3

354 52 34
                                    

تم تغيير إسم الرواية من "الشفق الأسود" لـ"ألوان الشفق" وذلك لكون الإسم السَّابق مستخدمًا من قبل كاتب آخر. وحفظًا لحقوقه ولحقوقي ككاتبة لهذه الرواية. قراءة ممتعة.

جلستُ على المقعد بجانب النَّافذة وقد بردت أناملي. تطلعتُ إلى ليام حيث كان يضع الحقائب في الأعلى قبل أن ينحني ويجلس بجانبي.. نبض قلبي بعُنف. تلامس كتفانَا وشعرتُ بحرارة جسده. ليام دافىء.. منذ أن عرفته فإنه كان دائمًا دافئًا.

قلبِي لم يتوقف عن الخفقان بسُرعة، بقُوة ولكأنه سيخرُج مِن بين أضلاعي قريبًا. دقائق مضت وأنا أحدِّق في النافذة.. مُتناسية خوفي.

إلتمعت علامة ربط الأحزمة، وإنطلق صوت الكَابتن يُرحب بالرُّكاب على متن الطَّائرة وبدأ بالحديث عن إرشادات السَّلامة، لتبدأ المضيفات فِي كُل درجة بالإعلام عن الإرشادات. رحتُ أغوص في الكُرسي وقد إبتدأت محركات الطَّائرة بالعمل.

وبعدها.. إنتهت إرشادات السَّلامة لتختفي المضيفات. ويحل الهُدوء إلا من صوت المحركات وتحرك الطَّائرة. إرتفعت نبضات قلبي وراحت تخفق كحصان عدو. لم أدرك بأنني أحفر يداي عميقًا في ذراعي المقعد. إزدادت سُرعة الطَّائرة ليعلُو الضَّجيج.. إزداد الهلع في داخلي.. شعرتُ بنفسي أضيع وأتيه تمامًا.. لقد كُنت خائفة وبشدة.

"ما بك؟" تناهى إلى مسامعي صوتُه الأجش العميق. كان يبدو همسًا وسط الضَّوضاء لكأنهُ بعيد عنِي.

"لم أخبركْ. أعاني رُهاب من الطائرة." أخبرتُه بسُرعة، حينما شعرتُ بالطَّائرة تفارق الأرض، وتزداد سُرعتها لأنحشر في المقعد وأشعر بضغط على معدتي مع إرتفاع الطائرة. أغمضتُ عينيَّ وإنحبس نفسي في رئتيَّ.

"لا داعي للخوف." همس ليام وقد شابك أنامله بأناملي بلُطف، راح يضغط على يدي ليُشتت لي تركيزي. تنفسي بات ثقيلًا.

"لا تنظري للنافذة، إنظري أمامكِ." أمرني، لأحدق في الشاشة الصامتة التي أمامي. راح إصبعه الإبهام يرسم دوائر وهمية على ظهر يدي. مسببًا تيارات كهربائية خفية في جسدي، وصولًا لنخاعي العظمي.

مضت الدَّقائق التَّالية ساكنة، هادئة وقد تلاشى ذعري وكما لو أنني لستُ على متن طائرة إطلاقًا. إستمرّ إبهام ليام برسم الدَّوائر لأسترخي تحت أثر لمساته ويخف من إنقباض عضلاتي الذِي إشتدَّ بفعل الرُّهاب.

لمساتِ ليام، وتشابك يدي بيده. دفء الكُرسي ونعومته حيثُ كنا في الدرجة الأُولى.. كل هذا جعلني أغرق في نومٍ لذيذ دُون أن أدرك ذلك.

. . . .

"ليلي." صوتٌ عميق يُناديني من البَعيد. تطلعت حولي. لا أحد هنا!

"ليلي!" عاد ذلك الصَّوت بشكلٍ أعلى من ذي قبل! تلفتُ من حولي بقلق.

