مابين الثرى و الثريا8

2.7K 240 8
                                    

#ما_بين_الثرى_و_الثريا
الفصل الثامن
كانت تلك الأسئلة تدور في خلد نعمان، بلا رد و لا مجيب. كل ما استطاع فعله، هو أن يرسل في كافة ميادين الإمارة بالمنادين، و عرض المكافآت لمن يدلي بأي معلومة عنها.. فهل يا ترى سيجدها؟

كانت فتنة رغم قسوة الظروف، تحاول أن ترى الأمل في كل ما حولها. ففي صباح اليوم التالي، وجدت بئراً بجوار الكوخ و ماءه صالح للشرب.. فنهلت حتى أحست بالشبع. لكن يجب عليها أن تجد مصدراً للطعام. لا نقود لديها، و كل ما تملكه من ثياب هو ما يستر جسدها، و قد تحول لشيء رث.. الخاتم! تستطيع أن تبيع العلبة و تشتري زاداً بثمنها، لكن الخاتم قد يهترئ. لا! ستبحث عن عمل، و حتى ذلك الحين ستبحث حول الكوخ لعلها تلمح شجراً تتناول بعض ثماره.

أخذت تسير قليلاً حتى وجدت بعض أشجار النخيل، لكنها كلما حاولت التسلق، كانت تقع على مؤخرتها، و تتألم. لم تيأس و عاوت المحاولة مراراً، و في كل مرة نفس النتيجة. حين علت أصوات ضحكات مكتومة من خلف إحدى الأشجار، إلتفتت، فإذا بصبي صغير، يضحك بشدة من منظرها، و هي واقعة على مؤخرتها. تحاملت على نفسها، و نهضت سريعاً. " إحممم! يا فتى! ألا تعلم أنه من العيب أن تضحك على من هم أكبر منك سناً." " ههههههههه!!! نعم أعرههههههههه ف، و لَ ههههههههه كن ههههههههه منظرك كلما وقعتِ على الأرض ههههههه لا يقدر بثمن! ههههههه أكاد أموت من شدة الضحك!!!!ههههههههههه!!!!!" و كأن ضحكه كان عدوى فقد أخذت هي الأخرى تضحك رغم ألآم عظامها، حتى أصدرت معدتها أصواتاً معبرة عن إحتجاجها." و أنا أكاد أن أموت جوعاً.." توقف الطفل عن الضحك، و في لحظات تسلق الشجرة كما السعدون، و هبط محملاً بعرجون من البلح الشهي. و أعطاه لها و على محياه إبتسامة خجول.

تقاسما الثمرات ، و أكلا حتى الشبع. سألته عن اسمه فأخبرها أن اسمه حسان. حين سألها عن اسمها كادت تقول اسمها الحقيقي، لكنها لم ترد ذلك، لم تقدر أن يناديها شخص آخر عدا نعمان باسمها.. نعمان! لما تعاود تذكره دائماً؟ لا تأتي ذكراه سوى بألم قلبها.. يجب أن تنسى كل شيء يربطها بالماضي. "اسمى وردة." "سررتك بلقائك يا وردة، و الأن، يجب أن تردي لي الجميل.." "ماذا؟  كيف أفعل ذلك؟" "حسناً.. لقد عاونتك على إشباع معدتك، فعاونيني على إشباع إخوتي الصغار.. سأجلب مزيدا من الثمار، و تساعديني أنت في حملها إلى كوخي، و سأعطيك بعضاً منها، و أوصلك لمنزلك بها. ها.. ما رأيك؟" " سمعاً و طاعة يا مولاي." قالتها ساخرة و هي تضحك، فعاود الصبي الضحك قائلاً " ها قد صرت ملكاً يا حسان، و لم تعد صعلوكاً بائساً."

صعد الصبي للنخلة، و أخذ يسقط ما يقطف من ثمار لها، و فتنة تلتقطها، و تحملها في ثوبها. حتى جمعا كمية وفيرة، و نزل حسان للأرض. أخذ بعضاً من الثمار في ثوبه، و دلها على الطريق لبيته. غريب كيف لصبي صغير في عمر السابعة تقريباً أن ينسيها أحزانها. كان خفيف الظل لأبعد حد، شديد الذكاء و الفطنة. سألته عن والديه، فأخبرها أن والده يعمل صياداً، يجوب الأرض بحثاً عن الفرائس، و حسان من يرعى إخوته في عياب والده. سألته عن أمه، فسكت قليلاً، ثم أخبرها أنها في ذمة الله منذ عامين، ماتت عندما كانت تلد آخر أخواته البنات. تأسفت لفضولها الغبي، لكنه إبتسم ببراءة إبتسامة لم تصل لعينيه الحزينتين، قائلاً " لا بأس." ظل صامتاً بعد ذلك حتى  وصلا إلى كوخه.

حين صحبته لداخل الكوخ، رأت أربع أطفال غاية في الجمال، و الظرف.. كانت أصغرهم تبكي من الجوع، لكن أساريرها تهللت فور أن رأت حسان، و الذي أهداها إحدى ثمار البلح، فأخذت تحاول أكلها، و هي تضحك في سعادة. أما باقي الإخوة فكان أثنان منهما توأم، و أخت شقراء تصغر حسان بحوالي العام و النصف. ذهب حسان، ليحضر ماءاً من البئر المجاورة لكوخه، بينما فتنة أخذت الطفلة الصغيرة بين ذراعيها. أخذت تحتضنها، و تقبلها. بكت بدموع خفية حين عاودت الطفلة تقبيلها. لكم ودت لو أن تلك الطفلة كانت حقاً ابنتها.. ساعتها كان كل شيء إختلف، و لكن ليس لها من الأمر حيلة، فلترضى بقضاء الله، فسبحان من له الدوام، حكمته تتخطى عقول البشر.

حاولت إلهاء نفسها كي لا تبكي، و أخذت تنظر للكوخ مقيمة. إنه أكثر إتساعاً من كوخ مربيتها.. لكن أثاثه القديم يدل على تدني معيشة صاحبه. ترى كيف يبدو والد الأطفال. مؤكد أنه وسيم، فملامح الأطفال الخمسة ما أحلاها. دخل حسان الكوخ حاملاً الماء في دلو خشبي، و غسل البلح فيه، فأخذ جزء لإخوته كي يأكلوه، و إقتسم نصيباً لفتنة، و نصيباً أخر وضعه أمام الكوخ ليجففه في الشمس. بعد أن تأكد من إمتلاء بطون إخوته الصغار، إصطحب فتنة إلى كوخها.

فور دخوله، تعجب كيف تستطيع أن تعيش في ذلك الكوخ المتهدم، فالسقف مليء بالثقوب، و يحتاج الكثير من الأصلاحات. وعدها بآنه سيعاونها في إصلاحه. و أنها مرحب بها لتزورهم في أي وقت..

ترى هل ستجد فتنة السعادة بين هؤلاء الأطفال؟ من يعرف؟ قد تجد بينهم حباً صادقاً راسخاً!

ما بين الثرى و الثرياحيث تعيش القصص. اكتشف الآن