رشفة الجنون السادسة

42 9 2
                                    

غديت باحثة عن رفيق قبل عودتي لتنقيب عن ذلك الحلم في ذاكرتي الخربة ، ولم أجد لي رفيق سوى حقيبة ظهري وكُتيب قديم لدرجة ظننته خرفاً .

لم أكد أصدق أنني سأجد شيئاً سليماً بعد ذلك الحريق الذي تسببت به أعواد الكبريت والدمى ، فقد نجت كثيراً من المناطق والأشياء في عالمي للهلبيني من الحريق ، فرحت وبدأت بجمع بعض صناديق الحلوى التي وجدتها في أرضي ، فهي الوحيدة من أراضي الحلوى التي نجدت ، تحدثت إلى ذلك الكُتيب و قد خالجت نبرتي الفرحة بعدما كانت قد سيطرت عليها خيبة الأمل :''يا للروعة وجدتها ، سأكون بائعة حلوى '' ، حملق فيّ الكتيب وهو يتمتم متفهماً ، ثم استرسلت في حديثي وأنا أشرح له عما يجول في خاطري: '' فكما أعلم فالحلوى أهم المواد التي يحتاجها أهل جبل اللهلبينا ، وسأجني الكثير من المال يا ألهي كم أنا عبقرية '' وسرحت بخيالي و كأنني أشاهد الأموال أمام ناظري ، وضعت أشيائي جانباً و الأبتسامة قد برزت في ملامحي الشاردة و أخذت أجمع الأموال إلى حجري وأقذفها في الهواء وأنا أُقهقه ضاحكة .

أيقضني من نشوة فرحي كُتيبي متحدثاً بسخرية: ''حسناً أجمعي الحجارة و أتركي صناديق الحلوى لللصوص ''، رمشت بجفناي غير مصدقة ما قاله الكُتيب ، ثم طأطأتُ رأسي لاشاهد تلك الأموال ما هي إلا حجارة ، أخرسني الحرج و أنا أقف نافضة الغبار من ملابسي ، و جعلت أجمع صناديق الحلوى وأقوم بتوظيف عمال ليقوموا بتوزيع الصناديق وبيعها بأسعار ترضيني في جميع المناطق ، ومن لم تعجبه أسعاري فليذهب ويبحث عن مصدر للحلوى غيري ، وأصبح لدي الكثير من الأموال فقد أحتكرت هذه المهنة ليّ فقط ، ومنعت أي أحد من مزاولة زراعة الحلوى أو بيعها فأنا لا أريد أن ينافسني أحد ويجعلني أخسر تلك الأموال ، و لم يقدر أحد على معارضتي فلم يعد هناك عدستي لتردع تصرفاتي الهوجاء كما كانت تقول.

حصلت احتجاجات من سكان جبل اللهلبينا وما يحيطه أمام قصري الذي بنيته من أموالي التي جمعتها من بيع الحلوى ، كانوا يصرخون مطالبين بخفض الأسعار بشعارات كـ 'حلوى حلوى حلوى الناس الناس جياع ' ، سألتُ كُتيبي مستغربة  ''ما بالهم يحتجون يا كُتيبي العزيز ؟ ، ألم تعجبهم حلواي؟ '' تعجبت من فعلتهم وأنا أبذل قصارى جهدي في زراعة الأرض و أعطاء العمال مبالغ طائلة تكفي كل واحد لشراء الحلوى لنفسه ليقوموا بتوزيعها في كل المناطق وكله من أجلهم و يقولون الناس جياع ، و أردفت بغرور لدرجة أنني أحسست أن بالونت غروري تكاد تنفجر '' أليست من أجود أنواع الحلوى ؟ فليس لحلواي مثيل لا في هنا و لا  في المريخ ''، تنازل الكُتيب عن كبريائه وتحدث أمراً إياي '' أخفضي الأسعار ''، لا أصدق ما يقوله حتى هو زمجرت في وجهه '' من أنت لتأمرني ، فأنا مالكة هذا العالم ، وسأفعل ما يحلو لي ، ولن أخفض الأسعار ، أتريدني أن أفلس ؟''، تحدث ناصحاً لي ''أنا لا أريد أفلاسك ، لكن لو أستمرت الأسعار بهذا العلو لن يشتري منكِ أحد وسيفضلون الموت جوعاً على التنازل و الشراء منكِ ، وعندها ستفلسين '' ، لم يعجبني كلامه فأنا لن أرضخ لأحد بعدما حصل من حريق في عالمي ، و قمت بأرجاع الكُتيب إلى حقيبتي لأتخلص من تأنيبه ليّ:  '' أليس في قلبكِ رحمة هناك أطفال يموتون جوعاً ؟! ألستِ من يحب الأطفال ؟!'' ، فكرت وأنا أمر حراس قصري بفض الاحتجاج 'لا يهمني مايقوله وما يفعله الناس أنا لن أتنازل عن حقي وستبقى الأسعار كما هي'.

.............
بعد مرور شهر

"يا ألهي ما الذي فعلته في سكان عالمي " تحدثت نادبة فعلتي ومناظر الجوع قد سيطرت على شوارع عالمي ، وأنا أسير في الشوارع متخفية بعدما قام الناس المحتجين بأقتحام قصري ونهب كل ما جمعته من صناديق الحلوى وأصبحوا يتحكمون في أسعار الحلوى فتارة يرفعونه وأخرى يخفضونها حتى لا يثور الناس عليهم ، و أكملت تحسري متحدثة عندما رأيت طفلين يأكلان من برميل قمامة "ألهذه الدرجة أصبح الناس جياع " ، تساقطت العبرات من مقلتاي و ندمت أشد الندم على خسارتي كل تلك الأموال وصناديق الحلوى التي كان باستطاعتي فعل الكثير من أجل هؤلاء الفقراء ، سمعت حديثاً لم أميز محتواه من حقيبة ظهري التي لم أتخلى عنها فقمت بفتحها و اخراج الكُتيب صاحب الصوت وهو يتحدث: '' الحمد لله لاتزال فيكِ الرأفة التي أختفت منهم ، كنت متأكداً من أن ضميركِ لم يمت ''، وغدى يشجعني على الرجوع لممتلكاتي و إيقاف كل أولئك الجشعون الذين سيطروا عليها .

.....

مرت ساعات طوال وأنا أقاوم أولئك الجشعون حتى أسترجعت حقي ، لم أكن أعلم أن أرجاع الحق بهذه الصعوبة فقد لقاقيت عناء الجوع والتكذيب من الناس فهم بالكاد قبلوا إعتذاري و وافقوا على مساعدتي بعد وعود كثير قطعتها لهم.

المهم الأن أنني صححت خطأي و نظمت الأسواق لبيع وشراء الحلوى دون عناء ليتمكن الجميع من الحصول عليها بأسعار مناسبة لهم ولكل البائعين ، نعم لم أعد بائعة جشعة كما كنت في السابق فقد أدركت أن الأسواق تنافس وتعاون ، أخذ وعطاء ، ولابد من مساعدة الفقراء حتى يبارك الله ليّ فيما أجني.

أنا الأن أقيم حفلة في قصري تكريماً لصديقي الحكيم والمخلص  كُتيب الذكريات ، فقد إيقنت أننا إذا لم نشاور منهم أكثر منا تجربه وحكمة فنحن خاسرون ، فقد قيل ما خاب من أستشار.

أنظموا إليّ أن شأتم  😉

🌻🌻🌻🌻🌻

رأيكم ؟

ترهات  حيث تعيش القصص. اكتشف الآن