الفصل الرابع

10.3K 217 2
                                    

تطلب الأمر من آنجي وقتا طويلا حتى تفيق مماحدث مع ليوك.
ولاقت صعوبة شديدة حتى تنام واحست بمزاج غريب عندما استيقظت في الصباح.
كانت لحظات اقترابها من ليوك قد انطبعت في ذهنها.وعندما سمعت باب المحل ينفتح قفز قلبها في صدرها وانتظرت ان ترى الأبتسامة الساحقة للبطل السابق.
ولكن ليوك لم يحضر في هذا اليوم ولا في اليوم التالي وعندما مرت آنجي على فيلا روزوود وهي ذاهبة الى القرية وجدتها معتمة ومهجورة.لم ترى اي ضوء يتسلل من النوافذ،واختفت سيارته الفاروميو الحمراء من الممر.ووجدت انها في احدى الأمسيات لديها الرغبة لتمر على الفيلا بحجة انها تريد ان تعرف اخباره وحتى تظهر له انها لاتحمل ضغينه بسبب سلوكه ولكنها تراجعت عن تنفيذها:هل ستحق ليوك هذا الأهتمام؟
اختارت ان تتجاهله وهو امر يسهل قوله عن تنفيذه.
عادت الى ذهنها نفس الأسئلة دون انقطاع:هل تخلى عن رغبته في الحياة في الريف؟ام تخلى كذلك عن رغبته فيها؟ ومع ذلك فأنه لم يظهر ذلك.فقد بدا بأن دعا نفسه لزيارتها بدعوى مزيفه بينما نواياه كانت بعيدة عن الأمانه والصدق.وانتهى به الأمر ان استغل ثقتها قبل ان يختفي.
ولكنها تكون مخطئة لو احست بخيبة الأمل فليوك كان تماما كما تخيلته.
سمعت اودري تقول:
_ايمكنني الدخول؟
كانت يداها غائرتين في العجين عندما رفعت عينيها نحو صديقتها.
خلعت اودري قفازها وقبعتها وهزت رأسها لتحرر شعرها.
_هل بدأت تتحدثين مع نفسك؟
_انا لاأتحدث مع نفسي وانما اتحدث مع العجين.فهي نصيحة من جدتي العجوز.لقد قالت لي:ان هذا يساعد عل تخمر العجين.
_لابد ان جدتك المسكينه تتقلب في قبرها الآن من الضحك وهي تسمع هذا الهراء.
اصرت آنجي:
_لكنه يجعل العجين اكثر خفة!
_وعن اي شيء تحدثتما انت والعجين؟عن الأفران؟ام عن آخر صيحة في العجين؟
_لاشيء على اية حال فلقد فسدت.
تراجعت واخذت نفسا عميقا.
_لاتقلقي سنصنع منها اي شيء.
ابتسمت اودري وهي تربط مريلتها حول خصرها:
_الن تسأليني عن سبب تأخري اليوم؟
_آوه..حسنا لماذا تأخرت؟
_لقد كان علي ان اساعد زوجي في الأسطبل فلقد تلقى ثلاثة جياد اصيلة اتربيتها،انها في غاية الجمال.
_انه خبر سار.
سألت اودري وهي تعود الى عجينتها:
_ومن المالك لها؟
_انه ليوك.كنت اظن انك على علم بما يجري!

_آوه حسنا..ولماذا لابد ان اكون على علم؟
هزت اودري كتفيها:
_عندما اخبرتني انه مر عليك في تلك الأمسية،قلت في نفسي انه ربما حدثك عنها..لقد اضطر للذهاب الى ولاية بنسلفانيا لأحضارها وقد استغرق ذلك منه عدة ايام.
_لم يخبرني ان لديه نية تربية الخيل.
_عن اي شيء تحدثتما؟
كانت ابتسامة آنجي الغامضة اثارت انتباه وفضول صديقتها.
_عن امور مختلفة ..لاشيء مهم.هل يضايقك ان تكملي العجين يااودري؟قولي له بعضا من احاديثك ولكن لاتقولي له شيئا سوقيا فأن ذلك سيفسده.
صلصل جرس الباب وسارعت آنجي للرد عليه وهي تفكر:اذن ليوك لن يرحل الى المدينه بل بالعكس فقد بدا ذلك الحضري مصمم على الأستقرار بصفة نهائية في المنطقة.
كانت حتى هذه اللحظة مقتنعة بأن ليوك لن يحضر الى الحفل الراقص للجمعية التاريخيه.كانت لاتطيق صبرا على فكرة ان تراه وفي نفس الوقت كانت فزعة.