"هل مِن أحد؟!" هتفت مذعورة. فجاة شعرت بأحدهم يدفعني بقوة للخلف ويردعني أرضًا، رغم بأنني لم أر أحد. وكأنها قوة مخفية!

"ليليآن!" إعتلى الصَّوت مرة أُخرى. كان هذه المرة أشد وضوحًا..مألوفًا.

"الرَّجاء ربط الأحزمة وإرتداء سترة النجاة!" صوتُ آخر يهتف. فتحتُ عينيَّ وواجهت النافذة.. خلال ثانية لمحت سقوط الطَّائرة السَّريع نحو البحر الأزرق.. كان هناك دخان في أحد المحركات.. يتلاشى مبددًا صفاء السَّماء. أصوات الصُّراخ والذعر من قبل المسافرين باتت شحيحة. كذلك صوتُ المضيفة. لكأنني بتُ في قوقعة تعزلني عنهم. عن كل الجنون الذي يحدث حول الآن.

إقتربت الطائرة من البحر الهادىء. بسُرعة شديدة..وبذات اللحظة بدت بطيئة جدًا كالسُّم الذي يسري في العُروق بهُدوء وبسكينة.

"ليليآن!" صرخ ذلك الصَّوت في ذات اللحظة كانت الطائرة في بطن البحر. ومن خلال النافذة واختفاء السَّماء الزرقاء ليحل محلها البحر.. لمحتُه يقترب نحوي.. يدفعني من جديد للخارج.

"نايل." همست وهو يجذبني خارج الطَّائرة. ملمس يده بدا خيالًا. تلفتُ للخلف حيث الطائرة.. لمحتُ ليام ولمحت نفسي. جسدي الذي يغرق بهُدوء ويداي لم تفلتا يدا ليام الذي كان يعانقني ويكأنه يحميني من ذلك كله.

حينما عدت ببصري نحو المُحيط.. نايل قد اختفى. وبقيتُ أنا في البحر أشاهد موتي.. موت ليام والمسافرين. إقتربت من الطَّائرة.. لتنفجر أمام عينيَّ خلال ثانية.. وحينها. كل شيء قد تلاشى.

. . . .

"ليلي." همس صوتُه العميق المحشرج. فتحتُ عينيَّ لأجد وجهه يتطلع نحوي. رمشتُ بعينيَّ أكثر من مرة. مددتُ يدي لأمررها على وجنته بغير تصديق. إنهُ هنا.. إستدرتُ نحو النافذة لأجدها قد حطت على اليابسة. عدتُ لأنظر إليه.. إنهُ حيّ! الطائرة لم تسقط! لم أمت!

"أنتَ حي." همست وقد أحسست بدموع متيبسة على وجنتيَّ.

"لا بأس. لقد كان مُجرد حُلم." طمأنني وعينيه لم تفارقان خاصتي البُنية. إستطعتُ أن ألمح نزول المُسافرين على المدرج متوجهين للحافلة التي ستقلهم للمطَار.

كانت الطَّائرة تفرغ شيئًا فشيئًا من الرُّكاب. إلا أن تأثير الحُلم فيَّ لم يخفت ولم يتلاشى بعد. السُّقوط. إنحراق المُحرك. البَحر. مناداة نايل. واحتضان ليام لي وانفجار الطَّائرة.

وفي خلال لحظة، جذبتُ ليام في عناق ولم أبالِ بأي شيء.. إستنشقتُ رائحة عطره، رائحة شعره الحُلوة. دفء جسده بين ذراعايَّ. لقد شعرتُ بالخوف من فقده.. من إختفائه كما إنفجار الطَّائرة في أعماق البَحر وكأن شيئًا لم يكُن موجودًا من قبل!

"أنتَ حي." تمتمتُ بها، ليخرج صوتِي منكسرًا. ضعيفًا وخائفًا. شعرت به يحاوط خصري وقد دغدغ شعره نحري.

"لا بأس." همس بنبرة دافئة أعادت لي الأمان.

ألوَان الشَّفق || L.Pحيث تعيش القصص. اكتشف الآن