الفصل الثاني :
الصفحة 05:
نحن بني الإنسان تتراوح حياتنا بين أربعة أيام ! في هذه الأيام الأربعة نعيش ونتمنى ونحيا ثم نموت ، أغلبنا لن يصدق نظريتي الحياتية ولكن للصدق فإن حياتنا الدنيوية هي أقل من أربعة أيام !! لذلك أردت أن أكتب وأنا في نهاية عمري كيف كان يجب أن أعيش تلك الأربعة أيام ...
الصفحة 06/ اليوم الأول :أخرج من قوقعتك
في اليوم الذي تقرر فيه الخروج من قوقعتك ستكون قد قضيت أياما عدة وأنت داخل القوقعة! لا تتعجب فأنا قلت الحياة ماهي إلا أربعة أيام ولم أذكر أبدا عدد الأيام داخل القوقعة. قلي أنت هل الحياة داخل تلك القوقعة تعد حياةً؟؟ وقبل أن أسمع جوابك دعني أخبرك عزيزي القارئ أنني لم أقصد بالحياة غير حريتك المطلقة! ...
*********************************************************************************
منقذي الغامض
23 جويلية/تموز عام 2007
بعد ليلة شاقة شقت الدموع فيها سبيلها إلى عيني تجري على خدي أنهارا وأودية ، صحوت وأنا جالسة على عتبة باب مقهى الحي لم أكن لأعرف ماذا حل بي لولا أن أحداث الأمس عادت لتضرب على بوابات ذكرياتي بقسوة.
عندما دخلت (البازار ) وتوقفت عند بائع الدمى انتبهت للشيخ الذي كان يجلس على أول الدرج المؤدي للطابق الثاني من المحل الكبير ناداني بصوت ذابل '' يا بنيتي اقتربي لو سمحتِ '' اقتربت منه بدوري بحذر شديد كنت مع كل خطوة أتذكر نصائح أمي العديدة عن عدم الوثوق بالغرباء ( ابتعدي ، اهربي ، افعلي أي شيء ولكن لا تقتربي ) لكنني لم أفعل شيئا عدا الاقتراب بقلة حيلة ! قال لي : '' أعينيني يا بنيتي ونادي ابني ليساعدني هنا ، انك ستجدينه في الخارج ينتظر بقرب السيارة ....'' كان يقول كلمات كثيرة لم أجد لها معنى ولكنني مع ذلك خرجت للبحث عن صاحب السترة السوداء والسيارة الضخمة ولم ألبث إلا ووجدت نفسي قد دخلت متاهات أخرى لم أرها بسنواتي القليلة التي عشتها ، أمعقول ؟ هذا الذي عند الباب ينتظر هو موجود على بعد كل هذه المسافات ؟ حاولت العودة ولكن بدون جدوى ، ولنشاط دماغي الزائد ذلك اليوم فإنني قد انتبهت أخيرا أني قد أضعت والدي .. كيف لي بالعودة الآن !
أظنني بعد طول طريق وصلت إلى هذا المقهى وجلست عند بابه ولكن ماهي إلا لحظات حتى رأيت صاحب المقهى مقبلا ليفتتح مقهاه في هذا اليوم الجديد ، كان يبدو وأنه قد اكتسب شحنات سلبية سابقة في منزله أو في طريقه وما وجد كيف يفرغها إلا على تلك الصغيرة التي لا حول لها ولا قوة فحاول ابعادي وصرخ بوجهي حتى امتلأت عيناي دموعا فكأنما دموعي هذه أثرت فيه أكثر مما فعلت في ولكن .. تأثيرا سلبيا لم اكن أريده !وجعلته يمسك بذراعي ويرميني أرضا وهو يصرخ ويتذمر ، أمسك ذراعي ورماني أرضا !! لا لم يفعل ذلك بل خيل لي أنه فعل .. طبعا هي مشيئة الرب أن هذا الشاب قد استسلم لرغبة إنسانية جامحة في داخله لمساعدة صغيرة مظلومة فأمسك باليد الباطشة وأبعدها عني قائلا لصاحب المقهى وهو يحرك رأسه يمينة ويسرة : '' يا أخانا ليست هذه الطريقة المثلى لتعامل بها زبائنك .. العمال الناجحين هم أصحاب المعاملة الناجحة '' ثم اقترب مني ومد كفه إلي.
