور أن أغلق الباب أنهارت. فرائصها كلها ترتعد.. لن تستطيع العيش هكذا.. تحبه نعم، لكنها أصبحت تخافه و تمقته أيضاً.. هل ستجروء على مواجهته أو إخبار أهلها.. لقد حولها الخوف إلى كائن جبان. من كثرة أكاذيبها، لن يصدقها أحد.. هي نفسها لا تصدق كيفية تحوله من النقيض للنقيض.

عاد في الليل، تلتصق بملابسه رائحة عطر نسائي. أيقنت لحظتها أنه لن يتغير. حاول إحتضانها، لكن صراخ الجنين عاود أسماعها.. تملكها الخوف و البغض.. قاومته.. تراجعت للوراء.. كادت تصرخ لولا إنحباس صوتها في حلقها.. حولها الرعب لخرساء.. مدت ذراعيها تحاول إبعاده، لكنها ضربها في كل مكان غير ظاهر للناس من جسدها. أخذها بقوة لم تختلف كثيراً عن الإغتصاب، و نام.. نام كأن شيئاً لم يكن. أما هي فرقدت جواره كجثة ممزقة الأشلاء. دموع الصمت تسيل على خديها. لم تعد نفس الإنسانة التي كانت عليها يوماً. لقد قتلها. سفك دمائها، و استنزف حبها له حتى أخر قطرة.

السؤال الذي ظلت تسأله لنفسها مراراً و تكراراً.. لما لا تتركه و ترحل؟ لما لا تحاول جمع شتات نفسها؟ تعلم أنا تكرهه.. تبغضه.. تحتقر كذبه و أنانيته.. إذاً فلماذا البقاء؟ لماذا تعيش في القهر و الشقاء؟ إلى متى عليها التحمل؟ لن يصدقها أحد! هكذا صاح عقلها. لقد جعلت منه صورة ملائكية للزوج المثالي الذي يسير بين البشر على سطح الأرض.. إن طلبت الطلاق سيتهمونها بالجنون. لا تستطيع أن تظهر كدمات جسدها لهم.. نظرات الشفقة في أعينهم ستكون أكثر إيلاماً من ضرباته. غبية هي.. تعرف ذلك جيداً لكن حبها له ليس حباً عادياً، فهو زوجها و حبيبها و ابنها و صديقها.. ذلك الكائن الشرير الذي يضربها و يخونها هو من تكره. كادت تصاب بالجنون، و لم تتمكن من النوم.

لا تعرف مالقوة التي ألمت بها و تملكتها لتنهض رغم ألآم جسدها لتدخل حجرة مرسمها و تمسك بالفرشاة و الألوان. دموعها تتساقط ما بين إمتزاج الألوان و ضربات الفرشاة على صفحة من ورق أبيض فارغ ملئته بحزنها و وحدتها. لم تشعر سوى بنور الشمس على وجهها معلناً بدء يوم جديد. منذ ذلك الحين و هي تتلاشاه.. كل ما عليها إفراغ الشحنات السالبة بداخلها في لوحاتها. لا يهمها من يراها، أو إن كانت ستباع أم لا.. كل تلك التفاصيل لا تهم.. المهم الأن أن أصابعها و عقلها الوضاء لا يتوقفان عن إخراج القيح من روحها في صورة لوحات رائعة.

قررت عمل معرض لتلك اللوحات. ستغامر و ترى.. و قد كان نجاح المعرض الذي حضره زوجها لا مثيل له.. إلتمعت تحت الأضواء المسلطة نحوها. لاقت نقداً بناءاً و إعجاباً منقطع النظير.. في غمرة فرحتها لم تدرك معالم الغضب في عيني زوجها..
ترى ما الذي أغضبه؟ و مالذي سيفعله بها؟


دوامة في قلب البلورةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن