الفصل الثالث

21.7K 860 11
                                    

لم يكن ادعاؤها الصداع كاذبا ؛فبالفعل شعرت بصداع قوى كاد ان يعميها عن الرؤية عندما اصطدمت به وهى خارجه من عملها امام بوابة المؤسسة ...

كان زوج الماضي يبتسم وهو يقول :" لقد تأخرتى  كثيرا ...انتظرك منذ حوالى الساعة" .

وتقدم من باب سيارته يفتحه ..

افتغر فاهها من الدهشة ،انه يتعامل معها وكانهما اصدقاء  تواعدا على اللقاء ...

لم تستطع ان ترد سوى ان هزت راسها رافضه عرضه ..واستمرت فى  طريقها..

امسك زراعها بهدوء وبوجه جامد لا يحمل اى تعابير،ادخلها السيارة ..ثم ادارها وانطلق ..

كانت تدعو فى سرها ان يكون ذلك حلما وان تصحو قريبا ..
ولكن ليس حلما ..فوجوده الطاغى بالقرب منها واحساسها به دليل على  كونه واقع ..

لم يتحدثا فركزت على الطريق امامها ..يبدو انه يعرف جيدا  عنوان منزلها ..

اوقف السيارة واستدار ليفتح لها الباب كاى رجل مهذب ..كما اعتاد دوما معها ..فهو كان و مازال مثالا للتهذيب ..

خرجت بهدوء،بجسد متعب  انهكته احداث اليوم ..

سار وراؤها ..

كان وجوده فى المصعد اكيدا فلقد ملأت رائحته المميزة انفها وكانها بحاجه الى  شيء لتذكيرها به او بايامهم معا ..

ظل على صمته ..ذاك الصمت الغامض الذى اثار حفيظتها ..سألته :" الى اين انت ذاهب ؟؟"

رد ببساطه :" ساصعد معك "

ردت بعنف :" لا يصح ".

اجاب بهدوء :" انا بحاجه الى ان اتحدث معك ".

اجابت بنفس العنف :" لا يوجد كلام بيننا ...كلامنا انتهى ."

رفع حاجبه باستغراب :" و هل تحدثنا يوما ...حتى عندما اردتى الطلاق رفضتى ان تحدثينى فى  الاسباب ؛بالرغم من كون ذلك حقا لى  عليكى ".

ردت بعنف مكتوم :" من الجيد انك لاحظت اننا لم نتحدث قط ..ولكن ملاحظتك جاءت متأخرة ..الان لا يوجد سبب مقنع حتى  نتحدث".

اجاب بهدوء وهو يفتح باب المصعد ليخرجا :" يوجد اسباب قوية لحديثنا اليوم ..لكن لا يصح كلامنا على السلم ..لندخل حتى  نتحدث".

كان من الواضح اصراره وعدم رغبته فى التراجع ..فلتسمع ما يريد قوله ثم يخرج ليعود  من حيث اتى ..

اخرجت مفاتيحها من حقيبتها وفتحت الباب وادخلته ..جلس بهدوء على المقعد فى  غرفة المعيشة وهو يقلب بصره فى شقتها وكانه يقيمها ولم يبدو متعجلا الحديث..

سالته :" كيف عرفت عنوانى ؟"

رد :" اعرف عنك كل شيء ".
ثم استطرد :" ولكن الغريب ان بابا ابراهيم لا يعلم شيئا عن خطوبتك المزعومة لاحمد بن مراد بك صاحب المؤسسة التى  تعملين بها..ماذا ..هل كنتى  لتتزوجى دون ان تعلمى  اباك؟؟".

فاجأها هجومه ؛ردت بانفعال شديد :" بالطبع لا ..احمد سيقابل ابى قريبا..و...فقط كنت مشغولة الفترة الماضية ".

هز رأسه بعدم اقتناع ..عندها استطردت بسخرية وبشكل فج :" هل من الممكن ان اعرف سر هذة الزيارة الكريمة ؟".

