ما بين الثرى و الثريا..
الفصل التاسع عشر
تأليف Salwa M
"ما الذي يحدث؟" هذا ما سأله نعمان لنفسه. كان يشعر أنه في دوامة تشده نحو القاع.. نحو الغرق. موت والده المفاجيء، و التغير الغريب الذي أصاب فتنة كانت أسباب تقض مضجعه كل يوم. ما الذي سيفعله بذاك الصعلوك الذي لمسها؟ أيقتله؟ لكن لا إن علمت بذلك ستقتل نفسها بدلاً من الزواج منه.. يجب أن ينتظر حتى يتم الزواج، لكن الزواج لن يتم الأن. فبرغم انتهاء عدة طلاق فتنة، إلا أن وفاة الملك، و الحزن السائد في المملكة جعل زواجه في هذا التوقيت غير لائق. حسناً.. لا ضير من الإنتظار قليلاً طالما هي جواره في جنبات القصر.لكن الأفكار في رأس فتنة كانت تسلك مساراً أخر. "تباً! ماذا سأفعل الأن؟ لقد بدأت بطني بالبروز.. مالذي سيقوله من بالقصر؟ إختلى بها النعمان، و حملت سفاحاً! تباً! تباً!!! لما عليّ تحمل كل هذا؟ لقد رضيت بعيشتي مع من أحب رغم فقره، فلما أعود لهذه الحياة البائسة في القصر مرة أخرى؟ ترى كيف حال حسان الأن؟ أشتاق لباقي أبنائي.. و أشتاق.. أشتاق لمن ملك كياني و روحي.. لمن جعل مني امرأة كاملة بحبه حتى قبل أن يهبني طفله في أحشائي. لكم أتمنى أن أرى وجهك الآن يا عامر؟ بكت حسرة على حالها و وحدتها حتى أنهكها التعب، فنامت.
حين أستيقظت كان المساء قد حل.. أوقدت شمعة، و جلست أمام المرآة تمشط شعرها.. تذكرت عامر. تذكرت لمساته،بعد أن ينام الأطفال.. حين يفك جدائلها، و تتخلل أصابعه أنهار شعرها الحريري.. تذكرت أنفاسه، و صوته منادياً أياها بأميرة ليله و فتنة حياته و معشوقته. أغمضت عينيها، و مررت أناملها بين خصلات شعرها متخيلة أنها يده و أصابعه. إرتسمت على ثغرها إبتسامة حنين، و لكن صوت نعمان كسر مرآة الذكرى الجميلة كعلبة من بلور تحطمت فوق الحجارة.. علبة البلور! "مالذي تفعله بعلبة البلور هذه؟" " أها! أتقصدين هذا الصندوق البلوري الذي يحمل أجمل ذكرياتنا.. المثال الصادق على حبنا!" نظرت له فتنة مبتسمة بسخرية، ثم سرعان ما تحولت الإبتسامة إلى ضحكات أخذت في التزايد مع مرور الوقت.. إلى أن صمتت فجأة، لتنظر إليه بقسوة، و هو يخبرها كيف أن هذا الصندوق الصغير هو ما أوقع بها في شباكه ثانية.
"حبنا! مثال صادق! أي حب و أي مثال؟ يوم تزوجت عليّ؟ أم يوم كنت تقف معها في نفس مكان الحب الصادق في بستان البرتقال؟ أم يوم علمت بمقتل مربيتي، و لم تشفق عليّ و تواسيني؟ أم يوم هاجمتني مع الأخرين و كنت أكثر قسوة منهم؟ أم يوم تركتني أغادر القصر وحدي بلا مال و لا حارس؟ أم ..." " كفى!!! تعلمين أنه لم يكن شيئ بيدي.. أبي لم يكن راضياً عن حقيقة أنك لا تنجبين، و هذا ما جعلني مضطرا للإذعان لرغبته! فقط لو كنتي أنجبتي، لما حدث شيء من كل هذا!"