*****************

صاح سبنسر وهو يتأمل آنجي وكأنه يراها لأول مرة:
_آوه..آنجي!ياله من ثوب فخم!انه..انك متألقة!
_شكرا ياسبنسر تفضل بالدخول؟انني شبه مستعدة وامامي دقيقة واحدة.
اجابها وهو يعبر عتبة الباب:
_آوه طبعا..كم انا ساذج.
اخذت آنجي معطفها والكاب القطيفة السوداء من فوق السرير،وقفازها الطويل المصنوع من الحرير الساتان وحقيبة يدها.
ألقت نظرة على صورتها في المرآه لتتأكد من زينتها.كانت ترتدي صديريه من القطيفة الخضراء بلون الزمرد وجيب طويلة من القطيفة السوداء على شكل ناقوس من الأسفل،كانت كتله شعرها الأحمر قد ضمتها فوق رأسها على شكل خصلة مثبته بأمشاط من الطراز القديم.
ربما كانت فتحة الصدر واسعة بعض الشيء ولكن ذلك سيغير على الأقل من منظرها وهي بالجينز والصندل المغطى بالدقيق.
_انا مستعدة.
رد عليها سبنسر بكياسة ومجاملة وهو يبعد عنها الطريق لتمر:
_لكن هل شاذام فولز مستعدة لآنجي باريش؟
هذا هو السؤال..او المشكلة.

*************

كانت قاعة اروسلي مبنى فاخر ومؤثرا خاصة هذا المساء.
كان القصر الريفي الضخم المصمم على الطراز القوطي من الأحجار المنحوته،له منظر العظمة التي تأخذ الألباب.
توغلت آنجي وسبنسر وسط عتمة المنتزه ليجدا نفسهما غارقين وسط هالة ضخمة من ضوء الآف لمبات الشموع المضاءة وسط الثريا.وكانت القاعة الفسيحة المخصصة للرقص مليئة ومزينه بباقات الزهور الساحرة.
لم تكن آنجي تستطيع ان تضع عينيه على اي شيء الا وتصاب بالعمى المؤقت من لمعان الكريستال والفضة.
قدمت المشروبات المنعشة وامسليات بينما الفرقة الموسيقية الموجودة في الدور المسحور تعزف كونشرتو لفيفالدي.
ماكادت السهرة تبدأ حتى بدأ الأعضاء في روح مرحة .
قدم لها سبنسر كأسا من الشراب المنعش ولمسه بكأسه وهو يقول بصوت رقيق:
_نخب حسناء السهرة.
ابتسمت آنجي واخذت رشفة .كان الشراب لذيذا يدغدغ طرف لسانها.احست بالسعادة وكأنها تتوقع خبرا سعيدا لكن لاتعرف ماهو.
فجأة لمحت وسط الحضور ليوك بشعره الذهبي وبدلته السموكينج التي لاتقارن بجمالها وكتفيه العريضين.
وفي اللحظة التي وقعت فيها عيناها عليه كان ينظر اليها مباشرة كأنها شدته من أفكاره .
نظر كل منهما للآخر دون حتى ان يبتسم.
كانت آنجي قد غرقت في عمق عينيه التي بلون اللازورد.
فجأة حول عينيه ليرد على ايف تايلور التي كانت تقدمه لشخص ما.
خفضت آنجي رأسها ولوح سبنسر لاودري وزوجها الذين وصلا للتو.
انشغل سبنسر وبرايان بالحديث الجاد عن عدم استطاعة برايان علاج ساق افضل مهرة عنده،تلك التي جرحت اثناء التدريب .
خلال هذا الوقت انسلت آنجي واودري وانهمكتا في فحص المدعوين.
_لو علمت ان ايف تايلور سترتدي ميني جيب!انها مثيرة للأنتباه ثم انظري الى ساقيها انهما عامودان مخروطان من المرمر حقا.
ردت آنجي بصدق:
_انها تبدو في هيئة جذابة وشخصية بارزة.
_وهذه الطريقة التي تلتصق بها بليوك انها مرعبة..لم يتبق سوى ان تجلس فوق ركبتيه..
_لايبدو اان الأمر يزعجه فلا تشغلي بالك.
بد ا ليوك منسجم تماما .لاشك انه كان دون جوان الأسبوع.
تساءل برايان وهو ينضم لزوجته:
_بماذا تهمزان لبعضكما وكأنكما من عجائز الفرح؟
قال سبنسر وهو يحاول ان يبدو متهكما وان كان تهكمه مشوبا بثقل الدم:
_نعم..يبدو عليهما الأنبهار..هل تتحدثان في السياسة وعن الوضع الداخلي القومي؟
ضحكت المرأتان معا وتبادلا نظرات متأمرة ثم صمتتا.



