عندما تعذبك الحياة وتسرق منك أغلى ما تملك ؛ تسرق كل لحظات الفرح الزاهية من حياتك ؛ تخطف كل البسمات الزهرية اليانعة منك ؛ تقتل كل ما هو جميل فيك . و تترك لك المعاناة سكينا يقطع قلبك المشتت ، و الألم يصوب نباله القاتلة نحو كبدك المحطم ، و الكآبة تغرس أنيابها وبراثنها السامة في كل ركن من روحك الدامية . عندما تريك الحياة أسوء ما فيها و تضعك أمام أصعب التحديات ، و تتركك تصارع أكبر مخاوفك وجها لوجه . فلا تظهر الخوف أبدا ،او الضعف ، قاتل من أجل كل ما اغتصب منك . دافع عن كل ما أخذته الحياة . ناضل من أجل كل حلم سعيت بكل قواك لتحقيقه . فلا مجال هناك للتردد ، فاما أن تفوز ، أو يقضى عليك وعلى كل من احببت . لا مجال للتهاون عندما تشمر الحياة عن اكمامها و تنزل لمبارزتك . لا مجال للخسارة عندما تضيق الحياة خناقها عليك و تختبر قدرتك على التحمل . هاجم و لا تستلم ، انهض بعد كل سقطة و دافع . فلا بد أن ينتهي كل ذلك في لحظة ما . لا بد أن تتوقف المعاناة يوما . وتذكر جيدا ما سأقول : فبعد الظلام الحالك هناك دوما فجر جديد حالم يبتسم خلف الأفق الداكنة و يحرق مملكة السواد.
جالسا على الكرسي و رأسي يطن بملايين الاسئلة المرهقة ، كنت أحاول أن أعد نفسي من أجل المواجهة الحاسمة . أحاول أن أقنع الطفل بداخلي أنه ربما قد حان الوقت لأتخلص من كل ما يعذبني ، ربما قد أتى الوقت الذي أمزق فيه الحبال التي لا تزال تعانق الطائر في ، ربما هذا هو وقت نبش قبر الذكريات لعلها تتركني و ترحل بعد كل هذه السنين.
لم يكن يفصلنا سوى باب ،و آلاف الأسئلة ، و الأوقات المندثرة ، و الجراح التي لم تلتئم بعد . خلف هذا الجدار المنيع يجلس منتظرا دخولي . فبعد أن حاول العقيد استجاوبه بشتى الطرق لم ينطق بحرف واحد .كان يرفض الحديث إلى الجميع ، باستثنائي، أخبرهم انه لن يتحدث إلا إذا حضرت . كان يريدني أن أستجوبه بنفسي ، كان يريدني أن أنفجر أمامه ، كان يرغب في أن أفرغ ما بداخلي لعل الصفح يعرف طريقه إلى قلبي . لكنه لا يدرك حجم الكره الذي أحمله له، لا يدري أنني لن أسامحه على ما فعل .أنا لن أدخل تلك الغرفة إلا لأبحث عن أجوبة لأسئلتي ، لا لكي أصفح عنه .
استجمعت شتات نفسي ، ونهضت . لقد اتخذت قراري ؛ آن أوان مواجهة الماضي بكل مخاوفه . اقتربت من الباب وفتحته ، لم يكن أحد بالغرفة غيره ، كان يبتسم بعذوبة و هو يراقبني وأنا أجلس أمامه . دام الصمت بيننا طويلا ، ليكسره قائلا :
-" بني ! كم كبرت ! لقد صرت رجلا الآن "
-" بني ؟! بني !! بعد كل ما فعلت لي صرت ابنك الآن ! أ تعتقد أنني سأسامحك إبراهيم على كل تصرفاتك ؟! أنت مخطئ. ما قمت به لا يغتفر "
-" أنا اعرف حجم الآلام التي سببتها لك . لكنني تغيرت الآن صرت شخصا آخر ، أ لا تعطيني فرصة ثانية أعوض فيها ما فات ؟"
-" فرصة ثانية ؟! الآن تسأل عن فرصة ثانية ! أتدري ، كل يوم قضيته تحت رعايتك كان فرصة ثانية لك . فرصة كي تصلح أخطاءك ، لكنك كنت تخذلني في كل مرة و تنحدر إلى الأسوء . و يوم اكتفيت منك رحلت . استدرت للماضي وذهبت ، و تبنتي أسرة أخرى عاملتني بحنان كان من المفروض أن يكون حنانك ،و أحسست معها بطعم الأمان الذي لم أذقه رفقتك . أنت ليست لديك أدنى فكرة عن الألام التي تنغل في صدري ، لذا لا تتحدث عنها و لا تسأل عن أي فرصة بعد الآن "
أنت تقرأ
حبال واهية
Short Storyعندما التقت أعيننا لأول مرة منذ سنوات ، تجمد الزمن بنا ، و توقف الكون عن الحركة ،و اختفت الأشياء من حولنا . لم أستطع أن أمنع نفسي من التحديق والإبحار في المحيط العسلي لعينيه ،و اكتشاف اسرارهما التي حيرتني و أرقتني لسنين. كان كالكتاب المفتوح تسهل قرا...