دوامة في قلب البلورة

741 70 2
                                    

#دوامة_في_قلب_البلورة
الفصل الخامس
حين أفاقت شاهندا هذه المرة، وجدت والدها واقفاً أمام الشرفة. نادته، فاستدار لها مبتسماً، لكن عينيه مليئة بالحزن و دموع حبيسة. جلس على مقعد مجاور لفراشها. كاد يمسك يدها، لكنه تذكر ما بها. نظر للأرض و خاطبها، " لما لم تقولي أي شيء يا ابنتي؟ لما لم تحكي ما عانيته كل تلك الفترة؟ لولا جارتكي، لكنت في عداد الموتى الآن. عند سماعها صراخكما إتصلت بحارس العقار ليتصرف، و هو من إتصل بي. أتيت لشقتك مسرعاً، و كدت أحطم الباب بمساعدة الحارس، لكن الجبان زوجك فتح الباب لنا. حين رأيتك مسجاة على الأرض كدت أفتك به.. ساومته إما أن يطلقك و إما أن أبلغ الشرطة و يتحمل الفضيحة. فأختار الطلاق ، و بدأ في إجراءاته. إتصلت بالإسعاف التي نقلتك لهذه المستشفى، و كنت غائبة عن الوعي لأربعة أيام. ستشفين بإذن الله و تكملين حياتك بعيداً عن ذلك المخلوق. لا أريد إعتراضاً، و لا أريد أن أرى الحزن في عينيك يا ابنتى.. إنه ليس برجل! من يرفع يده على أنثى ليس برجل! من يخون أمانة عاهدته على صونها ليس برجل! ذكر نعم، لكنه ليس برجل."

كاد الإنفعال أن يقضي على والدها.. فحاولت تهدئته، و كانت هي من يحتاج لأحد يريح صراخ الأفكار في رأسها.. بعد برهة إنصرف. و هاجت الأشباح الكامنة في صدرها. كل كلمة قالها والدها كانت صحيحة. ظنته فارساً مغواراً، و ظنت نفسها بين ذراعيه أميرة.. أما هو فقد حط من قدرها.. أفقدها إحترامها لنفسها و له.. غيرها حتى لم تعد تعرف من هي.. لكم وثقت به! لطالما أحبته.. سامحته كثيراً.. كانت له أماً و حبيبة و صديقة و أختاً، لكنه أراد من تغفر له خطاياه كلما أجرم في حقها كطفل مدلل، من يتمتع بجسدها، و من تسليه حينما يشعر بالضيق و الملل. كان حنوناً في لحظات، لكن قسوته فاقت حنانه.. كذبه فاق صدقه.. خداعه فاق ثقتها به.

أخبرها كثيراً أنه يحبها.. هل يا ترى يعرف معنى هذه الكلمة؟ ما هو الحب في نظره؟ إنها ليست وجبة شهية تؤكل، ثم تلقى بقاياها.. ليست وعاءاً تصب فيه الشهوة و يترك. الحب وفاء و ثقة و صدق و حنان و روح و جسد.. القلب ليس فندقاً تجلس كل حبيبة و عشيقة في غرفة منه، لتقسم بينهم عطايا ما يسميه حباً. كرهت نفسها لبكائها الصامت. لماذا تبكي؟ تستحق شخصاً أفضل.. تستحق حباً أفضل.. تستحق من يكن لها رجلاً و ليس مجرد ذكر.. تستحق... ماذا؟ ما الذي تستحقه؟ ألم يكن هو إختيارها منذ البداية؟ لكنها لم تكن تعرفه؟ لم تكن تعرف مدى العفن الذي يرقد تحت الطبقة البراقة من هالة الثقافة و التحضر التي يظهرها أمام الناس.. كل هذا لا يهم الآن.. ستبدأ رحلتها في الحياة من جديد.. تعرف أنها قوية.. هي كسيرة الآن، لكن الله سيجبر خاطرها.. و لكنها حقاً تشتاق لنفسها القديمة التي إبتعدت كثيراً عنها حتى لم تعد تعرف من هي.

حاولت مسح عبراتها، لكن أصابعها كانت بثقل كتل الخرسانة.. ساعتها تذكرت ما فعله بها، تذكرت أنها لن تتمكن من الرسم ثانية، فعاودها البكاء مجدداً، و لكنه كان أكثر إيلاماً هذه المرة. سمعت طرقات واثقة هادئة على باب غرفتها فظنت أنه والدها أو إحدى الممرضات، لكن من دخل الغرفة كان أحد الأطباء. جلس على المقعد المجاور لسريرها. عرف نفسه بأنه الدكتور هشام خليل.. ظل يسألها في صوت هاديء واثق كطرقاته على الباب.. عن حالة أصابعها، و إذا ما كانت المسكنات فعالة كفاية لها.. حاولت أن تجيبه بهدوء مماثل، لكنها لم تكن مقنعة و الدموع تكسو وجنتيها. أدارت رأسها عنه و هي ترد بهدوء..

فوجئت حقاً حينما أحست بيده تحمل مناديلاً ورقية، لتمسح دموع وجهها.. كان برقة من يلمس بتلات زهرة.. ينساب الحنان من أصابعه، فيسيل و يجري وسط أخاديد من المعاناة و الوحدة و الألم. ابتسم حينما كست الحمرة وجهها. ساعتها نظرت إليه بتمعن أكثر، و رأت قسماته عن قرب.

ترى كيف يبدو هشام؟ و مالدور الذي سيلعبه في حياة شاهندا؟ و ماذا عن علاء؟


دوامة في قلب البلورةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن