الفصل الثاني عشر( ما بين الثرى و الثريا.. تأليف Salwa M)
كان التثاؤب ملازماً لعامر و فتنة.. فكلاهما لم ينل القسط الكافِ من النوم. طوال الليل يفكران. كيف لأثنين لا يطيقا بعضهما، أن يشعرا بذلك الإنجذاب الحسي؟ إن الدفئ الذي شعرا به أثناء العاصفة حين تلامس جسداهما، أعاد لكل منهما مشاعراً قد ظنا أنها إندثرت، و لن تعد.شعر بضعفها، و شعرت بقوته.. شعر بدفئها، و شعرت بعنفوانه.. تلاقت المرأة بالرجل في لحظة ما، و لكنها مازالت ترى نعمان في أحلامها، و هو مازال يرى زوجته الراحلة في نومه..إلا في ليلة الأمس.. حين بدأ الليل في الاحتضار، كانت لحظة ركوبهما معاً هي من غزت الأحلام لتوقفها، و تجعل النوم يفر ممهداً الطريق للسهاد الذي لازمهما حتى علت أصوات العصافير معلنة بداية يوم جديد.
كان اللقاء في الصباح التالي مشبعاً بالإحراج. حاولت فتنه شكره بكلمات مبعثرة لا تكاد تظهر لها حروف منسقة تخرج من فمها، و رده على شكرها كان كمن يريد التخلص من مهمة صعبة بأي شكل. لدرجة أن حسان و إخوته أخذوا يراقبون تصرفاتهما، و كأنهما زوجان من المجانين. كان رد فعل صغرى الأطفال هو ما كسر الجليد، فحين أستيقظت، و رأت فتنه، أخذت تقفز فرحاً و تضحك، مما أشاع البهجة في البيت. توقفت الأمطار، و سمحت لشمس الصباح الخجول بالبزوغ من وراء الغيوم.
كان اليوم يبشر بالسعادة، أعد حسان الإفطار للجميع، فعاد لفم فتنة طعم لقيمات السعادة التى تشاركتها يوماً مع الأطفال. لكم تمنت ألا تأكل وحدها مجدداً، ألا تبتلع الغصة مع كل قطعة خبز مشبعة بالوحدة و الوحشة و الذكريات الأليمة. بعد إنتهاء وجبة الإفطار، وجه عامر خطابه لولده، " تعال معي لكوخ وردة، كي نصلح السقف.. أما أنت يا وردة ، فلتعدي طعام الغداء، و ..." "كلااااااا! " صاح جميع الصغار في نفسٍ واحد، فغضبت وردة منهم قائلة "ليس طعامي بهذا السوء!" "هذا من وجهة نظرك يا عزيزتي. اسمع يا أبي، سأعد أنا الطعام، و أعتني بإخوتي، و اصطحب معك وردة لإصلاح الكوخ..." "كلااااااا!" كان هذا رد فتنة و عامر معاً.
تنحنح عامر قائلاً" احم.. حسناً فلنتعاون في إعداد الطعام، ثم نذهب لإصلاح الكوخ كلنا معاً." "فكرة رائعة!" و بالفعل، ساهم كل واحد منهم بفعل شيء. حتى أنهوا الوجبة. و ضِع الطعام في قدور حملوها معهم في طريقهم لكوخ وردة، لكن حين وصولهم أدركوا أن الأمطار قد زادت الوضع فظاعة، فقد إنهار جزء كبير من السقف، و أغرقت المياة الفراش تماماً، و جرفت أشياء كثيرة من أرضية الكوخ، إنهارت وردة على الأرض، و لم تعر الطمي و الطين الذي إلتصق بثوبها إلتفاتاً. "ماذا سأفعل الأن، لقد ضاع المأوى الأخير الذي وجدته؟ إلى أين سأذهب؟ رحماك يا رب!"
