ما بين الثرى و الثريا 17 Salwa M

2.5K 204 22
                                    

ما بين الثرى و الثريا..
الفصل السابع عشر
تأليف Salwa M
كان نعمان يزرع غرفته ذهاباً و إياباً.. يكاد يجن! كيف؟ كيف تسمح لرجل آخر أن يلمسها؟ إنها ملكه هو! سيقتلها و يقتله! تلك الخائنة! جلس على حافة فراشة واضعاً رأسه بين يديه. ماذا سيفعل الأن؟ لقد أخبره رجاله أنها تزوجت من ذلك الصعلوك منذ شهرين.. شهرين يلمسها.. يحتويها.. تنام بين ذراعيه.. شهرين!!!! آآه! سأقتلها!

كان زواج فتنة القشة التي قسمت ظهر البعير في حياة نعمان.. زواجه للمرة الثالثة لم يثمر حتى الأن عن أيّة أطفال.. خلافاته مع والده تزداد يوماً بعد يوم. أصبح في نظر الحاشية الملكية مجرد دمية يحركها والده كيفما يشاء. تلك المرارة التى لا تغيب عن حياته تزداد يوماً بعد يوم. يشعر بالإختناق من زواج أكره عليه، و زوجة يمقتها و لا يحبها. ينام في أحضانها كل ليلة كلوح من الجليد.. كثور وظيفته الوحيدة هي التناسل. كان يشعر بالإشمئزاز من نفسه، و الكراهية تجاه سيطرة الملك على كل منعطف في حياته.. حتى الأمل في أن تعود حياته مع فتنة قد إنسحق بزواجها من غيره، و لكن لاااا! سيجبره أن يطلقها، و إن لم يرضى سيقتله.

"أما هي.. هي! هي التي تركتها بلا مأوى و لا مال.. هي التي لم تجدني سنداً لها حين إحتاجتني.. لابد و أنها قد رضيت بتلك الزيجة كي تجد طعاماً و حماية من الزمن.. نعم هذا بالتأكيد ما جعلها ترضى بالزواج من صياد حقير، و تتركني.. لكنها لم تتركني.. أنا من تخليت عنها.. أنا.. أنا!! سامحيني يا حبيبتي.. سامحيني. أقسم أنني سأعوضك مرارة الماضي.. سنعوض كل ما فات. بالتأكيد ستفرح حين تراني، أليس كذلك؟ سأذهب لمقابلتها الأن.. و لكن الليل قد أسدل أستاره، فلأنتظر للصباح. لاااا!! و أتركها تنام الليلة أيضاً بين ذراعيه! لن يحدث! يا حراااااس! أعدوا لي جوادي، و جماعة من الفرسان الأشداء! الأن!!! هيا!!"

هكذا ضلل نعمان نفسه بأفكاره مخافة أن يواجه نفسه بحقيقتها، و رعباً من أن تكون فتنة قد وقعت في هوى ذلك الصياد الذي يدعى عامر. إنطلق و جماعة فرسانه نحو كوخ عامر، عاقداً النية في العودة لقصره المنيف بصحبة فتنة سواء رضاءاً، أو كرهاً.. ستعود إليه هذه الليلة.

في هذه الأثناء. كانت فتنة تسقي الدواء لحسان، و هي تبادل عامر النظرات القلقة بشأن صحة الصبي، فما قاله الطبيب لا يبشر بالخير. إن الفتى يحتاج رعاية خاصة، و تدفئة طوال النهار و الليل، و مداومة على العلاج المكلف. من أين لهم بالمال؟ بعد أن تأكدت من نوم حسان، و بدأ إنتظام أنفاسه التى سكنت قليلاً، و قلّت حشرجتها بفعل دواء الطبيب، ذهبت لتحادث زوجها.

"دع تدبير الأمر لله يا عامر. لا تبتأس، سيفرجها الله قريباً.. سبحانه لا ينسى عباده. ألا تذكر كيف كان حالي؟ و كيف سخرك الله لتساعدني؟ هيا لننام و ترتاح.. هيا يا حبيبي و زوجي. "ربتت على كتفه، فوضع كفه على يدها و رفعها لشفتيه يقبلها. "لكم أحبك! إن من يراك ترعين حسان قد يظن أنه ابنك..." " و من قال أنه ليس ولدي؟ هل لأنني لم أنجبه؟ أنني أحببت حسان قبل أن أحبك.. و هو عندي أغلى منك!" "ماذا؟" "أمازحك يا أحمق.. ههههه. حسناً! ها قد رسمت البسمة على شفاهك." " هيا يا زوجي العزيز، و في الصباح نفكر في أمر المال. لن ينسانا الله، فاطمئن."

