مابين الثرا و الثريا4

2.7K 220 30
                                    

#ما_بين_الثرى_و_الثريا
الفصل الرابع
إستدعى الملك ولده، و أمره بأن يلتزم بواجبه كولي للعهد، و أن عليه الزواج بأخرى. هذه المرة، كان رد فعل نعمان مختلفاً، فقد بدا منهزماً لا طاقة له على المقاومة، و النزاع مع والده. لا أمل لفتنة بالإنجاب. حتى علاقتهما كزوج و زوجة تأثرت، فقد صار تلاقي الأجساد وجعاً و بعداً، و كأنه واجب روتيني بارد بعدما كان جذوة تشتعل داخل فوهة بركان.

حين عاد لغرفتها تلك الليلة، نظر لها ملياً محاولاً إخبارها بالأمر. أن تعرف منه كل شيء أفضل بالنسبة له من أن تعرف من خلال جواري القصر، و لكن حين إلتقت أعينهم، صارت نظراته تهرب منها، غير قادر على مواجهتها بالخبر الرهيب. كانت هي من بدأت الكلام، فقالت " أنا بخير.. لا تقلق. أعلم أنه من واجبك كأمير أن يكون لك ولد من نسلك، ستصبح ملكاً يوماً ما، و لابد لك من وليٍ للعهد. أتعلم؟ سأختار أنا لك زوجتك الجديدة؟" إزدادت إبتسامتها إتساعاً، رغم نيران الدموع الساخنة المحتبسة في مقلتيها. " لقد إختار لي والدي.. سيعقد القران في الأسبوع القادم.. أنا أحبك أنت يا فتنة.. أقسم لك أن..." " رجاءاً!!! لا تكمل.. أعلم ما ترغب في قوله، فلا داعي أن تقوله. صدقني لن يغير ذلك من الأمر من شيء. فلنترك الأمور على حالها؟" لم يجد ما يقوله لها دون أن يجرحها، فانصرف.

عاد في الليلة التالية، لكن بدلاًمن مواساتها، إحتدم النقاش بينهما، فقالا الكثير من الكلمات التي كانت أكثر حدة من نصل السكين.. اتهمته بإنه لم يحبها بدرجة كافية.. بأنه جبان أمام سطوة أبيه.. بأن الملك و الحكم و ولي العهد القادم أعز عليه منها. كانت عيناها كسدين للماء تحطما، فأندفعت السيول بعد إنهمارهما. أما هو، فحاول قدر استطاعته أن يكبح جماح غضبه من كلماتها، لكنه تحت ضغط كلماتها، فلت منه زمام لسانه فلم يكبحه.. صاح فيها بأنها السبب. لو كانت كباقي النساء لحملت بطفله.. لتجنب الزيجة الجديدة.. لظل حبهما كما كان بدلاً من تلك اللقاءات الجافة الباردة كلما لمسها.. لو كانت كباقي النساء، لما مرا بكل هذه الألام. توقفت فور سماعها لهذه الكلمات عن قول أي شيء. أخذت تنظر له، و الصدمة تكسو ملامح وجهها الشاحب من قسوة كل حرف و كلمة أطلقها لسانه كالخناجر في قلبها و عقلها و جسدها.

أحس نعمان ساعتها بمدى وحشية ما قاله لها، فحاول أن يضمها إلى صدره مواسياً، لكنها أجفلت.. لم تستطع. كيف؟ كيف لها أن تنام في أحضانه مرة أخرى؟ كيف؟!! بعد كل هذا الحب، لم تكن تكفي.. فهي شبه امرأة. أولته ظهرها، محاولة إستعادة رباطة جأشها. طلبت منه بصوت هاديء أن يغادر غرفتها، و لا يعد لها إلا إذا استدعته، أو إحتاجته.. لكنها لم تستطع أن تراه. فبمنطق الأنثى، ما فعله كان خيانة لها، لا تقدر على مسامحته عليها. تعلم أنها على خطأ.. لكن أن تصبح مهمشة في دائرة يومه، كان شيئاً فوق إستطاعتها.

