صارت الان على مسافة جيدة ، مسافة ليست بالبعيدة حد جرها الى اللامبالاة ، كما لم تبقى على ذلك القرب المقيت الذي يجعلها تفكر بصور مرضية و تشكك و تقلب الامور بشكل هوسي ...... انها و اخيرا على مسافة "الامن" حسب ما تحب تصديقه و هي اخيرا مرتاحة .....لا تريد حقا في اي عمق من اعماقها العودة الى النبش في تفاصيل ذلك اللقاء الاخير و لا الذي سبقه ، بل ترغب جدا في نسيان كل ما كان تماما و اعتباره كمجموعة من الايام تضمنها مسار حياتها تلقت فيها دروس وعي مكثفة جعلتها تغير العديد من مفاهيهمها ، تريد استخلاص كل ما يمكن استخلاصه من الحكمة الايجابية و المضي بها ...دون الاتلفات الى ما يتبقى ....دون الالتفات الى كل تلك الخردة المكومة و المفروشة و الذي لا زال البعض منها عالقا بذنبها
الا نها ذكية الى حد ما ، بل هي ذكية الى حد معتبر ان اخذنا رايها في طريقة تعاملها مع الامور ، و لهذا تمكنت من الوقوف على محور الاشياء و الصاق جبهتها بواقعها متلقية بذلك كل ما في المسالة من معطيات ، مغطية بذلك جميع الزوايا التي في المقدور النظر منها الى تلك المعطيات ، غير ان وقوفها هذا على المحور سبقته محاولات فاشلة لا تحصى جعلتها تسقط على جميع انحاء جسدها و ان كان السقوط الافقي المرتد على الراس الاشد ذاكرة عندها ، كما ان محاولات الوقوف هذه سبقتها مرحلة الجلوس الممضي في تثاؤب و حيرة ، الجلوس السلبي الجاهل القانع بجهالته ، و الحملقة المتاملة دون اي عمق يذكر و دون ترميش، لقد كانت فترة بلاهة بامتياز ....لا نعلم لحد الان كيف خرجت منها ، لقد كان من شان ذلك الجلوس ان يقضي على امرها بان تفوت اكثر ما في التجربة من ارهاق مبتسم و دهشة طفولية لقد كان في مفدورها ، و قد ادركت هذا توا ، ان تتجنب ايضا هذه الخردة المقرقعة خلفها
تتمدد في مكان ما الان ، هو ليس بالمكان الغريب عنها لكنها لم تفكر ابدا في تسميته او في النظر اليه بالامعان المطلوب ، هو نوع من الممرات الشبيه بالفراغ المتكون بين سورين او بين بنائين ، انه نوع من الزقاقات الذي يتسع لانسان واحد ، يتحرك عبره الواحد نحو احد الجانبين او نحو الاعلى فقط ،لا مجال للنزول ، وطبعا لا للتراجع او التقدم لا يشعرها موقعها هذا بادنى ضيق او انزعاج و هذا ما استغربته لتوها نظرا لميلها نحو الخوف من الاماكن الخانقة ، تتحسس الحاجز المتطاول الممتد امامها بيدين مطبقتين عليه ، لا يمدها ملمسه باي شعور بالرطوپة او الخشونة كانه مصنوع من ورق ، فكرت ( من ورق مقوى) ، تجرب الان بالطبع دفعه ، تضغط بكامل القوى محاولة جعل مرفقيها يستفيمان ، تتورد ثم تحمر اصابعها ثم يداها امام نظرتها العاجزة .... تجرب بعد حين التراجع سنتيمترات قليلة ثم تدفع بكتفها الايمن فالايسر ، لا جدوى تاخذ انفاسا كبيرة سريعة ، جبينها صار رطب و عضلاتها المشدودة تسترخي في وجع خفيف. تنظر الى ذلك المار من امامها وتتذگر كيف انه صار في وسع الجميع منذ بضع سنين التكلم عبر شاشات الحواسيب دون التعرض المباشر الى وجوه بعضهم البعض و بالتالي الى تقطيبات الحاجبين و تقلص الابتسامات او الى تشابك النظرات في غضب او خوف او اي نحو اخر ، لقد صار في المقدور التراشق يالكلمات الافتراضية و تحميلها بمفردها حمل معناها و حمل النية و حمل السياق ، حمل الشهادة و التاريخ و حمل قالب الشعور ، لقد اصبحت الكلمات سفيرة عظيمة، جملا اسيويا يترنح بالاعباء و قد تهاوت كلماتها على من تهاوت ذات مرة....فاخرجت ما لم تتمكن -على غرار الجميع -كل ما لا تتجرأ على قوله في العلانية البرية و لا تاتي على ذكر كل هذا الكلام الا لتشعر مجددا بتلك الرغبة القديمة في استرداد كل ما قالته ، في استئصال تلك العبارات من كبد التاريخ كالرصاص المتشظي ، بلا تخدير او تردد لا هي ليست رغبة غاضبة بل غبية ، تشعرها بندم متاصل
تزحف عرضا بخطوات متقاربة بائسة و تحاول بكل قوتها الذهنية ان لا تفزع ، ان لا تدخل في نوبة هلع من هذا السجن الذي وجدت نفسها فيه ذات صباح ، تتجعد ملابسها و تضيق عليها الممر اكثر ، تتوقف لتصلحها فهي لا ترغب في ان تبدو بائسة عند خروجها او ان تعطي انطباع انها كانت داخل غسالة ، فهي و قبل كل شيء لا تدري من الذي ستصادف . تتحرك ببطئ لكن بفعاليه ، تقطع سنتيمترات ثابتة منذ دقائق الان ، لكن العجلة تلح و تغري فتزيد هي من مقدار حركتها املا في الانتهاء القريب ، لكن هذا يجعلها تحز ضد الجدار ظفرين من يدها اليمنى ، و تكسرها من المنتصف هذا جعل نهرين من الدماء يجريان سرعان ما امتصهما الجدار المقابل بشكل الي ، كانه جعل لهذا الهدف ، تئن من ازعاج الالم المتوسط لكن المستمر ....تريد فعلا ان تتذمر لكن لا أحد في الجوار
***
يتراجع السور الذي كان ملاصقا لوجهها تراجعا قليلا ، لكن في تقديرها هي العالقة لقد انحسر تماما ، تتنفس عميقا رغم أن الهواء لم ينقصها