بداية الالم و قليل من الدموع

415 39 2
                                    

بدأت مأساتي على صوت دخول المعلمة بلهفة فصلنا لتبلغني بصوت فزع جرى في كل جسدي أن أمي في المشفى بعد ان عثروا عليها ملقية في احدى الشوارع بسبب اغامئة حصلت لها و أن علي الإسراع إليها......
لم أتمالك نفسي حينها ولم أرى نفسي غير أنني أركض بسرعة ناسية أغراضي على مقعدي اللذي بقى فارغاً وأما عن الطلاب فقد كانوا مستغربين من تصرفي الذي فاجأ جميع من كان هناك او بالاحرى مستغربين من لهفة الكبيرة و كأن حياتي انا من تهدد ..... مرت نصف ساعة خلالها لم أعلم كيف وصلت إلى المشفى اللذي ترقد فيه أمي و كأن دقات قلبي المتسارعة سارعت قدماي معها
ذهبت إلى الإستعلامات كاتبة اسم أمي ليرشدوني إلى غرفة العمليات ذهبت حينها وبسرعة لأجد أن أحداً لم يخرج من هناك مما اجبرني على أن أنتظر وقلبي يحترق من الألم....
مضت ساعة ولم يخرج أحد بعد لأرى الأستاذ راي آتياً نحوي مع هالة ارعبتني و بقوة... بضع ثواني وأصبح أمامي فانخفض قليلاً ليصبح بمستوى وجهي وقال: هل أنتي بخير مينا؟
هززت رأسي إيجاباً مما جعله يقف مستقيماً وعلى ثغره إبتسامة صفراء فجعلتني اشعر مرة أخرى بذلك الشعور السلبي اللذي إنتابني عندما ذهبت معه إلى الفصل لكن لما ينتابني هذا الشعور لما؟؟
نظرت ببرودة نحو باب العمليات ليظهر الطبيب من وراءه قائلا: هل أنتما أقرباء المريضة؟
رد عليه الأستاذ: أنا لا أما هذه الفتاة فهي إبنة تلك المريضة
نظر إلي بحزن حيث لم يعرف كيف يرتب الجملة في رأسه ليوصلها الي بأقل صدمة ممكنة وقال: أمك ليست بخير إنها في حالة خطرة السل اجتاح جسدها سنبقيها الآن في العناية المشددة حتى نراعيها قدر المستطاع
نظرت إليه وقد أغرقت عيناي بالدموع حتى أن قدماي أصبحتا كعود جاف تكسر ملقيا بي على الارض الباردة فماذا عساي أفعل.
شكره الأستاذ
لتعود لي بعض من مقطتفات الفترة الاخيرة
كانت أمي دائمة السعال و تشتكي من ألم رأسها
وحتى عندما اسألها ما بك تجيب بحنان انها مجرد نزلة برد
و اللذي تبين لي أن أمي تكذب
لا أتذكر دقيقة مرت في حياتي أمي كذبت بها
يبدو انها أول مرة
كذبت حتى لا تقلقني
قاطعت ممرضة سرحاني لتخبرني أن علي التوجه كي أدفع الفاتورة
ساعدني الاستاذ على النهوض عن الأرض
وذهبنا لنرى الفاتورة اللتي يجب علينا دفعها حينما ألقيت ناظري عليها إنصدمت لأنه كان مبلغاً كبيراً لم أتوقعه أبداً
نظر نحوي الأستاذ وقال مستغرباً: ما بك هل تفاجأتي من هذا السعر...؟!
هززت رأسي إيجاباً لنذهب أنا وهو حتى نجلس على أحد المقاعد اللتي في الجوار حيث قال لي: إسمعيني مينا سأقدم لك عرضا ممتازا....(قالها بلهجة مرعبة لا اعرف كيف اصفها بكلمات قليلة)
نظرت إليه باستغراب مما يقوله فماذا يقصد بذلك العرض....!
أكمل حديثه بضحكة جانبية دون ان تفارقه هالة الرعب تلك: ما رأيك أن أدفع فاتورة المشفى على أن.....
ابتسم بخبث مكملا
على أن تعملي لدي كفأرة تجارب في معملي...؟!
نظرت إليه نظرات إشمئزاز مما قاله ليس اشمئزازا تحديدا بل هو اشبه بالخوف
اشعرني انه يقول لي بأسلوبه الهادئ انه يطلب الخروج في نزهة
لتدور التساؤلات فيعقلي هل هو مجنون أم ماذا؟! فأر تجارب ومعمل.... ألهذا شعرت بشعور سلبي يخرج منه في المدرسة وهنا..... أبسبب هذا الشيء
.