أصبحت الغيرة و الكرامة و العند أسواراً تعلو جدرانها كل يوم بينهما. حتى جاء موعد الزفاف. سمعت الوصيفات يقلن أن الزوجة الجديدة كانت حسناء بهية، و ابنة لأحد الملوك. كانت الموسيقى تُعزف، و غناء الجواري يعلو، و فتنة في حجرتها على فراشها تحاول أن تصم أذنيها.. تعض أناملها كمداً و حسرة.. سينام في أحضان غيرها الليلة.." ترى هل العروس أجمل مني؟ هل سيعجبه جسدها؟ هل ستنجب له ولياً لعهده؟ هل سيحبها؟ هل سينساني بعد أن ينام بين ذراعيها؟ هل سأظل كما كنت يوماً متربعة على عرش قلبه؟"أخذت الزهرة التي نبتت يوماً ما داخل قلبها تذوى شيئاً فشيئاً.. زهرة السعادة.. من لها الأن؟ لا إخوة لها، والداها قد ماتا، و زوجها سيبيت منذ الليلة في أحضان غيرها. أخذت تضرب جسدها بقبضتها.. ذلك الجسد الذي لن يحمل طفله.. جسد لنصف امرأة..كانت الألام في قلبها تقطع أواصره واحدة تلو الأخرى.. روحها تنساب من بين أصابعها كالماء في قبضة اليد. تريد أن تصرخ حتى يعلو صوت نحيبها فوق أصوات الضحكات، و رنين الأجراس.

حبيسة غرفتها لا زائر لها سوى مربيتها العجوز.. وهن جسدها، و صارت تعاف الزاد.. بعد أسبوعين جاء نعمان لزيارتها. كادت تقفز من فراشها رغم هزالها، أرادت أن تخمش وجهه بأظافرها. أن تشوه ملامحه الوسيمة، لكنه أمسك بساعديها، و كأنه أحس بما يدور بعقلها.. " لما لا تأكلين جيداً؟ لقد صرت هزيلة.. أين ذهبت نضارة وجهك و جماله؟" هذا كان أول ما قاله لها.. أخفضت وجهها ناظرة بعينيها الدامعتين إلى كفيها. رفع ذقنها محاولاً جذب إنتباهها إليه،" يا فتنة! أقسم بالله ضاجعتها، و أنت من كانت في ذهني.. أطفأت كل أنوار الغرفة و أسدلت كل الستائر كي لا أرى وجهها. جعلتها تضع رائحة عطرك.. إنها جسد يا حبيبتي، ليس للحب أو الشهوة، و إنما وعاء أفرغ فيه ذاتي لأحصل على طفل منها. أعلم أن سلطتها بين نساء القصر ستصير أعلى من سلطتك إن أنجبت لى أولاداً.. لكنك أنت من تتربعين على عرش قلبي." لم تقل شيئاً. كل ما أستطاعت فعله، هو أنها أسندت رأسها على صدره، و تنهدت ألمها و حزنها و حرارة وجع البعاد عنه. ضمها إليه، و في هذه المرة أسترجعا عهدهما كما كانا أول مرة يتعلمان معاً العشق و الغرام.. نسيا كلاهما كل القسوة و الجفاء.. عادا طفلين فمراهقين فشابين حالمين معاً. كانت أجسادهما تمتزجان معاً كما الفجر الذي يفصل بين الليل و النهار. ما بين قبلات و أحضان و شوق و دموع، كان الصلح بينهما.

بعد الزواج بشهرين، كانت العروس الجديدة تبتسم بثقة، فقد أُشيع في القصر بأنها قد حملت بين أحشائها بولي العهد.. ترى ما الذي سيحدث لفتنة، التى رضيت بالفتات من وقت زوجها؟

ما بين الثرى و الثرياحيث تعيش القصص. اكتشف الآن