الفصل الثاني

12.2K 261 2
                                    

احست آنجي انها معتلة المزاج بقية النهار حتى انها اسقطت دستتين من البيض على الأرض وافسدت مجموعة كاملة من الجاتوه عندما وضعت الملح بدل السكر.
ولما كان المساء قد اقترب حاولت ان تقنع نفسها بأن العشاء مع سبنسر قد يعدل مزاجها.
اخذت دشا ساخنا وارتدت بلوزة سوداء وجيب من الحرير حوافه من الصوف الكشمير الأحمر الطوبي مع وشي ذهبي وفضي واسود.
تركت شعرها مسترسلا ليسقط الى الخلف ثم تعطرت بعطرها المفضل واصبحت جاهزة.
جلست آنجي الى المائدة في مواجهة سبنسر في ملهى تروميول وهي تحتسي زجاجة من الكوكا ولسوء الحظ فأن تأثير المياه الغازية كان ضعيفا على مزاجها وصحبة سبنسر لم تخفف من حالتها.
حاولت ان تركز على الحديث لكن افكارها كانت تائهة في مكان آخر.
كان سبنسر طبيبا بيطريا وقد تقابلا من عدة شهور عندما احضرت له آ نجي كلبها الأيرلندي كي يحصنه،وبعدها تقابلا تقريبا كل اسبوع في العطلة.
لم يكن سبنسر يدفع علاقتهما مكتفيا باللقاء الأسبوعي حيث يتبادلان الغزل العاطفي الأفلاطوني.
تسلءلت في نفسها مالذي تبحث عنه حقا؟ان الأحباط الذي احسته نهاية علاقتها الزوجية مع تشاد لم تنسها لحظات السعادة التي عرفاها معا والتي تمنت ان تعود مرة اخرى مع شخص اخر.
ولكن هل هذا الشخص هو سبنسر بيترسون؟
عندما تطلعت الى عينيه الرماديتين وابتسامته اللطيفة لم يعد لديها شك في انه خالمن العاطفة.
قال سبنسر:
_هل اعجبك العشاء ياآنجي؟
_آوه ..العشاء..طبعا.
تجهم سبنسر قائلا:
_هل انت واثقة بأن كل شيء على مايرام؟فشهيتك ليست مفتوحة هذا المساء؟
_انا؟اطمئن كل شيء على مايرام لكني متعبة قليلا فهذا اول يوم اعود فيه الى العمل بعد غياب اسبوع.
_لكن يبدو انك بصحة جيدة،فخداك متوردان ،اجابت دون ان تدري ان كان يجاملها ام لا:
-شكرا سبنسر
لماذا لايقول لها انها جميلة ولو لمرة واحدة؟ولماذا يقول لها دائما انها بصحة جيدة؟
انها الملاحظة التي تقال لعانس لطمأنتها مالم يكن هذا عيبا فيه نتيجة مزاولته المهنة.
تذكرت فجأة الطريقة التي كان ينظر بها ليوك اليها،هذا هو الرجل الذي يستطيع ان يشبع غرور المرأة ولو قضيا السهرة معا فالله وحده يعلم ماكان سيفعله ليغازلها.
قال سبنسر:
_الم تسمعيني ياآنجي؟
_اوه..ارجو المعذرة..لا..لم..
رفعت آنجي عينيها نحو الرجل الجالس امامها واحست فجأة بالخجل لشرود ذهنها.
_لقد سألتك هل تريدين زجاجة اخرى من الكوكا؟
_لاشكرا لاأريد.
_اعتقد اني سأتناول واحدة.
دارسبنسر بنظره حول المائدة بحثا عن الساقي وصاح:
_اللعنه هاهو قادم هناك.
دارت آنجي بنظرها نحو باب الدخول وقالت:
_من هو؟
_انه لاعب كرة البيسبول المشهور..ماهو اسمه؟اوه..اللعنة! انت تعرفين عما اتحدث؟لقد كان اعظم مهاجم بعد هولتنج جو.
استدارت آنجي نحو سبنسر وهي تسند ظهرها على المقعد:لاعب بيسبول معتزل؟ياله من امر غريب!عندما تطلعت الى تعبيرات سبنسر توقعت ان يكون الأمير تشارلز هو من دخل المطعم.ثم من يكون هذا المدعو هولتنج جو؟
هزت رأسها ثم احتست جرعة من الكوكا.
بدا وكأن سبنسر سقط وسط بحيرة من الحيرة ثم اخيرا اضاء وجهه وطرقع بأصابعه وهو يعلن بلهجة المنتصر:
_انه ليوك وايلدر هذا هو ماقصدته.الم تسمعي ابدا به؟ذلك اللاعب الذي اطلق عليه المعلقون الرياضيون لقب"الثور"؟
اوشكت آنجي ان تختنق وهي تحتسي الكوكا.بعدها اصابتها نوبة شديدة من السعال بينما صعدت الدموع الى عينيها وغطت فمها بمنديل:
_ارجو المعذرة..من الأفضل ان اذهب لدورة المياه.