ها قد عاود عامر نفس الشعور مرة أخرى.. ذلك اليأس و الإحتياج لطفلة تمد يدها لأبيها.. تلك النظرة الضائعة لشخص لا حول له و لا قوة. وجد نفسه بدون إرادة منه و لا تفكير يدعوها لمشاركتهم العيش في كوخهم حتى ينتهي هو و حسان من إصلاح الكوخ لها، لكنه إشترط أن تتعلم الطهي جيداً كمقابل لخدماتهم ، فابتسمت رغم دموعها، و وافقت. بدأت أعمال الإصلاح بسد الجزء المنهار من سقف الكوخ، حتى لا يزداد الوضع سوءاً إن أمطرت السماء ثانية. ثم تناولوا الغداء، و عادوا جميعاً لكوخ عامر.
كان عامر قد عاد بالكثير من اللحم بعد رحلة صيده، فباع معظمه، و قدد الباقي بعد تمليحه و تجفيفه في الشمس، ليحفظه من التلف، و أشترى طحيناً، و زبداً.. كل هذا مع التمر و الفواكه الأخرى التي جمعها و جففها حسان. فكانت كل وجبة بمثابة وليمة في قصر. حينها تذكرت فتنة، و لكن شتان بين ولائم القصر التي تنقصها روح البساطة و البهجة، و بين هذه الولائم الصغيرة المزينة بالإرتياح و الفرحة. حمدوا الله على نعمه فور إنتهائهم من الأكل. و كانوا يجلسون حول ركوة من النار يتسامرون في المساء خارج الكوخ، لتمر الساعات بسرعة، و يحين موعد النوم.
هذه المرة، فصل عامر الأسِرّة، فنامت فتنة مع الفتيات، و نام هو مع الصبية، و جعل ملاءة معلقة بين الجدران كفاصل بينهما. كالعادة أصبح الأرق رفيق ليله، فخلف الحاجز القطني، تقبع حورية فاتنة، كلما أغمض عينيه، يراها تناديه، حتى أصبحت الدماء في جسده كتيار محموم يلهب كل ما بداخله. نهض فجأة بعد أن وجد ألا مجال لأن يزور النوم عينيه، و ذهب لبركة ماء قريب ليستحم.. لعل الماء البارد يطفئ ذلك اللهيب الذي يشعر به.
أحست فتنة به و هو مغادر، لم تستطع النوم.. و كيف لها ذلك؟ لقد قابلت العديد من الفرسان و الأمراء، لكن نعمان كان الوحيد الذي أحست نحوه بالألفة.. بالإعتياد.. بالحب، أما هذا الرجل، فشيءٌ آخر.. نوع من الرجال لم تقابله من قبل.. بعيدٌ تمام البعد عن المدنية و التحضر.. كماسة صقلتها الحياة و التجارب. كان لديه شيء بري، كوحش غير مروض، يحمل بين ساعديه القويين البأس و الحنان. تخيلت لو أنها زوجته، لو أنه والد أبناءها لو كانت تنجب، لو أنه كان أول من أحبت.. "لو" فتحت بوابات لأفكار دخل منها الشيطان، فإستعاذت ربها، لتغمض عينيها. حين جاءها النوم أخيراً، كانت قد وعدت نفسها أنها لن تقع في حب رجل ثانية، فماذا ربحت من حبها لنعمان سوى خسارة فادحة. فلتتجاهله من الأن فصاعداً، و فور أن يكتمل تجديد الكوخ، ستهرب إلى ملاذها.. لعله يسمح للأطفال بزيارتها. المهم أن تذهب بعيداً عنه.. بعيداً عن عينيه.. بعيداً عن الوقوع في حبه.
ترى هل سيتمكن الإثنان من إخماد ذلك الشوق لبعضهما؟ هل سيصبح هذا الشعور في يوم ما حباً؟ و هل ستصارح فتنة عامر بحقيقتها؟ و كيف سيكون رد فعله؟
ما بين الثرى و الثريا.. تأليف Salwa M
![](https://img.wattpad.com/cover/89946065-288-k566377.jpg)
أنت تقرأ
ما بين الثرى و الثريا
Romanceأن تترك حياة القصور، و رغد العيش، لتبدأ حياة جديدة بحثاً عن نفسها و كيانها الضائع الذي وهبته لمن ظنت أنه يستحق.. ترى هل ستجد سعادتها؟