انتهى تقديم الكوكتيل وبدأ المدعون يدخلون بالتدريج الى قاعة الرقص الفخمة،حيث رصت موائد ضخمة من أجل العشاء.
بينما ظهر خدم الموائد في زيهم الرسمي حاملين اطباقا ضخمة فضية محملة بالأطعمة الخفيفة.
كما بدأت اوركيسترا جديدة بالعزف.
وقفت ايميليا ثورن عند مائدتهم لتتأكد من ان لاشيء ينقصهم.
اخذت آنجي وسبنسر يتمشيان في القاعة الفسيحة ويتوقفا هنا وهناك ليحييا بعض معارفهما.
احست آنجي بشعور غريب عندما اقتربت من ليوك حتى تحييه.فقد سحبته ايف لجهة آخرى.
لم تكن تدري ان كان سبنسر يريد ان يراقصها ام لا.
لاحظت ايضا بعد ان ابدى سبنسر كل الأهتمام والأعجاب والتعاطف نحو لاعب كرة البيسبول من ايام قليله الا انه لم يسارع الآن لمقابلته وتحيته.
احست آنجي بالضيق وهي ترى ليوك يتجاهلها كل مرة بكل بساطة.
هل حقا جرحته عندما صدته؟
ان الكرامة الرجولية شيء غامض بالتأكيد،لكن في هذه المناسبة كان لابد ان يكون من الذوق بدرجة ان ينسى كرامته ولو دقيقة ليحيها.
فجأة ظهر الشاب بجوار سبنسر وهو يقول له:
_هل يمكنني ان اسرق اميرتك لهذه الرقصة؟وأعدك ان أعيدها في الحال.
رد عليه سبنسر بأدب:
_لقد كنا نستعد للجلوس ولكن لو وافقت..
كالسحر وجدت آنجي نفسها بين ذراعي ليوك قبل ان ينتهي سبنسر من كلامه.ورد عليه ليوك:
_شكرا.
ابتعد سبنسر وسط الزحام فابتسم ليوك وهو ينظر الى آنجي كأنها المرأة الوحيدة بالقاعة.
قال لها معترفا بعد لحظات من الرقص:
_هذه اغنيتي المفضلة وأردت ان أرقص عليها معك.
كان وجود ليوك قد اغرق آنجي في بحر من الشرود حتى انها وجدت صعوبة في متابعة الموسيقى.
امعنت السمع وهي تحاول ان تتعرف على اللحن.لقد كان لحن اغنية رومانسية قديمة تتحدث عن الحب والنجوم.
وللمرة الثانية بدأت تشك،هل كان ليوك رجل رومانسي حقا ام رجل سوقي.
َضحك ليوك وهو يلاحظ حيرتها.
لقد استرخت وهي معه واخذت تتماوج بجسدها مع الموسيقى.تساءلت:لماذا تجده مألوفا لديها لهذه الدرجة؟لقد كانت تشعر بأنها رقصت معه منذ سنوات طويلة.
كان شعر ليوك مثبتا للخلف مماأظهر جمال تقاطيع وجهه بوضوح،وكانت رائحة الكولونيا اللاذعة تدل على شخصيته.
استطاعت آنجي ان تقول أخيرا:
_اخبرني ليوك هل انا التي أقودك في الرقص؟ان هذا مايحدث احيانا !وهو مايكرهه سبنسر عندي.
_نعم انت التي تقودينني.
_آنا آسفة.
_بصراحة ياجارتي العزيزة هذا لايزعجني اطلاقا،ماعلي الا انت اتبعك.
_لاأصدقك.ان رجلا مغرور برجولته مثلك..
_انت مخطئة.متذمرةوأنا ابحث عن واحدة تستطيع ان تقود الرقص من وقت لآخر..فقد وجدت ذلك اكثر متعه..الا تحسين بذلك؟
_اعتقد بأن ذلك يرجع الى المرافق.
_هذا صحيح ولا أتحدث عن الرقص فقط وانما ايضا بالنسبة لكل شيء.
لم تعرف آنجي كيف ترد ولكن كان عليها ان تعترف ان هذه اول مرة من وقت طويل تقابل متحدثا على مستوى افكارها.
انتهت الأغنية وابتعدت آنجي عنه وان بدا مترددا في ان يتركها.
_شكرا لهذه الرقصة ياليوك.
اجاب بأدب وهو لايزال ممسكا بيدها:
_لقد سعدت لمراقصتك.ويجب ان نكررها.
_لم لا!انه حفل راقص سنوي.يمكننا ذلك خلال العم القادم..ربما..
عندما عادت الى طاولتها استغرقت وقتا حتى تدرك ان ليوك جاء في اعقابها.
استقبل سبنسر وبرايان الشاب الرياضي بصيحات الأعجاب،ولم تجد اودري صعوبة في أقناعة بأن يجلس معهم.
جلس بجانب آنجي التي وجدت نفسها محاصرة بينه وبين سبنسر وكلاهما يمثل دور الأمير الساحر.
همس ليوك في أذنها:
_اتحسين ان وضعك مخصوص وفريد؟
التفتت نحوه لترى ابتسامته المتهكمة واوشك وجهه ان يلمس وجهها.ردت عليه:
_ساحر.اليس كذلك..ربما تريد ان تجلس على ركبتي؟
_انه طلب مغر ولكن ليس دبلوماسيا.
قررت ان تتجاهله ونظرت امامها مباشرة وكأن شيئا لم يحدث.
احست آنجي بالأنزعاج من القرب منه حاولت الأبتعاد ولكن المقاعد كانت متلاصقة.
احست بالأحراج واخذت تتململ في مقعدها وادركت في النهايه انها تقترب اكثر من سبنسر.
عندما نظرت الى سبنسر اكتشفت انه اساء تفسير حركتها.
فهمس في اذنها:
_أود ان اصحبك الى البيت وأشعل النيران في المدفأة.
تلعثمت وهي تبتسم ابتسامة مغتصبة:
_هاي!هذه فكرة رائعة!
تذكرت الساعات التي قضتها امام المدفأة مع ليوك وماأجتاها من مشاعر وأحاسيس.
اما مع سبنسر فأن ذلك لايمكن ان يحدث ابدا.
فجأة اصدر جهاز الأستدعاء الخاص بالطبيب طنينا فنزعه من جيبه وهو يقول:
_اللعنه!لابد ان آجري مكالمة قد يكون الأمر هام.
راقبته آنجي وهو يبتعد واصبحت بطريقة ما تحت رحمة ليوك.
انتحت لتلتقط ملفحتها وتضعها على كتفها ولكن يدي ليوك سبقتها في هذه المهمة.
قالت له:
_شكرا
اكتفى بالأبتسام ثم اكمل حديثه مع برايان.
استدارت آنجي الى اودري لتكتشف انها تتلذذ من الموقف.
اوشكت السهرة على نهايتها وأعلن قائد الفرقة عن آخر مقطوعة موسيقية.
عند الطرف الآخر شاهدت سبينسر الذي لم يعد بعد الى المائدة.اخذت قفازها وحقيبة يدها،قال لها سبنسر بلهجة جادة:
_هناك مشكلة خطيرة في الأغنام ان أجمل شاه عندهم على وشك ان تضع في ولادة غير طبيعية ويجب ان اذهب على الفور.آنا آسف ياآنجي.
_آوه لاتهتم بي.اودري وبرايان سيصطحباني.
قال ليوك مقترحا:
_من الأفضل ان اقوم انا بهذه المهمة.ن اودري تسكن بعيدا عنك بينما نا جارك،وهذا هو الحل المنطقي.
لم يكن لدى آنجي اي رغبة في ان تقضي المسافة وهي مكدسة في المقعد الخلفي للسيارة الرياضية الخاصة بليوك بينما تتربع ايف بكل راحة في المقعد الأمامي بجواره.
ألقت نظرة توسل الى صديقتها وهي تأمل ان تنقذها من هذا الموقف.
قالت اودري متجاهلة توسل صديقتها:
_هل ستفعل هذا ياليوك؟الحقيقة نحن في عجلة،فقد وعدنا جليسة الأطفال ان نعود قبل منتصف الليل والآن لم يبقى سوى ربع ساعة.
عندما اطمأن سبنسر على آنجي استأذن وسارع بالرحيل.
اختفت اودري وبرايان ووجدت آنجي نفسها بمفردها مع ليوك.
قالت لليوك حتى تتيح له فرصة لأحضار ايف.
_سأقابلك عند المدخل بعد خمس دقائق.
_كماتريدين سأذهب لأحضر معطفي.

روايات عبير / سهرة الأحلامحيث تعيش القصص. اكتشف الآن