الصباح يجلب الغيوم

390 6 0
                                    

عادت سوزان وليون بعد فترة قصيرة بالبضائع , بعدما تسوقا في أيست بورن.
كان ترحيب ليون بجيردا وديا , إلا أن سوزان أبدت وبوضوح شكوكها بصدد الزيارة ولم تبذل أي جهد لأخفاء مشاعرها , كانت سوزان صغيرة الجسم , ترتدي بنطالا أخضر وقميصا مزينا بورود صغيرة وسيطرت على جو المكان كله طوال فترة العشاء وتجاهلت حضور جيردا كلية , إلا أن ستيوارت بدا في مزاج أفضل , لذلك صارعت جيردا رغبتها في اللجوء الى السكوت طوال الوقت وحاولت ألا تظهر ألمها حين أجتمعوا بعد العشاء في شقة ستيوارت للأستماع الى الأسطوانات الجديدة التي أشترتها سوزان في أيست بورن.
أطفأ ليون بعض الأضواء ومع بدء الموسيقى تخلت سوزان عن تظاهرها الكاذب بالمرح , فركنت الى الصمت لفترة طويلة , مستلقية على الكنبة ومحدقة في سقف الغرفة , وحين أنتهت الأسطوانة رفضت المشاركة في مناقشتها , إلا أنها أستعادت نشاطها فجأة حالما وضع ليون أسطوانة أخرى موسيقاها جزء من موسيقى فيلم شعبي معروف , فحملت مقعدا صغيرا وسارت متوجهة نحو ستيوارت وجلست الى جانبه وبدأت تناوشه كما لو أرادت أظهار عواطفها للحاضرين.
لم يحاول ستيوارت منعها أو تشجيعها بل أكتفى بالأبتسام وعلى وجهه تعبير يوحي بأن أفكاره بعيدة جدا عن المكان , كأنه لم يشعر بالذراعين النحيفتين تلتفان حوله واليد الناعمة تلمس وجهه بحركات بطيئة.
وأخيرا , ركعت أمامه وأسندت رأسها الى حضنه , وتركت شعرها الأسود الطويل منسدلا على ساقيه , نظر اليها وبدأ بتمسيد شعرها محركا أصابعه بخفة في خصلاته.
لم يبد التأثر على ليون للمشهد العاطفي , إلا أن جيردا أضطربت لذلك , أذ لم تستطع أبدا أظهار عواطفها وحبها لشخص أمام الآخرين ولم تفهم كيف تستطيع التركيز على سماع الموسيقى والنظر الى الجهة الأخرى فسمعت ليون يضحك ضحكة قصيرة , وإذ نظرت رأت أن ستيوارت دفع كرسيه الى الوراء ببطء ولم تشعر سوزان بحركته فوقعت أرضا.
وتحول لون وجهها الى لون قرمزي لشدة الغيظ :
" وحش , وحش".
صرخت بصوت عال :
" أكرهك , أكرهكم جميعا".
وبدأت البكاء بشكل مفاجىء ثم غادرت الغرفة حالا.
ونظرت جيردا بدهشة الى الرجلين , هز ليون كتفيه أستهزاء بينما عبس ستيوارت بقسوة:
" لا تقلقي ستتخلص من هذه النوبة بسرعة , أن عزيزتنا سوزان مخلوقة مزاجية ".
" ولكن ألا يذهب أحد......؟".
وأشارت برأسها نحو الباب .
" كلا , لن تشكرك لذلك".
وعدل ستيوارت الكرسي المقلوب.
" بل أنها في الحقيقة تتمتع بالبكاء كثيرا , ألا ترغبين بالجلوس الى جانبي وتمسيد رأسي المتعب؟".
وأشار الى المقعد المجاور له.
" كلا , لن أفعل ذلك".
وأحست جيردا بأنها غير قادرة على العمل أكثر , وتذكرت أحساسها بالأرتياح حين علمت بعدم مجيء جوردان لقضاء الليلة في المنزل , لكنها ندمت لذلك الأحساس وتمنت وجوده , أذ في أستطاعتها التنبؤ الى حد ما بخطوة جوردان التالية مما يقودها الى تحصين نفسها ضده تبعا لذلك , إلا أن الأمر مختلف مع ستيوارت أضافة الى وجود سوزان المضطربة عصبيا , نهضت من مقعدها مدمدمة بعذر ما وغادرتهما بسرعة متوجهة الى غرفتها .
كان سكون المنطقة ليلا وهدوءها مثيرا للأكتئاب أو هذا على الأقل ما شعرت به جيردا , كان الهواء حارا وهي على أستعداد للترحيب حتى بصوت السيارات المسموع عادة خارج شفتها.
بينما لم تستطع هنا حتى سماع همسة واحدة , وهكذا قضت ليلة بدت وكأن لا نهاية لها.
وجلب الصباح معه الغيوم والرعد , وإذ نظرت جيردا من النافذة وتساءلت عما يجب أن تفعله : تغيير ملابسها أو العودة الى الفراش من جديد .
كانت الساعة السابعة ولم تسمع ما يشير الى أستيقاظ أي شخص آخر في المنزل , جلست على حافة السرير وراقبت تجمع الغيوم السوداء من خلال النافذة , هل ستصرف ستيوارت وسوزان بهذه الطريقة دائما ؟ جدال , حب , وعراك ؟ وبدت لجيردا صورة علاقة غريبة , أي سعادة يجدانها في تلك العلاقة ؟ وما هو موقفها من المسألة كلها؟ وكلما أمعنت النظر والتفكير لم تجد غير التعاسة , ألم يستطع جوردان رؤية ذلك ؟ لماذا لم تمتلك الجرأة على العناد ؟ أن تهرب قبل أن تقع في المصيدة تماما........ حتى لو عنى الأمر خذلان هوارد , حتى لو ........ وأعادها الى الحاضر صوت قرع الباب ثم سمعت صوتا يقول:
" هل أستيقظت ؟ الشاي جاهز".
وفتح ليون الباب , ومن دون أن يرتبك لوضعها المشوش , وضع الصينية جانبا ثم توجه نحو النافذة .
" هل أسحب الستائر ؟ أو أتركها لتصد ضوء النهار؟".
" إسحبها رجاء , شكرا لجلبك الشاي أذ لم أتوقع هذا".
إبتسم ليون بهدوء وقال :
" أقوم بإعداد الشاي كل يوم أحد وهكذا تتاح الفرصة للسيدة بي للحصول على بعض الراحة".
وبدا عليه الأستعداد للمحادثة فسألته بكسل:
" لماذا تدعوها السيدة بي؟".
" لأن أسمها الحقيقي هو بريدنغهام ونحن جميعا كسالى ".
" آه".
وبدأت تناول بعض البسكويت مع الشاي وساءلت نفسها عما إذا كان ليون ممرضا مؤهلا , وكيف يستطيع التلاءم مع مزاج ستيوارت المكتئب ؟ إذ بدا لها شخصا سهل المعشر وينتمي الى العائلة , لا بد أن ستيوارت محظوظ لبقائه معه.

"لحظات الجمر "حيث تعيش القصص. اكتشف الآن