التعلم من الحيوان
هذا المبدأ قدمه لنا الرب حينما قال : (( كونوا حكماء كالحيات ، بسطاء كالحمام )) ( مت 10: 16 ) . فأعطانا درساً أن نتعلم البساطة من الحمام ، والحكمة من الحيات . وهذا رمز أو إيحاء أن نتعلم حتي من الطيور ومن دبيب الأرض .
صدقوني أنني أخذت دروساً كثيرة من العصفورة :
كنت جالساً أمام قلايتي في حديقة الدير . وكانت علي الأرض بعض الحبوب ، لعلها سقطت من أحد عمال المزرعة . و أتت عصفورة لتلتقط الحب . و ظننت أن ستأكل حتي تشبع من هذه المؤنة . ولكنها التقطت حبة واحدة أو حبتين وطارت تاركة كل هذا الخير وراءها غير حافلة به وغير آسفة عليه .
وأخذت منها درساً في القاعة ، بل وفي التجرد .
وتذكرت قول الرب إنها (( لا تحصد ولا تجمع إلي مخازن )) ( مت 6: 26 ) . هذه العصفورة لم تقبع إلي جوار الخير المادي ولم تتخذ لها مقاماً ثابتاً إلي جوار الخير المادي ولم تتخذ لها مقاماً ثابتاً إلي جواره . إنما أخذت الكفاف الذي تريده وطارت سعيدة بأن تسبح في السماء ، عن أن تجلس إلي جوار المادة في الأرض . وكان في هذا درس آخر نافع لي .
وكانت تغني سعيدة ، وقد تركت كل شئ ..
وقلت في نفسي : ( هذه العصفورة أكثر رهبنه مني ) ، لأنها تفعل كل ذلك بطبعها وعل سجيتها ، دون أن تبذل جهداً ، أو تقاوم شعوراً داخلياً . والسعادة طبيعة فيها ، علي الرغم من أن فخاخاً صغيرة ربما تنتظرها .. وتذكرت قول الرسول : ( أفرحوا في الرب كل حين ) (في4 : 4 )
وأعطتني العصفورة أيضاً درساً في الحياة الإيمان .
لأنها تركت كميه الحبوب وطارت ، وهي واثقة تماماً ، أن كل مكان ستذهب إليه ستجد فيه قوتها و طعامها ، دون أن تهتم بشيء وهنا تذكر قول الرب : (( لا تهتموا للغد . لأن الغد يهتم بما لنفسه )) لا تهتموا لحياتكم بما تأكلون وبما تشربون )) (مت6 : 34،25) . و بقوله عن العصفورة (( لا تجمع إلي مخازن ، و أبوكم السماوي يقوتها ))( مت 6 :26)
حقاً يا سيدي الرب إن العصافير أفضل من بشر كثيرين . ولكنك لفرط محبتك و تشجيعك لنا نحن الضعاف قلت شيئاً أخجلنا وهو : ألستم أنتم بالحرى أفضل منها ؟
إننا نتعلم منها الإيمان ، وعدم الاهتمام بالماديات ، وعدم حمل الهم من جهة الغد . وأنت نفسك يارب قلت لنا أن ننظر إلي طيور السماء لنتعلم . ربما تقصد أننا أفضل منها من حيث أننا كائنات عاقلة . لها روح ، وعلي صورة الله ومثاله ، وإن كانت الطيور أفضل منا في اتكاها عليك !!
أعجبني في العصفورة أيضاً الانطلاق وحب الحرية .
وأعجبني عدم ربط ذاتها بمكان معين ، مكان الرزق ، حتي أنني قلت في قصيدتي عن [ السائح ] :
ليس لي دير فكل البيد و الآكام ديري
أنا طير هائم في الجو لم أشغف بوكر
أنا في الدنيا طليق في أقاماتي وسيري
نحن أيضاً يمكننا أن نأخذ درساً في النشاط من النملة . وهكذا يقول لنا سفر الأمثال :
(( أذهب إلي النملة أيها الكسلان . تأمل طرقها وكن حكيماً )) ( أم6: 6 -9 ) .
إنني أشهد بكل يقين أنني لم أبصر في حياتي كلها نملة بلا حركة . أنها لا تقف مطلقاً . دائما تسعي و تتحرك . وكما يقول الكتاب : (( تعد في الصيف طعامها ، وتجمع في الحصاد أكلها )) _( أم 6 :8) . إنها درس عجيب في النشاط و الحركة …
و النحلة أيضاً درس لنا في النظام .
فدولة النحل كما قال أمير الشعراء أحمد شوقي : [ مملكة مدبرة بامرأة مؤامرة . تحمل في العمال ، و الصناع عبء السيطرة ] عجيب جداً هو نظام مملكة النحل ، سواء توزيع العمل أو صنع الشمع في منظره الجميل ، أو جمع الرحيق وصنعه عسلاً ، أو صنع طعام الملكات الذي نسرقه منها ، ونبيعه في الصيدليات باسم Royal Jelly . وما أعجب ما يصنعه النحل من شهد ، وما أعجب فوائد لصحة الإنسان لقد وضعت في ذلك كتب و مؤلفات . أليس هو غذاء المعمدان ؟!