صمت دقائق قبل ان يتحدث بصوت ضعيف :" امى مريضة "

جلست مذهولة ..فاللهجة التى قيلت بها تلك الكلمة  البسيطة لا توحى بان الامر بسيط ..بلعت ريقها بصوت مسموع وهى  تسأل بتخوف :" مريضة..الى اي مدى ؟"

ثم استطردت :" لقد هاتفت ابى من اسبوعان ولم يقل شيئا ".

تذكرت كيف كانت لهجة والدها مختلفة ..وواهنة ..وهى التى  تهربت من السؤال عن اى شيء ..

كيف اصبحت من الجحود الا تسال والدها عما به ..تعرف ان والدها يعشق زوجته والى اى  مدى هو متعلق بها ..

ربما كان ذلك التعلق هو السبب فى اعتقادها بان زواجها من محمود سيكون تكرارا لقصة حب والديهما ..

كان الحب بين والدها وزوجته هو  السبب فى  اعتقادها بوجود القصص الخرافية ..وانها ومحمود سيكونا قصة خرافية جديدة..

رد محمود بصوت مخنوق :" سرطان ".

كانت الكلمة كالسيف الذى غمده فى قلبها ..ظلت تردد الكلمة وكأنها تتاكد منها ..
هز رأسه موافقا ..

سألته :" متى ؟"

اجاب :" منذ اكثر  من شهر ".

هاجمته :"لماذا لم يخبرنى  احد؟"

رد :" لانك لست مهتمه ..لقد اعتبرتى  طلاقك منى طلاقا منهم ايضا..فلم تحاولى  رؤيتهما ..سؤالك عنهما مقتضبا ..تكونى  متعجلة وغير راغبة بان تسمعى لاحد".

كان على  صواب ..
فلقد كانت تخشي ان يتحدثا عنه ..فلا تريد ان تسمع عنه ..
آلمتها صراحته ..
فلا فائدة من الانكار ..

ردت بهدوء:" بالطبع سأزورها".

رد بعنف :" تزوريها ؟؟!! زيارة كالاغراب ..ساعة من الزمن ..لقد قمتى باداء الواجب ".

رفعت راسها وهى  مدهوشة من انفعاله لاول مرة منذ الصباح :"  وماذا ينبغى  علي ان افعل ؟"

رد وكأنها طفل غبى وناكر للجميل :" ان تبقي معها طيلة شهور مرضها ..من المفترض انك ابنتها ."

سالت :" وعملى ؟"

كان عنفه اكبر وهو  يرد :" وهل عملك اهم من امك ..هل تغيرتى  الى  هذا الحد المخيف ..هل نسيتى المراة التى  قامت بتربيتك وكانت لك اما بكل ما تحمل الكلمة ".

اثار  قوله غضبها فقالت مدافعه:" انت تعلم جيدا ماذا تعنى لى  ماما سميحة ."

هز كتفه باستهزاء وهو يقول :" هذا واضح ."
ثم استطرد آمرا :" اطلبى  اجازة مفتوحه من عملك وسأدفع لك راتبك "

"انت تعلم ان المال... ."

قاطعها :" اعلم."

طال الصمت بينهم للحظات بدت كالساعات قطعته هى بسؤالها :" هناك شيئا اخر يا محمود ..هناك امرا اخر تريد  ان تقوله ..هل انا على  صواب ؟"

هز رأسه موافقا ..
فسألته :" وما هو ؟"

تردد..فتعجلته :" قل يا محمود ..اعصابي لم تعد تتحمل ".

رد :" لن يعجبك ما سأقوله "

"قل ...ارجوك"

" امى  تريدنا ان نعود الى بعض ..هل من الصعب تحملى  لبضعة شهور يا ريم ؟؟ لكن انها امى  .امى تحتضر ....هل من الممكن ان تساعدينى ان اسعدها فى اخر ايامها ".

حبيب العمر حيث تعيش القصص. اكتشف الآن