بدأ ابراهيم عليه السلام بدعوة أبيه الى نبذ الأصنام وتوحيد الله تعالى الذي اليه المرجع والماب ,
وذلك مصداق قوله عز وجل :"وانذرعشيرتك الاقربين" فبدأ باقرب الناس اليه , قال عز وجل :" واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقا نبيا * إذ قال لأبيه يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا *يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطا سويا * يا أبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيا *يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان وليا* قال أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليا *قال سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا"
يخبر الله تعالى عن محاورة ابراهيم عليه السلام لأبيه آزر يدعوه الى عبادة الله وحده , فبيّن له ضلال ما هو عليه من عبادة من لا يملك نفعا ولا ضرا , وقال له :
وإن كنت تراني صغيرا فاعلم ان الله آتاني من العلم ما لم يؤتك, يا أبت.. اتبعني واستجب لما ادعوك اليه هو عبادة الله وحده لا شريك له, وطاعته في جميع الأحوال . ولم يقل له انا عالم وانت جاهل بل نسب العلم لنفسه بدون ذكر ما عليه أبوه من الجهل والضلال وهذا قمّة الأدب واللين وتمام البرّ للوالد. ثم قال له :
"لا تطع الشيطان في عبادتك هذه الأصنام فهو الداعي لعبادتها ثم إن ابيت واصررت على ما انت عليه صرت وليا للشيطان في الدنيا والآخرة" وهذه هي الخسارة العظمى والكسادة القصوى" وطاعة الشيطان المذكورة في الاية تسمى بعبادة الطاعة وذلك قوله تعالى : " لَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ " فكل كافر هو ولي للشياطن كما بين الله تعالى : "انهم اتخذوا الشياطين اولياء من دون الله"وتحلّت دعوة ابراهيم مع ابيه ازر بالنصح والرفق واللين ومحبة الخير له بخلاف قسوة قلب ابيه الذي خاطبه باسمه العلم ولم يخاطبه بلغة الوالد لولده بأن يقول له : يا بني ..لا! وهذا يُشعر بما في قلب الوالد من قسوة على ابنه ابراهيم عليه السلام وكذلك هي قلوب الكفار التي نسيت ربها وأشربت بالكبر والهوى والشهوات "ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة" فرد عليه بجلافة وقسوة وكلام ملؤه العناد والاستكبار وحذّره بان يرجمه ان لم ينته عن شتم الهته وسبها ثم امره بأن يهجره ولا يراه ولا يكلمه أبدا فقال له : "واهجرني مليا" اي زمن طويلا.
إلا ان ابراهيم قابل هذه القسوة بأن قال له : "سلام عليك" أي: ستسلم من خطابي إياك بالشتم والسب وبما تكره, وزاده خيرًا فقال : " سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا " أي: فإن الله لطيف بي رحيم رؤوف بحالي, معتنيا بي . وقد أوفى بوعده فقال : " واغفر لأبي إنه كان من الضالين"
ولكن لما تبين لابراهيم عليه السلام ان اباه عدو لله ولدينه تبرّأ منه وهذا هو الواجب على كل مؤمن موحد بأن يتبرّء من الشرك وأهله , قال عز وجل : " وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأبِيهِ إِلاّ عَن مّوْعِدَةٍ وَعَدَهَآ إِيّاهُ فَلَمّا تَبَيّنَ لَهُ أَنّهُ عَدُوّ للّهِ تَبَرّأَ مِنْهُ إِنّ إِبْرَاهِيمَ لأوّاهٌ حَلِيمٌ"
لمّا استغفر ابراهيم عليه السلام لأبيه وذكره الله عز وجل في كتابه , استغفر بعض الصحابة رضي الله عنهم لموتاهم من المشركين واستغفر النبي صلى الله عليه وسلم لعمه ابي طالب وقال :"لأستغفرن لك ما لم أنه عنك " وكان يصلى على بعض المنافقين , فأنزل الله تبارك تعالى :"ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم"وقال عز وجل : " قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك وما أملك لك من الله من شيء "
فيه استثناء الاقداء بإبراهيم عليه السلام في استغفاره لأبيه وقد كان كافرا عدوا لله عز وجل.وروى الامام البخاري في صحيحه من حديث ابي هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال :" يلقى إبراهيم أباه آزر يوم القيامة ، وعلى وجه آزر قترة وغبرة ، فيقول له إبراهيم : ألم أقل لك لا تعصني ، فيقول أبوه : فاليوم لا أعصيك ، فيقول إبراهيم : يا رب إنك وعدتني أن لا تخزيني يوم يبعثون ، فأي خزي أخزى من أبي الأبعد ؟ فيقول الله تعالى : إني حرمت الجنة على الكافرين ، ثم يقال : يا إبراهيم ، ما تحت رجليك ؟ فينظر ، فإذا هو بذيخ متلطخ ، فيؤخذ بقوائمه فيلقى في النار"