تجاهل سبنسر حالة الشابة وركز نظراته على ليوك..انه قادم نحونا.زسيمر امام مائدتنا.
كان في قمة الأثارة وامرها وهو يمسك ذراعها:
_لاتنهضي!
همهمت وهي تكز على اسنانها:
_دعني اذهب.
عندما تمكنت من تخليض ذراعها من سبنسر كان ليوك امامها يتفحصها دون حياء.
رفعت عينيها نحوه ثم اصابتها نوبة جديدة من السعال.
سألها بلهجة رقيقة:
_هل حدث شيء ياآنجي؟
اخذ يضربها على ظهرها برقة فقالت وهي مقطوعة النفس:
_اشكرك..كل شيء سيكون بخير.
اخذت يده تدلك عنقها وتربت شعرها في دوائر واخذ سبنسر يرقبهما وقد فقد النطق ثم اجاب ليوك برقة على التساؤلات البادية في عيني البيطري:
_لقد التقينا هذا الصباح في محل الحلوى.
قال سبنسر وهو يهز رأسه في استغراب:
_ولم تعرفك؟لقد عرفتك انا في الحال.
مد يده قائلا:
_سبنسر بيترسون زيشرفني ان اتعرف عليك سيد وايلدر.
_سعيد بمعرفتك ياسبنسر لكن لاتقسو على آنجي فأن الكثيرين من الناس لايتعرفون علي منذ اعتزلت البيسبول.لقد كان الأمر افضل فيما مضى.
_يالهي!ليوك وايلدر هنا بشحمه ولحمه انني لا اصدق ذلك.
كزت آنجي على اسنانها.هل كان من الضروري ان يتصرف سبنسر كالمراهق!
قالت آنجي:
-اعتقد ان المضيفة تحاول ان تلفت نظرك ياليوك.
_آه حسنا من الأفضل ان اذهب هناك قبل ان تعطي مائدتي لاحد غيري.ليلة سعيدة لكما.
تنفستآنجي الصعداء عندما استاذن ليوك منهما،لكن سبنسر لم يكن قد انتهى بعد:
_اذا رغبت بمشاركتنا المائدة سيد ليوك فسيشرفنا ذلك للغاية..اليس كذلك ياآنجي؟
استدار ليوك نحو الشابة منتظرا ردها.
_انا واثقة من ان السد ليوك لديه مشروعات اخرى لهذا المساء ياسبنسر اليس كذلك؟
_اجاب ليوك:
_بلى لدي مشروعات اخرى فسأتناول العشاء مع ايف تايلور.
كانت ايف تايلور امرأة رائعة الجمال ووكيلة ناجحة للعقارات في شاذام فولز ،قال مكملا حديثه:
_ايف هي من قامت بالأتفاق على استئجاري لفيلا روزوود حتى وقعت العقد.
قال سبنسر في سعادة:
_انت ستقيم في فيلا روزوود؟هذا يعني يآنجي ان ليوك هو جارك الجديد.
قال ليوك يعاكسها ويغيظها:
_حقا ؟لماذا لم تقولي لي هذا الصباح؟
_الم اقل لك هذا..هل انت متأكد؟!
_متأكد تماما والا لتذكرته بكل تأكيد.
قال سبنسر الذي بدا عليه هذا المساء الروح التطوعية:
_ان آنجي تسكن تلك المزرعة الضخمة اعلى التل ولو احتجت اي شيء لاتتردد في المرور عليها ومقابلتها.
_حسنا هذا لطيف منك ياسبنسر..اعتقد اني ارى ايف عند الباب..تشرفنا ياسبنسر..آنجي اعتقد اني سأمر عليك لأستعير منك اناء السكر التقليدي كما يفعل الجيران.
عندما رحل ليوك لينضم لأيف تايلور استدار سبنسر نحو آنجي:
_ياله من مخلوق مثير!بسيط وودود..
قالت في نفسها:انه لم يضع وقته وسرعان ماوجد رفيقة تحل محلها في العشاء.
قال سبنسر:
_انني اتساءل ماذا يفعل شخص كليوك في شاذام فولز؟
في البداية كانت اودري من تحدثها عن ليوك والآن سبنسر؟!هذه قمة المأساة.الايستطيعان ان يحدثاهاعن شخص غيره؟!
تنفست بعمق وهي تحاول استعادة هدوئها:
_ربما جاء لممارسة الرياضة او التزحلق على الجليد اوربما يحب الهواء الطلق؟
رد عليها:
_شخصا مثله كان من الأفضل له الذهاب الى كولو رادو او الى سويسرا.فلابد ان لديه الأمكانات ثم حسب ماأعرفه فهو في اسبوع يخرج مع مغنية روك والأسبوع الأخريخرج مع وزيرة او ممثلة..اذا كانوا قد سموه الثور فليس بسبب غزواته الرياضيه فحسب.
امتعضت آنجي امام هذا التعليق الفاضح واعترضت على كلامه بصوت بطيء:
_ان كل الناس يمكن ان يتغيروا.