يا لها من صدفة غريبة ، قدر جميل رغم ما تعرضت له حينها .. أحيانا لا تشعر بطعم اللحظة إلا عندما تصبح مجرد جزء من خلايا الذاكرة .. وأحيانا نلوم القدر لأننا ذوي حظ سيء في الحياة ولكن في حقيقة الامر فإنه على العكس تماما ، نحيا ونموت في كل يوم ونحن لا ندرك مقدار قيمة اليوم الذي نعيشه وقيمة اللحظة التي نستسلم لها بجوارحنا كرها .
خفت كثيرا من ذلك الشاب الذي قدم المساعدة إلي في أول الأمر ولكنني سرعان ما تشبثت بحبل النجاة الذي أنقذني من القاع حينما رفعني عن الأرض وقال : '' هل نذهب إلى مقهى آخر ؟ ها ما رأيك ؟ '' نظرت إليه نظرات غريبة بدون أي كلمة فابتسم وقال: '' أنا اسمي مروان، مروان جمال الدين. وأنتِ ما اسمك؟ '' قلت بعفوية : '' جميلة عبد .. العزيز! '' قال :'' اسم على مسمى يا جميلة '' . أخذني إلى مقهى آخر وغريب تمام عن الذي اعتدت رؤيته في حيي ، وجدتني بعد ليلة كاملة خارج المنزل أبتعد شيئا فشيئا عن طريق منزلي ! كيف سأعود الآن .. ؟ أجلسني على مقعدي عند واحدة من الطاولات المستديرة ثم أخرج دفترا صغيرا من حقيبة ضهره الكبيرة التي كانت تبدو مليئة بالملابس والأغراض ، إنها بلا شك حقيبة شخص مسافر أو عاد منذ قليل من السفر .
- إذن يا جميلة كيف حالك ؟ .
كنت قد شردت في خطواته وفي قلمه الذي يتحرك بطريقة مميزة ، كنت أتساءل ما الذي يكتبه فعندما لاحظ ذلك سألني فأجبته بدون أن أبعد عيني عن دفتره الذي ما يزال يكتب عليه :
- ما الذي تكتبه؟ ألست كبيرا بما يكفي حتى تنتهي واجباتك المنزلية الآن؟
ضحك وهو يرفع عينيه إلي وقال:
- الواجبات المنزلية لا تنته أبدا، إنها مملة أليست كذلك؟ ولكنها مع ذلك تبعدك عن الملل!
- ماذا؟
- إنه دفتر مذكرات يا جميلة لا غير .
- مذكرات ؟
بدا سؤالي غريبا بالنسبة اليه ومن جهة أخرى بدا له محمسا فاعتدل في جلسته وأغلق دفتره وقال:
- اممممممم أظننا نحن بني الانسان ننسى بسرعة لذلك نضطر لاستعمال الكاميرا لإبقاء اللحظة خالدة كما أننا في المذكرات نفعل الشيء ذاته ، نبقي ذكرياتنا وأفكارنا خالدة بشرط واحد ... !
- و .. ماهو ؟
- إنه الاستمتاع باللحظة ذاتها في الوقت ذاته الذي تعيشينها فيه ، قد لا تكون المذكرات إلا مجرد رأس خيط يأخذنا للحقيقة والواقع .
- وهل يمكن للصغار أن يمتلكوا مذكرات ؟
- اممممممم وما رأيك أنتِ ؟
- رأيي ؟ حسنا ، مثلكم أليس كذلك ؟
ضحك مجددا وهو يقول : '' حسنا إذن ، رأيك جميل كاسمك ''
اعتلت وجهي حمرة غريبة ، إنها من الخجل .
أذكر أن منقذي الغامض ذاك كان مسكينا ! لأنه تأخر في معرفته لأمر ، وهو انني لم أكن متشردة بل كنت ضائعة !! لقد كان من الغريب أن أبات ثلاث ليال بعيدة عن منزلي وأنا حتى لم أفكر في الذهاب إلى الشرطة ، لا أنا وجدت أسرتي ولا هم وجدوني !
آه صحيح ، الثاني والعشرون من جويلية 2007 كان هو اليوم الذي امتلكت فيه أول دفتر مذكرات في حياتي .. دفتري الصغير المزركش ! منقذي الغامض هو من اشتراه ...
أنت تقرأ
ذات
Não Ficçãoحياتي المملة الرتيبة ومسيرتها العادية لا تستحق أبدا أن أرفع قلمي وأخط كلماتي تبجيلا لها ، فهي لا تختلف كثيرا عن سيرة طفلة بعمر الست سنوات ! لم تخض بعد في قصص العظماء ولم تعترف يوما بالقمة التي وعدوها بها عند صعود الجبال !! السيرة الذاتية تستحق...