كانت جالسة فوق سطح منزلها، تضم ساقيها لصدرها مُتكئة برأسها على ركبتها، تحدق بأضواء المدينة في الأفق، كل شيء من الأعلى يبدو صغيرًا بشكلٍ مريح.
تشعر بذلك الفراغ، ككُل ساعة من الليل يوميًا.
"يجب أن تتوقفي عن التفكير .."
سمعت صوته المألوف من خلفها، الذي لطالما هدأها وطمأنها، بأصعب أوقاتها.
وقفت وإستدارت في الحال لتجده واقفًا، بملابسه البسيطة التي أحبتها، إبتسامته العفوية المُشِعَة.
"بالرغم من مرور ثلاث سنوات من مجيئك لي من اللامكان، لا أزال أجهل كيف تأتي بكُل مرة أشعر بها بالحزن دون أن أدعوك!" قالت بهدوء وعلى وجهها إبتسامة، تقترب منه وتنظر إليه وبرأسها إندفاع الآلاف من الأسئلة.
"ببساطة .."
إقترب خطوتين تمامًا، صفعت الرياح القوية وجه كُلًا منهما جاعلة من شعرها فوضى عارمة لكن بشكلٍ جميل.
أبعد الخصلات المبعثرة بعشوائية على كامل وجهها وأرجعها للخلف ..
"لأنني هنا، بداخل عقلكِ أنتِ" وجه إصبع السبابة إلى جانب رأسها.
نظرت إليه بحيرة، لا تعرف ما تقول.
صمتا قليلًا، ثم أمسك بيدها ليجلسا متربعين على أرضية السطح، ينظران إلى الأفق.
"أحيانًا أظن أنك ملاك، تعرف تمامًا كيف تجعل كل شيء صحيحًا، أنت مثالي ولا تفسير آخر لما يحدث سوى هذا" قالت ببساطة وتنظر إلى عينيه بتمعن وكأنها تبحث بشيءٍ ما بداخلهما، تشعر وكأنما عيناه لغز كبير لن تتمكن من حله.
ضحك بشدة بينما هو يرجع رأسه للخلف مما جعلها تضحك لا شعوريًا.
"أنا مجرد شخصًا آخر عابرًا بذهنك، الأمر بسيط" هز كتفيه مغلقًا عينيه براحة.
"لا أفهم؟" قالت بنبرة متسائلة ولم ترفع نظرها من عليه.
"حتمًا ستفهمين، لأنه يجب عليكِ فِعل هذا بالنهاية" تفوه بكلماته ببطئ وهدوء شديدين بنبرة مطمئنة.
ليتركها حائرة بين تلك الأسئلة برأسها، وككُل مرة، تصمُت أمامه.
"أعرف أنكِ حائرة، لكن يومًا ما سأخرج من عقلكِ كما لو لم أكن"
تحدث بنفس النبرة ليجعلها تستفيق من شرودها بعينيه.
"لماذا؟" سألته بنبرة مستاءة، "أنت لا تعرف كمّ التغييرات التي أحدثتها بحياتي بسببك"
"أعرف كل شيء، لكنكِ ذكية وستواجهين الأمر" إبتسم ليطمئنها لكن ما حدث أنه جعل قلقها وحيرتها يزدادا أكثر.
"لا أفهم حديثك اليوم .." نظرت أمامها بخيبةِ أمل، هل سيتركها كما فعل الجميع؟
"لا تقلقي" سحب يدها ليمسك بها ويُقبلّها برقة.
وهي، إكتفت بالإبتسام فقط، لأنها تظن إذا سألته سؤالًا آخر ربما يزداد الأمر صعوبة.
لكنها أحبت وجوده، بالرغم من نظرات الناس الغريبة لها وهي معه، أحبت تلك الأوقات بصُحبَتِهِ.
أحبت وجوده، ولا تريده أن يرحل ..
أنت تقرأ
بثِنايا عَقلي (الجزء الأول: زُرقة)
No Ficciónسأرمى بكل الكلمات التي تقبع بثنايا عقلي بهذا الكتاب. النشر: ٢٦ أغسطس ٢٠١٦ الإنتهاء: ٧ سبتمبر ٢٠١٧ الغلاف: من صُنعي.