.
لذلك الآن علي الحذر منه.... بحثت عن حقيبتي لأحضر دفتري اللذي أستعمله في العادة حتى أكتب ما تريد الكلمات قوله لأتذكر أنني نسيت حقيبتي فأجبته بالنفي فوراً....
الكثير من الأفكار تدور في رأسي لا يمكنها الخروج منه وبينما كنت مشغولة في التفكير قال لي والإستهزاء بادٍ في كلامه: حسناً كما تريدين لكن أنا هنا متاح في أي وقت تريدينه لكن إن علم أحد عن هذا العرض أي مخلوق يتنفس على هذا الكوكب ستكونين أنتي و أمك في عداد الموتى
نظرت إليه ولم أفعل شيء غير ذلك بعدها فقط ظللت أفكر بما سأفعله لجني المال.
بقيت في المشفى ذلك اليوم مع أمي و اليأس يرسم خطوطه العريضة على ملامحي.... وبعد تفكير دام طويلاً قررت أن أبحث عن عمل أجني منه بعض المال اللازم لدفعه منذ يوم غد...لكن اليأس كان له رأي اخر حيث من سيوظف فتاة بكماء مثلي
.
.
.
.
في صباح اليوم التالي وقبل ذهابي للمدرسة دق باب الغرفة التي جلست فيها يوم أمس ذهبت لأفتح الباب وإذا به يفتح من تلقاء نفسه حتى أفاجئ بصوت عالٍ يقول: صباح الخير.
نظرت إليه مع الإستغراب والتساؤل يحوم حولي فنظر إلي بدوره ضاحكا باستغراب وصدمة لوجودي أمامه وقال بخجل مرة أخرى: صباح الخير..... آسف على دخولي هكذا.
هززت برأسي موافقة على إعتذاره حينها تذكرته... إنه ذلك الطالب الذي كان يجلس خلفي واللذي بدا شارد الذهن..... وإذ بيد تلوح أمامي تبعدني عن شرودي حيث قال: أتسمعينني.
فتحت عيناي وللحظات كنت سأفتح فمي أيضاً أردف قائلاً بضحكة: هل شردتي.... كنت أقول هذه لك لقد نسيتيها يوم أمس على مقعدك.
نظرت إلى مافي يده وما هي إلا حقيبتي لقد نسيتها مرة أخرى يا إلهي هذا بسبب ما حدث لي فأخذتها وابتعدت عنه بخجل نظر إلي ببعض من الغضب وتحدث قائلاً: لما لم تتكلمي أبداً معي منذ دخولي إلى هنا....؟ أشكريني على الأقل
نظرت إليه ومن ثم أخرجت دفتري لأكتب عليه (أنا مصابة بنزلة برد وشكراً لك على إحضار حقيبتي). اعتقد انه تفهم جيدا ما كتبته على الدفتر بدلاً من الكلام فرد علي: إذاً حسناً سأقول شيئا قبل ذهابي.... اسمي هو زين ساران إذا إحتجتي لشيء أخبريني أنا على أستعداد للمساعدة
ايضا
اكمل كلامه بعد ان اخرج كمامة من حقيبته فتابع كلامه قائلا:ضعي هذه حتى لا تعدي أحدا اخر
وضعها بين يدي ثم لوح لي مكملا كنهاية لحوارنا..... وداعاً.
ذهب ليتركني في حيرة من أمري لم أعتد على ذلك طوال حياتي فماذا أفعل سأتجاهل ما قاله واليوم لن أذهب للمدرسة حتى استطيع العثور على عمل ما مهما كانت صعوبته فهي أمي بالنهاية.... مضيت اليوم بأكمله من مكان لآخر ولم اصل الى اي نتيجة تذكر فقد كان اليأس مصيبا
من ذا الاحمق اللذي يوظف بكماء لا أستطيع التحدث مع أحد لذلك عدت إلى المشفى عند حلول المساء وأنا حزينة جداً لأنني لم أحظى بعمل وما زالت أمي في وضع خطر إلى الآن.... بينما كنت أسير في الردهة اللتي توصلني إلى الغرفة اللتي ترقد بها والدتي سرت قشعريرة بدأت من رأسي لتنتهي إلى أخمص قدماي بعد أن لمحت الأستاذ من بعيد وهو يقف قرب الزجاج يشاهد أمي من خلفه و ابتسامة الشر لم تفارق وجهه
ماذا يريد مني؟! هل هو مصر إلى هذه الدرجة؟! لكن ربما.... ربما أنه توقع أنني لن أستطيع العثور على عمل في هذه الحالة بل حتى أظن انه كان متأكد... بدأ عقلي بالعمل مرة أخرى تساؤلات كثيرة تحوم داخله والخوف يسري في عروقي وأنا أقترب خطوة بخطوة منه إلى أن لاحظني ليبدأ بالسير نحوي مع تلك الإبتسامة نفسها ويقف أمامي قائلا: ماذا قررتي هل تقبلين ذاك العرض أم لا يا صغيرة؟؟
اسلوبه الخبيث هذا
أنه ينوي على الشر حتما
لا اعتقد ان التجارب اللتي يقولها عادية او حتى قانونية
لكن....