" ستظل أنانياً غبياً طوال عمرك! حسناً يا مولاي الملك المعظم.. فلتعلم أن السبب ليس مني. لقد سمعت من إحدى الجواري أنك تزوجت من امرأتين غيري، و لم تنجب. ألم تتسآءل أنه ربما، و لو لجزء ضئيل من إحتمال أن السبب قد يكون منك؟" " لا يمكن السبب دائما كما جرى العرف يكون من الأنثى،و .." " أيها الأحمق! إنني أحمل طفل عامر في أحشائي!!! لم أكن أنا السبب! إنها إرادة الله أولاً، و عدم مقدرتك أنت في المقام الثاني!! لكم كنت أبكي في الليل و النهار كلما سمعت كلماتك القاسية، لكن ربك لبمرصاد. كيف تشعر الأن بعدما عرفت؟ هل تحس الأن بمدى قسوتك معي؟ هل تشعر بكم النقص الذي زرعته بداخلي؟ لولا عامر، لكنت جثة تمشي بين البشر.. حبه هو الذي كان صادقاً، و ليس حبك.. حبه هو من جعله يدافع عني وحده ضد كل فرسانك الذين كانوا يكيلون له الركلات و اللكمات، بينما أنت هاجمتني خوفاً من أبيك.. حبه هو الذي جعله يخاف علي من نسيم الصباح، بينما أنت تركتني أواجه مصيري وحدي خارج جدران القصر. الأن.. أتستطيع أن تصف ما كان بيننا بالحب الصادق؟!"
ظلت تنظر إليه ساخرة، و هو مذهول من كل ما قالته. أنا من لا يستطيع ملئ بطنها بطفل! ذاك الحقير نجح فيما فشلت فيه أنا.. إنها تكرهني الأن! "سأقتله!!! أقسم أن أقتله أتسمعين! و سأقتلك، و أقتل طفلكما.." " و تترك المملكة بدون ولي للعرش؟ من سيؤول إليه ملكك الزائل، يا.. يا مولاي؟"
لم يشعر بنفسه، و هو يضغط بأصابعه على رقبتها الرقيقة ينوي قتلها، لولا أن رأى دموعها.. ظنها دموع الخوف من الموت، لكنها كانت دموع الخوف أن تموت دون أن ترى عامر و الأطفال.. دون أن ترى وليدها الذي لم يخرج بعد للنور، و رغم ذلك لم تقاومه. تركها تسقط على الأرض ككم مهمل، و خرج من الغرفة لا يلوي على شيء. "يا إلهي! سيقتل عامر!"
إمتطى نعمان جواده، و هو يسرع به نحو كوخ عامر في ظلام الليل الحالك. رأسه يفور بالحنق و اليأس و الإحباط. لكم يشعر بضآلته؟ ركل حصانه، و ضربه بالسوط بشدة و قسوة جعلت الحصان يرجع و يرفع ساقيه الأماميتين، ثم يعاود الإنطلاق بسرعة أكبر. لم يتمكن عامر من رؤية بعض الحفر التي تعثر بها الحصان، ليسقط عامر من فوق الجواد الذي تعثر صادماً رأسه في إحدى صخور الطريق الحادة. برد الليل، و الظلام، و الوحدة جعلته يرتجف خوفاً و ضعفاً.. "هل شعرت فتنة بذلك عندما تركتها تخرج وحدها للمجهول؟ لكم أشعر بالبرد؟ أسمع صوت الذئاب.. أحس بلهاث أنفاسهم تقترب.. فتنة.. سامحيني."
ترى مالذي سيحدث لفتنة؟ كيف ستؤثر الظروف على علاقتها بعامر؟ هل ستتمكن من إعادة السعادة لحياتها؟ إنتظروا الجزء القادم.. تحياتي #سلوى
أنت تقرأ
ما بين الثرى و الثريا
Romanceأن تترك حياة القصور، و رغد العيش، لتبدأ حياة جديدة بحثاً عن نفسها و كيانها الضائع الذي وهبته لمن ظنت أنه يستحق.. ترى هل ستجد سعادتها؟