الفصل السادس : مواجهة

114 15 6
                                    

عندما تعذبك الحياة وتسرق منك أغلى ما تملك ؛ تسرق كل لحظات الفرح الزاهية من حياتك ؛ تخطف كل البسمات الزهرية اليانعة منك ؛  تقتل كل ما هو جميل فيك . و تترك لك المعاناة سكينا يقطع قلبك المشتت ، و الألم يصوب نباله القاتلة نحو  كبدك المحطم ،  و الكآبة تغرس أنيابها وبراثنها السامة في كل ركن من روحك الدامية . عندما تريك الحياة أسوء ما فيها و تضعك أمام أصعب التحديات ، و تتركك تصارع أكبر مخاوفك وجها لوجه . فلا تظهر الخوف أبدا ،او الضعف  ، قاتل من أجل كل ما اغتصب منك . دافع عن كل ما أخذته الحياة . ناضل من أجل كل حلم سعيت بكل قواك لتحقيقه . فلا مجال هناك للتردد  ، فاما أن تفوز ، أو يقضى عليك وعلى كل من احببت . لا مجال للتهاون عندما تشمر الحياة عن اكمامها و تنزل لمبارزتك . لا مجال للخسارة عندما تضيق الحياة خناقها عليك و تختبر قدرتك على التحمل . هاجم و لا تستلم ، انهض بعد كل سقطة و دافع . فلا بد أن ينتهي كل ذلك في لحظة ما . لا بد أن تتوقف المعاناة يوما . وتذكر جيدا ما سأقول : فبعد الظلام الحالك هناك دوما فجر جديد حالم يبتسم خلف الأفق الداكنة و يحرق مملكة السواد.

جالسا على الكرسي و  رأسي يطن بملايين الاسئلة المرهقة ، كنت أحاول أن أعد نفسي من أجل المواجهة الحاسمة . أحاول أن أقنع الطفل بداخلي أنه ربما قد حان الوقت لأتخلص من كل ما يعذبني ، ربما قد أتى الوقت الذي أمزق فيه الحبال التي لا تزال تعانق الطائر  في  ، ربما هذا هو وقت نبش قبر الذكريات  لعلها تتركني و ترحل بعد كل هذه السنين.

لم يكن يفصلنا سوى باب ،و آلاف الأسئلة ، و الأوقات المندثرة ، و الجراح التي لم تلتئم بعد . خلف هذا الجدار المنيع يجلس منتظرا دخولي . فبعد أن حاول العقيد استجاوبه بشتى  الطرق لم ينطق بحرف واحد .كان يرفض الحديث إلى الجميع ، باستثنائي، أخبرهم انه لن يتحدث إلا إذا حضرت .  كان   يريدني أن أستجوبه بنفسي ، كان يريدني أن أنفجر أمامه ، كان يرغب في أن أفرغ ما بداخلي لعل الصفح يعرف طريقه إلى قلبي . لكنه لا يدرك حجم الكره الذي أحمله له، لا يدري أنني لن أسامحه على ما فعل .أنا لن أدخل تلك الغرفة إلا لأبحث عن أجوبة لأسئلتي ، لا لكي أصفح عنه .

استجمعت شتات نفسي ، ونهضت . لقد اتخذت قراري ؛ آن أوان مواجهة الماضي بكل مخاوفه . اقتربت من الباب وفتحته ، لم يكن أحد بالغرفة غيره ، كان يبتسم بعذوبة و هو يراقبني وأنا أجلس أمامه . دام الصمت بيننا طويلا  ، ليكسره قائلا :

-" بني ! كم كبرت ! لقد صرت رجلا الآن "

-" بني ؟! بني !! بعد كل ما فعلت لي صرت ابنك الآن ! أ تعتقد أنني سأسامحك إبراهيم   على كل تصرفاتك ؟! أنت مخطئ.  ما قمت به لا يغتفر "

-" أنا  اعرف حجم الآلام التي سببتها لك . لكنني تغيرت الآن صرت شخصا آخر ، أ لا تعطيني فرصة ثانية أعوض فيها ما فات ؟"

-" فرصة ثانية ؟! الآن تسأل عن فرصة ثانية ! أتدري ، كل يوم قضيته تحت رعايتك كان فرصة ثانية لك . فرصة كي تصلح أخطاءك ، لكنك كنت تخذلني في كل مرة و تنحدر إلى الأسوء . و يوم اكتفيت منك رحلت . استدرت للماضي وذهبت ، و تبنتي أسرة أخرى عاملتني بحنان كان من المفروض أن يكون حنانك ،و أحسست معها بطعم الأمان الذي لم أذقه رفقتك . أنت ليست لديك أدنى فكرة عن الألام التي تنغل في صدري ، لذا لا تتحدث عنها و لا تسأل عن أي فرصة بعد الآن "

حبال واهية حيث تعيش القصص. اكتشف الآن