لم أعلم ماذا شعرت حينما وافقت على طلبه أنذاك في ذلك اليوم فكل ما كان فيوذهني هي والدتي لا أكثر
الامر اللذي اقلقني انه قد مضى أسبوعين على قبولي العرض ولكن لم نبدأ حينها بتلك التجارب اللتي كان يتحدث عنها طوال الوقت بل كان يكتفي ان ينظر الي في اوقات حصصه حتى يجعل الخوف شعارا لي .
وأيضاً ذاك الشخص الذي يسمى زين في كل فرصة كان يحاول أن يحدثني ويريد أن يسمع صوتي إلى أنه فشل في كل محاولاته ولكنه لم ييأس بعد لذلك أيضاً بدأ بمحاولة أن أتحدث إلى البقية لكني تجاهلتهم جميعاً ولهذا بدأ الطلاب يبتعدون عني ويقولون عني أني معقدة ومتكبرة بسبب عدم كلامي معهم
لم اكن منزعجة ابدا فقد اعتدت على هذه الامور و أعتقدت حينها أنه سييأس لكني كل صباح أراه أمامي فجأة ويبدأ محاولاته من جديد وأنا أحاول أن أجاريه إلى أن يمل يوماً ما مني
لكن ذلك الشعور اللذي يقول لي أنه يخفي شيئا هو الاخر لا يزال ينتابني
لمَ هذه الامور تحدث معي .......
ما زالت أمي في المشفى تصارع الموت بيأس محاول أن أشجعها بالجلوس بقربها وإمساكِ بيدها لكي تشعر بوجودي و تتشجع على العلاج... وعند إنتهاء الأسبوعين فاجأني الأستاذ بقوله: سنبدأ التجارب منذ يوم غد عليكي أن تستعدي....
و دون ان ينسى ابتسامته البلاستيكية المرعبة
حينها بدأت بشعور الخوف والقلق ينتابني وكان ذلك بلا إرادة مني..... مر اليوم ببطئ شديد مع توتر يزداد في كل لحظة تمر إلى أن جاء اليوم الموعود فصطحبني الأستاذ معه بعد إنتهاء الدوام إلى منزله الذي يقطن فيه على أحد أطراف المدينة.
أصبحت أمام باب المختبر او بالاحرى قبو حوله الى معمل .... عندما خطوت داخل المخبر تجمدت أوصالي ولم أستطع السير لما كان يخالجني من شعور بالسوء نظر إلي وقال باستهتار وصراخ: هيا تعالي بسرعة أضعتي نا يكفي من الوقت
دخلنا إلى غرفة التجارب ليجلسني على أحد الكراسي وبدأ بعمله مخرجا شيئا أشبه بملقط وعلى رأسه جهاز صغير وتحدث بخبث: لا تقلقي مينا هذا لن يكون مؤلما.
حدقت فيه للحظات وأخرجت ورقة من حقيبتي التي وضعتها على الأرض لأكتب عليها: عن ماذا ستكون هذه التجارب.؟
ضحك بسخرية من ذاك السؤال وقال: هه إنها معدات لمساعدتكم انتم....
نظرت إليه ولم أفهم ما قاله كيف نحن ومن يشير بكلامه بالضبط
ضحك بهستيرية قبل أن يكمل كلامه قائلاً: ألم تفهمي إنهم أنتم الأشخاص البكم لمساعدتكم على النطق..... وعاد ليضحك مرة أخرى.
أنه مريض نفسي انا متأكدة....
.....
يتبع

إني احبك...لما لا تصدقين؟! حيث تعيش القصص. اكتشف الآن