التعلم من الطقوس
كل ما وضعته الكنيسة من الطقوس ، له فوائدة الروحية ، لمن يحب يتأمل و يتعلم .. ومن أجل هذا نجد الأطفال و الأميين يستفيدون ، حتي أن كان مستواهم العلمي و الذهني لا يساعد علي فهم كل معاني الصلوات . وليسواهم فقط بل كل الشعب يحصل علي فوائد روحية من الطقوس . ولكنهم يستفدون من كل ما يرونه من شموع ، وبخور و أيقونات و ملابس . بل و يستفيدون من تحركات الكاهن ، ومن وجودهم وسطها أو في الهيكل . و ينتفعون كذلك روحياً ، من سلالم الكنيسة ، ومن الوقوف و الجلوس ، ومن منظر الملابس و الصلبان .. إلخ .
يرون الشمعة تنير أمام صورة قديس :
فيتذكرون سيرة القديس و ينتفعون به . ويرون إكرام الكنيسة له بالأنوار فيعرفون أنه لابد كان نافعاً ويستحق التكريم . وهكذا يكرم الله الذين يكرمونه . ونور الشمعة يذكرهم كيف أن القديس كان منيراً مثل هذه الشمعة .
ولكي ينير كالشمعة ، لابد أنه كان يروي و يذوب فيما ينير .
وهكذا يأخذون درساً في بذل الذات ، من أجل محبه الله ، وفي خدمة الآخرين ..
ويشعرون أن هذا القديس حي لم يمت
فيتحدث معه ويطلبون صلواته عنهم ، ويكلمونه كما لو كان موجوداً بينهم . وهكذا يأخذون فكرة عن العلاقة بين الكنيسة المجاهدة علي الأرض ، و أعضائها الذين جاهدوا و انتقلوا . وفي كل ذلك - ودون أن يشعروا -تثبت فيهم عقيدة الخلود ، ويرددون في داخلهم قول الكاهن في الصلاة : ((لأنه ليس موت لعبيدك بل هو انتقال )) . إنها دروس من مجرد شمعة وصورة ..
و المتعمقون يرون أن الشمعة تضئ بسبب الزيت يرمز إلي الروح القدس .. وهكذا يرون أن كل ما نعمله خير ، لا يرجع إلي معدننا الطيب ، بقدر ما يرجع إلي عمل الروح فينا . و يتذكر أهمية الزيت في قصة العذارى الحكيمات و الجاهلات …
وكذلك يأخذون دروساً أخري من الشموع عند قراءة الإنجيل ، والشموع في الكنيسة عموماً وفي الهيكل .
ويذكرون قول المزمور (( سراج لرجلي كلامك ونور لسبيلي )) (مز 119) وأيضاً (( كلمة الرب مضيئة تنير العينين عن بعد )) ويرون أن الكنيسة كالسماء في أنوارها ، وأن هذه الأنوار تذكرنا بالملائكة . وبأن المؤمنين (( يضئيون كالكواكب إلي آبد الدهور )) (دا12 : 3 ) .
ملابس الكهنة البيضاء تذكرا لمصلين بنقاوة الكهنوت .
و بأن الكهنة هم ملائكة الكنيسة( رؤ2،3) . وتذكرهم بسكان السماء الذين ظهروا في سفر الرؤيا بثياب بيض ، قد بيضوها في دم الحمل (رؤ7 : 13 ،14) .
والدرجات التي يصعدها الكهنة إلي الهيكل ، تذكرهم بسمو المذبح و ارتفاعه ، وعلو خدامه ..
وهكذا يخلعون أحذيتهم وهم يدخلون إلي الهيكل . شاعرين بقدسيته . وبأن مكان الشمامسة و الخدام أعلي من مكان الشعب ، ومكان الهيكل أعلي من كليهما …
و البخور إذ يرتفع إلي فوق ، وهو لرائحة زكيه :
يذكرهم بالصلوات الطاهرة التي تصعد إلي فوق إلي السماء . ويعوزني الوقت إن تكلمت عن كل طقوس الكنيسة بالتفصيل ، وكل ما فيها من تأملات ومن دروس . مع تنوع القراءات وألحان الصلوات .. إنها تحتاج إلي كتب . ولكن يكفي أن كل من يدخل الكنيسة بروح التأمل ، يخرج منها وهو في حالة روحية قوية ، وقد أثرت فيه الدروس التي تلقاها من الطقوس ..مجرد منظر الكنيسة التي تذكره بفلك نوح ، وكيف خلص فيه أولاد الله ، أو تذكره بالسماء وما فيها من ملائكة وأضواء ..
والمنارة التي ترتفع إلي فوق متجهة إلي السماء .
تذكره قبل أن يدخل إلي الكنيسة بأن يرفع نظره إلي فوق ، هو أيضاً ، متجهاً إلي فوق . إن من يريد أن يتتلمذ ، يجد في الطقوس مادة دسمة .