لم يكد عامر و فتنة يأويا إلى الفراش، حتى سمعا طرقاً شديداً على الباب. نهض عامر بسرعة ليرى من الطارق، و حين فتح تفاجأ بالجماعة الواقفة يتوسطهم الأمير. أما فتنة فما إن رأت نعمان حتى صرخت من هول المفاجأة. كيف وجدها؟! لماذا هو هنا الأن؟ "ماذا تريد مني يا نعمان؟ آه.. آسفه يا سمو الأمير!" "أريدك أن تعودي معي للقصر الأن!" "هل جننت؟ إنني لم أعد زوجتك. أنا الأن زوجة لعامر!" "سأجعله يطلقكِ!" "ماذا؟ و لكني لا أريد الطلاق منه، و لا أريد الرجوع إليك و لا إلى قصرك!" " إحم.. آسف على قطع حواركما، و لكن من قال أنني سأطلق زوجتي؟" "ستطلقها شئت أم أبيت، و إلا سآمر بقتل أبنائك طفلاً طفلاً، ثم سآمر بقتلك أنت نفسك، فتصبح هي أرملة، و أتزوجها..." " هل أصابك الخبال يا نعمان؟ هل أنت في كامل وعيك! قلت لك لا أريد أن أترك زوجي، و أبنائي!!!" " ليس لك أبناء يا عزيزتي، ألا تذكرين؟"

لم يشعر عامر سوى و قبضته تحطم فك نعمان، الذي أمسك بفكه من شدة الألم، و مباغتة الضربة، فصاح في فرسانه أن يلقنوا عامر درساً. بدأت الركلات، و اللكمات تنهال على جسد عامر، و فتنة تبكي و تسمع صراخ الصغار الذين أستيقظوا على صياح الزائرين. حتى حسان نهض من فراشه و ألقى بجسده فوق جسد أبيه محاولاً أن يحميه.. لدرجة أن بعضاً من الركلات أصابت جسده الواهن الهزيل، ففقد وعيه، و لم يتحمل.

"توقفوا بالله عليكم! أوقفهم أيها الوغد الحقير! سآتي معك.. أكرهك! هل تفهم؟ أكرهك !!" إنحنت فتنة على جسد حسان باكية، و هي تنظر لعامر، و تلمس وجهه المكدوم قائلة " طلقني يا عامر.. لأجل ما بيننا من حب.. طلقني. لأجل هؤلاء الأبرياء طلقني. سأموت ألف مرة، إن أصاب أحدكم مكروهاً بسببي." أنحنت على أذنه هامسة،" أقسم لك أنني لن أدعه يلمسني. لا زوج لي سواك.. فقط إصبر، و سأعود لك.. سأنتقم لك، و لهم، و لنفسي.. فلتسايره فيما يريد حتى أتمكن من الإنتقام، و تجنب الأذى لك و لأطفالنا."

لم يتحمل نعمان همس فتنة لعامر، فجذبها من ذراعها، لكنها نفضت يده بقوة، و خاطبته بعنف قائلة، " إياك أن تلمسني ثانية.. أتفهم! سأحقق لك طلبك.. سأعيش في قصرك ثانية كدمية بلا روح! حذار أن تمسهم بسوء، سأعرف ثق بذلك، و ساعتها سأقتل نفسي.. أقسم لك سأفعلها إن آذيتهم." " إن طلقك، تركتهم و شأنهم!" "عامر.." " أنت طالق يا فتنة."

كانت الدموع حبيسة أعين الحبيبين، لكنهما رفضا أن يظهرا الضعف أمام نعمان. تحامل عامر متثاقلاًً لينهض حاملاً حسان.. حاول أن يهديء من روع أطفاله الباكين، و رغم ألآم جسده، إلا أن الغضب المستعر في داخله، منحه القوة، ليظل واقفاً في ثبات، لا يعلم مالذي سيأتي به الغد، لكن ثقته في حب فتنة لا تتزعزع.

ترى هل ستتمكن فتنة من العودة لعامر أم سينجح نعمان في جذبها لشباكه مرة أخرى؟

ما بين الثرى و الثرياحيث تعيش القصص. اكتشف الآن