الشفرة الأولى || الدموع الممتزجة بالدماء

340 24 39
                                    

في إحدى ليال منتصف يناير قارسة البرودة، في وسط إحدى الغابات الغزيرة التي اصبحت لوحةً ناصعة البياض، يجري رجلٌ يحمل فتاةً صغيره بإحدى يديه ويمسك بامرأة في يده الأخرى، ومع كل زفيرٍ يخرجه تتشكل سحابةٌ مؤقته تختفي بعد عدة ثوانٍ...

توقف بعد أن اختبئ خلف احدى الأشجار العملاقة وهو يلهث بشده، فكم هو متعِبٌ أن تجري وسط الثلوج الغزيرة بالإضافة إلى أنك تحمل حملاً زائداً، انزل الفتاة التي كان يحملها ولم يتركها حتى تأكد من أنها قد اتزنت على كتل الثلج اسفلها، تلفت يميناً وشمالاً تأكد بأنهم بأمان مؤقتاً، ليعود وينظر للفتاة التي انزلها تواً وأصبح في مستواها، ربتَّ على رأسها وقال محاولاً الابتسام "أميرة أبيها كبرت، أليس كذلك؟"

لتومئ الفتاة بحماسه فهي بعين والدها العزيز قد كبرت، ليخلع الرجل خاتمهُ الفضي وتفعل المرأة المثل وتسلم خاتمها للرجل الذي ادخل بهم عقد فضي أعطته إياه المرأة مع الخاتم وألبسه ابنته، ليكمل قوله بحرصٍ شديد "أميرتي عليك مساعدة ماما وبابا، حسناً؟" لتومئ الفتاة بالإيجاب فيكمل والدها "على ماما وبابا الذهاب اولاً، وعليكِ يا أميرتي بعد أن نختفي من أمام ناظريك أن تركضي بأقصى سرعتك بذلك الاتجاه حسناً؟" وأشار إلى الاتجاه الذي سيخرجها من الغابة، لتومئ الفتاة فيرفع والدها قلنسوة معطفها الأبيض ليغطي شعرها البني القصير ويرفع رأسها لتلتقي عينيه القلقة بأعينها المغرقة بالدموع، لم يستطع تحمل رؤيتها هكذا ليسحبها في حضنه مع زوجتِه التي بدأت بالبكاء...

لم يدم حضنهم هذا لوقتٍ طويل حتى ابتعدوا عن بعضهم البعض، قربت المرأة الفتاة إليها ومسحت دموعها بأصابعها الطويلة والرفيعة، وقالت لها وهي ترسم ابتسامةً صفراء حزينة على ملامح وجهها الأنثوية "أنا أحبك يا أميرتي أكثر من أي شيءٍ في هذا الكون!" والتفتت لتنظر إلى زوجها لتكمل "كلانا نحبك ونتمنى لك أسعد حياةٍ يمكن أن يحياها بشريّ...!"

وأكمل والدها محذراً "إن سألكِ أحدٌ عن اسمك أو عن ماما وبابا فلا تجيبيه على الإطلاق!"

لتجيبَهُ أول مرةٍ منذ أن تحدث معها "حاضر" ومع أخر حرفٍ نطقت به امتلأت عينيها بالدموع وعبست بوجهها، صحيحٌ أنها لا تزال صغيرة ولكنها تعلم أن والديّها في خطر وقد لا تراهم مجدداً.. وكم هذا صعب على طفلةٍ لم تتعدا الخامسة من عمرِها...!

انتصب على قدميه وساعد المرأة بالوقوف أيضاً، شبك أصابع يديه بأصابع يديها، نظرا لابنتهما لأخر مره قبل أن يقولا معاً بابتسامة حزينة "سنذهب أولاً.." ليستديرا للجهة المعاكسة لاتجاه ابنتهما المُفترض، وبدآ بالجري بأسرع ما يمكنهما بينما تبكي المرأة بشده فهي لم تتخيل يوماً أنها ستتخلى عن فلذة كبدها بهذه الطريقة... لم ترغب يوماً بتركها هكذا.. كل أحلامها عن حياةٍ سعيدة وبسيطة مع ابنتها وزوجها العزيز تحطمت، صورٌ نُسِجَت من قِبل مُخيلتِها أول يومٍ في الابتدائية، أول يومٍ في الثانوية، تخرجها من الجامعة... ويوم زفافها... كلها تخيلات ولكنها كانت أحلامها وها قد تلاشت...!

Lost Code || شفرة ضائعةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن