1- هل يأتي الحلم الجميل؟

10.3K 126 7
                                    

1- هل يأتي الحلم الحلم الجميل؟

هدأت العاصفة أو كادت , هكذا كانت توحي الأجواء في الخارج , فقد تبدّدت الغيوم الكثيفة السوداء , وبدأت أشعة الشمس تظهر من خلالها , والمطر الغزير أصبح رذاذا , والرياح المجنونة تهب ناعمة خفيفة كالنسيم , ورشحت مياه السطح عبر المزراب الى أرض الحديقة , فبدت أشجار الليمون والبرتقال مثقلة بالثمر ومياه المطر التي تراكمت عليها .وأختلطت أشباح كل تلك المناظر المنعكسة عبر مزيج من الضباب الخفيف ونور الشمس الباهت بشبح صبية واقفة خلف شباك البيت , حيث كانت تراقب العاصفة وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة , والطيور الحائمة فوق الحديقة , والحشرات الهائمة على وجهها تبحث عن زاوية تحط فيها الرحال , وتصغي الى أجنحة العصافير وهي تقوم بمناورات رائعة , وحفيف أوراق الشجر وقطرات المياه المتساقطة عن الأغصان والأوراق الى الأرض , لتغور فيها وتنضم الى أخواتها التي سبقنها في المسيرة الى الينبوع.
ويبدو أن الأجواء السائدة في الخارج قد أعجبت الآنسة كيت إذ أمضت فترة وهي واقفة هناك كما لو أنها تحضر محاضرة شيقة عن عوامل الطبيعة وثرواتها , الى أن أوشكت الشمس على الغروب , فخفّت حدّتها , وتحول لونها البلوري الساطع الى لون برتقالي مريح للنظر , كل ذلك والسيد براد شريدان جالس في الداخل ينتظر ليعود كي يقابله لأمور تتعلق بالعمل , لم يكترث لما كان يجري في الخارج , الى أن خطر بباله أن يقوم بحركة ما للترفيه عن نفسه قليلا ريثما يعود والد الآنسة كيت , فنهض عن كرسيه وراح يمشي ببطء وهو يتطلع حوله بحذر ليباغت كيث قبل أن تنتبه لوجوده وتفقدها المفاجأة بهجتها والمتعة التي يتوقعها منها , وقد حالفه الحظ أذ كانت كيت مشغولة بمداعبة فراشة جميلة حطت على كتفها , فأقترب منها , وربت بيده على كتفها من الخلف وسألها:

" يبدو لي أنك لا تخافين من شيء , يا كيت , أليس كذلك؟ ".

فأستدارت مذهولة لترد عليه بلهجة صارمة:

" إذا كنت تسأل لمعرفة ما إذا كنت أخاف من االعاصفة فجوابي هو لا , العاصفة لا تخيفني".

قالت ذلك وهي تبتسم لأخفاء شعورها بالخوف والتظاهر بالشجاعة لمواجهة التحدي الذي أبرزته ملامحه فيما كان يضغط بأقصى قوته على كتفيها ويقول:

" ما كنت أقصد العاصفة فقط يا كيت !".

" أحسنت , أحسنت , يا براد ! أنني أعرف ماذا تقصد".

فردّ عليها وهو يمعن في الضغط على كتفيها:

" حصانتك الذاتية عجيبة وغريبة , يا كيت , ما هو السر؟".

تأملته قليلا وقد أرخت ذراعيها ثم أجابته ببرودة أعصاب:

" ما كنت أدري أن للحصانة الذاتية أسرارا , حسب خبرتي , الإنسان يكسب مناعته الذاتية بفضل الألم , وهناك من تكون مناعته مصطنعة , أيهما تعني؟".

 قبل أن ترحل { روايات عبير }  حيث تعيش القصص. اكتشف الآن