8- الغيوم تتبدّد

1.1K 27 1
                                    

8- الغيوم تتبدّد

( إصبري يا نفسي وتحمّلي ، فلكل شيء نهاية ولا بد من أن تكون لهذا الليل نهاية....)

.هكذا راحت تناجي نفسها وهي جالسة في زاوية ذلك الهيكل القديم المهجور ، تصغي لصدى كل خطوة من خطوات شريدان حتى تلاشى الصدى وغابت صورته عن ناظريها ، فراحت تسلّي نفسها بمراقبة ما تستطيع رؤيته في الظلام الذي غطّى الدنيا حولها ، نجوم متللئة ، وفراشات وحشرات حائمة هنا وهناك ، وأشجار ونباتات ، واشواك ، ووطاويط تتحدّى الريح بطيرانها الخاطف ، كانت تصغي الى هدير المياه المنسابة بقوة نحوالتجمعات والمستنقعات جارفة معها الحصى والحجارة وأغصان الشجر والشوك وكل ما تصادفه في الطريق الى طنين الحشرات والبرغش ، وعواء الثعالب ، وحفيف أوراق الشجر ، وقعقعة الحجارة المتدحرجة مع المياه من كل حدب وصوب.

لا تذكر أنها شعرت ولومرة واحدة في حياتها بالوحدة والوحشة مثلما تشعر الان ، لا سيما ان الوحدة هنا كانت من نوع مختلف ، وحدة مقرونة بالوحشة والكآبة والخوف على المصير ، وزاد في حدّتها وضراوتها ان رفيق السفر الذي قاده القدر ليشاركها الهموم والمتاعب قد فارقها ليذهب ويبحث عن وسيلة ما تنقذهما من هذا الجحيم ، جلست هناك تنتظر عودته بفارغ الصبر ولسان حالها يقول : ( ما اضيق العيش لولا الأمل).

لبثت تنتظره وتمضي الوقت تارة بمراقبة القمر والنجوم واشياء الطبيعة التي تسمع حركاتها ولا تراها ، وتارة أخرى بالمشي ذهابا وإيابا عل أرضية الهيكل القديم ، حتى غلبها النعاس ونامت بضع ساعات ، لم تستيقظ خلالها ابدا إلا عندما شعرت بمن يلكز كتفها ويقول لها بصوت هامس:

" هيا إنهضي يا كيت... صارت الساعة السادسة وعلينا أن نفعل شيئا".

ظل واقفا أمامها يتأملها وهي تتململ وتفرك عينيها بيدها لتنفض عنهما النوم الذي إستبد بها ، ثم راحت تمط وتمدد ذراعيها ورجليها لتحريك الدورة الدموية ، وهي تسوّي تغضنات سترته قبل أن تناوله إياها بعد أن إستعملها لتغطية جسمها اثناء النوم.قال لها بلهجة رقيقة وهو يتأملها تتهيأ للنهوض:

" هناك بركة ماء قريبة من هنا لتغسلي وجهك ، ولكن إياك ان تشربي منها".

" لن اشرب منها ، إطمئن".

نهضت ومشت الى جانبه وهو يسندها بذراعه لئلا تتعثر في خطاها المترجرجة ، سارا معا نحو بركة الماء التي كانت أعشاب الحزاز والطحلب واللوتس النامية حولها ، تضفي عليها صورة لوحة رائعة من الوان الطبيعة وسط هالة من الضباب الذي ينتشر عادة في المناطق الإستوائية في الصباح ، مصحوبا بلفحة باردة سرعان ما تتلاشى مع إنتشار أشعة الشمس .

أثار منظر البركة والاعشاب التي تظللها رعشة حلوة من النشوة في نفسية الآنسة كيت ، لدرجة أنها كانت تقفز فيها لتسبح لولا ضيق الوقت الضاغط عليها للعودة الى البيت سريعا كي تستطيع التوجه اى المطار لإستقبال والديها المتوقع وصولهما ذلك اليوم ، وإكتفت بغسل يديها ورجليها وإزالة الوحل العالق بقدميها واطراف تنورتها ، ثم مشّطت شعرها وعادت أدراجها الى حيث كان ينتظرها وقد إستعادت حيويتها ونشاطها.

 قبل أن ترحل { روايات عبير }  حيث تعيش القصص. اكتشف الآن