الفصل الأول

4.1K 292 96
                                    

الصداقة الحقيقة هي تلك التي لن تتأثر بالظروف المحيطة , علاقة متينة بنيت على الثقة المتبادلة بين الطرفين , لكن ماذا لو أشارت كل الدلائل يوماً بأن أحد هذين الطرفين مجرد خائن ؟ ماذا لو تضاربت أمواج أفكارك ما بين التصديق و التكذيب ؟ قلبك على إستعداد تام لتكذيب كل تلك الدلائل بل وتدميرها إن لزم الأمر ! بينما عقلك سيرغب بجعلك تدرك الأمر قبل أن تزداد أوهامك وألمك .. فمن منهما سينتصر بتلك المعركة ؟ أتثق بالدلائل أم بحدسك ؟ أتغرق ببحر من الشك واليقين ؟ الثقة والقلق من الخيانة ؟ حينها فقط الطرف الثاني هو من سيثبت لك بأنك إما أن تتبع عقلك وتدهس على قلبك وبقوة وإما أن تتباهى ثقتك ومشاعرك على عقلك الذي تسرع بإصدار أحكامه الظالمة .

البداية :

توقف عن الركض بالقرب من الكوخ الصغير الذي إعتاد على العيش به مع أخاه وصديقه الوحيد كريس , أنفاسه كانت مضطربة للغاية , قطرات العرق تساقطت من جبينه بكثافة , هو ومنذ ساعات الصباح الباكر غادر موقعه للبحث عنه , ليس من عادة كريس تركه هكذا لمدة أسبوع كامل دون أثر أو على الأقل رسالة واحدة فقط تخبره بأنه سيتأخر عن العودة !

هو أخبره أن سيغادر لثلاثة أيام متتالية و يعود مع صباح اليوم الرابع لكن هذا لم يحدث , وأخاه لم يظهر من يومها , رفع رأسه ليحدق بالنجوم التي تلألأت في جُنح في الظلام وكأنها تخبره بأن لا ييأس عن البحث , وهو إستجاب لتلك الرسالة بسرعة بحيث إبتسم بشيء من الإطمئنان بينما بداخله يدرك أن كريس لن يخذله مطلقاً , هو سيعود بالنهاية لأجله مهما طال الوقت , لإن كلاهما لا يمتلك أي أحد سوى الآخر .

ولج للكوخ بخطوات سريعة وبدأ بتنظيفه , أنهى ذلك وإتجه للمطبخ ليحضر لنفسه حساء الخضار المفضل لديه , لكنه ما إن كاد يقطع الخضار حتى لاحظ إنعكاس صورته بإحدى الأواني الزجاجية حيث كان مليئاً بالغبار ليترك ما يفعله ويقرر التوجه والإستحمام أولاً .

وما إن إنتهى هو حدق بإنعكاس صورته بالمرآة , شعره الذي شابه بلونه حُبيبات البُن اللذيذ كان مبعثراً كأنه لم يرتبه منذ الأزل , بينما تجمعت الهالات السوداء تحت عيناه العسليتان , حاول أن يبتسم لنفسه بتشجيع وتفاؤل لكن عوضاً عن ذلك تساقطت دموعه بغزارة للمرة الأولى منذ رحيله وكأن الطاقة التي إستمدها من إشعاع النجوم إنتهت مدتها ورحلت تاركة إياه مع أفكاره السوداء فقط !

شهقات بكائه بدأت بالعلو تدريجياً مع كل ذكرى عاشها معاً , هو لم يرى يوماً أي بشري غيره , كلاهما عاش حياته بعزلة عن الآخرين , لا يجيد التعامل مع أحد سواه كما أن كريس أساساً لم يسمح له يوماً بالتوجه للمدينة القريبة منهم ودائماً ما أخبره أنه لن يحتاج للإنسجام مع أي شخص آخر , إذاً كيف يتركه الآن ؟

.. شباك واهية ..حيث تعيش القصص. اكتشف الآن