لم تكن تعلم سبب ضيقها،ان تعلم ولو اشاعة ان ليوك هو زير نساء..القت نظرة نحو ليوك الذي كان يقرأقائمة الطعام مع ايف،بدا ان ايف وقعت تحت سحر رفيقها فهي تضحك بأستمرار امام كلماته.
قال سبنسر بعد فترة تفكير:
_منذ ان توقف عن البيسبول اصبح رجل اعمال ناجح جدا.
وقد قرأت عنه مقال مؤخرا في مجلة أوم انه عبقري للغاية.
لم تعد آنجي تتحمل اي كلمة وحاولت تحويل الحديث نحو مهنة سبنسر.
على بعد بضع موائد منهما كان ليوك وأيف يتمتعان بالشراب واخذ ليوك ينصت بأنتباه الىها وقد نسي وجود اي شخص آخر.
كانت آنجي تعرف انه ليس من اللطيف بالنسبة لسبنسر ان تتمنى ان تكون في هذه اللحظة من ينصت اليها ليوك بدلا من ايف.
سألها سبنسر وهو يقطع افكارها:
_اتحبين ان نطلب الحلوى؟
_لاشكر،فقط قهوة.
قال يعاكسها:
_ان فطيرة التفاح لاتساوي فطيرتك ولكنها على اية حال طيبة.
_انت لطيف..ولكن اريد فقط القهوة.
بعد ان انتهيا من العشاء عرض عليها سبنسر ان يتناولا شرابا منعشا امام المدفأة في الصالون الكبير بالملهى،في البداية رأت ان الفكرة لا بأس بها،ولكن في النهاية رفضت بحجة انها متعبة وطلبت منه ان يعودا الى السيارة.
رد عليها سبنسر وهو يساعدها في ارتداء معطفها:
_طبعازلقد فهمت..انك مجهدة..فقد عملت كثيرا.
اجابت:
_ربما.
_لابد ان تستأجري احدا،موظفا اواثنين.ويمكنك ان تعرضي على اودري ان تتحمل جزءا من المسؤوليه عنك؟
اعرف انك تخلصين تماما فيما تفعلينه وهذا دون شك سبب نجاحك ولكن ربما يأتي يوم يحمل لك اهتمامات اخرى تدفع باهتماماتك الحالية الى الخلف.لذا يلزمك شخص تثقين به يحمل عنك المسؤوليه.
كانت آنجي تعلم جيدا ماهي الأهتمامات الأخرى التي يقصدها سبنسر وهي الأطفال والأسرة.
لقد كان سبنسر حقا نموذجا للصبر،كان يقنعها دائما بأن نواياه جادة وكانت آنجي دائما تجد نفسها متضايقة وهي ترد على تلميحاته.
عندما وصلا امام شاحنتها الصغيرة الحمراء.هنأت نفسها لأنها جاءت بسيارتها الخاصة ممايتيح لها العودة الى منزلها بمفردها.
ردت عليه وهي تبحث عن مفاتيحها في حقيبة يدها دون ان تنظر اليه:
_معك حق فالأسابيع القادمة مشحونة بطلبات كثيرة خاصة في الأعياد.
وجدت المفتاح وفتحت باب الشاحنة وشكرت سبنسر على الأمسية ،وكالعادة ضمها وقبلها سبنسر متمنيا لها ليلة سعيدة.
بعد فترة طويلة بدأت السير بالسيارة على الطريق الريفي الذي يؤدي لبيتها،وسألت نفسها حول الطريقة التي قبلها بها سبنسر مودعا اياها هذا المساء،هل كان قد ضمها بقوة اكبر هذه المرة؟ ام انه مجرد وهم؟ هل اصبح اكثر حبا في التملك واكثر عاطفة؟
دخلت الى الطريق الترابي المؤدي الى بيتها.
انهما لم يتحدثا ابدا عن المستقبل..مستقبلهما معا..ستقابله يوم الجمعة ربما يتحدثا عن ذلك.
ان علاقتهما اكثر من صداقة وان لم تكن في الحقيقة علاقة غرامية،والزمن كفيل بأن يحدد الأتجاه الذي ستتخذه هذه العلاقة.
ركنت آنجي سيارتها امام البيت واطفأت انوارها وابطلت المحرك.
ان الوقت لايزال مبكرا على التفكير في الزواج مرة اخرى فهي ليست مستعدة .ولكن عندما يحين الوقت هل يظل سبنسر نفس الرجل الذي تحتاجه؟
رغم اراء اودري فأن آنجي لاترغب في التخلص من رجل اكتشفت انه ذو فائدة كبيرة لها.
توجهت الى الباب الخلفي ومرت على احواض الزهور ثم امام حديقة الأعشاب العطرية التي تقع عند باب المطبخ الخلفي.
دخلت البيت واغلقت الباب وراءها وهي تتساءل:لماذا اصبحت حياتها فجأة معقدة لهذه الدرجة؟.آه لو وجدت شخصا يعطيها وصفة السعادة الكاملة.


..

روايات عبير / سهرة الأحلامحيث تعيش القصص. اكتشف الآن