الفصل السابع : حينما تعود الابتسامة

146 14 1
                                    

كنت أجلس على الكنبة في جو عائلي حميم بين أبوي سارة  و باسم ، الدفء كان ينبعث شعاعا فرحا من بين نظراتنا ليراقص روحي الباردة من أثر السنين و جور الليالي الموحشة ، و الضحكات كانت ترسل في أوصالي رعشات سرور و محبة . كنت سعيدا بينهما ؛ فهما الشخصان الوحيدان اللذان آمنا ببراءتي منذ البداية دون الحاجة لدليل أو سلاح أشهره في  وجهيهما ، و هما الوحيدان اللذان أحس بينهما بحب العائلة وحنانها .و رغم أنني ابنهما بالتبني إلا   أنهما ملجئي واسرتي التي تحميني ، و الصدر الذي ألوذ به عندما يشتد بي الألم.

كنا الآن نتحدث و نضحك حول مواضيع مختلفة، لا تمت بأي صلة لما حدث معي ، كانا يحاولان أن يحسنا مزاجي و يبعداني عن الجو المأساوي للوقائع الاخيرة و ذلك حرسا منهما على مشاعري المغتالة منذ زمن . كانا يعلمان بكل ما وقع لي فقد أخبرتها بتفاصيل الأحداث بعد اللقاء العائلي الدافئ عند البوابة الذي ذرفت فيه الدموع قربانا للسعادة ، و تعظيما لبهجة الإلتئام بعد فراق السجن . لقد كانا و لا يزالان  يحترماني خصوصياتي ويقدران مشاعري وهذا ما أحب فيهما ، لكن كنت أريد أن أستشيرهما في موضوع يؤرقني منذ أن غادرت بوابة السجن . تنحنحت ، فالتفتا إلي واختفت البسمة من على وجوهيهما وحلت محلها نظرات الإهتمام والقلق . تنفست بعمق ثم سألتهما :

-" أمي أبي، أنتما تعلمان أنني قابلت ابراهيم اليوم في السجن وتحدثت معه . لقد تغير كثيرا و أصبح شخصا آخر . و قد سأل مغقرتي عن كل ما فعل مرات ومرات .أ تظنان أنه يجدر بي الصفح عنه ؟ "
نظرا إلى بعضهما البعض لثوان ، ثم ابتسمت سارة وهي تقول لي بحنان :
-" بني ، افعل ما بدا لك . بامكانك أن تصفح عنه ،إذا أردت ، فأنت تعلم أن الزمن كفيل بتغير الشخص و شفاء الجراح في القلوب . إذا سامحته ستكسب قلبا وحياة افضل . ستكسب  راحتك أنت ، الإنتقام لن يجلب لك إلا الويلات . و إذا فعلت ،بني ، ثق أن كل مخاوفك ستتلاشى. لكن القرار يبقى لك . ومهما كان قرارك سنساندك فيه . أ ليس كذلك باسم ؟ "
-"طبعا ، بني . نحن دوما بجانبك مهما حصل "

ابتسمت لهما بخفة والتعب واضح على ملامحي،  كنت مرهقا بعد هذا اليوم الطويل ، ولم أكن أريد أن أفكر في أبي الان ، فالنوم قد بدأ يثقل جفني  لكنني كنت أحاول مقاومته و لا أنجح ، حينها باغثني صوت سارة ، بعد أن نمت جزئيا على الكنبة ، و هي تتحدث بصوت عال قرب رأسي :
-"سراج ،استيقظ! لقد غفوت على الكنبة ، اصعد إلى غرفتك "

نهضت متثاقلا و صعدت الدرج وأنا أتأرجح ، و عندما وصلت إلى الغرفة ارتميت على السرير و غرقت في نوم لذيذ وعميق ،سرعان ما حملني إلى أرض الاحلام . فالوسن سلطان ، قهر كل الملوك و الممالك ، ولم يستطع أحد غلبه .

مر أسبوع وأنا لا زلت  مختبئا لا أغادر البيت. لم يردني فيه أي اتصال من العقيد أو حتى رسالة تخبرني بما حدث . لذا لم أكن أدري ما أفعل أو كيف أتصرف ،و  بصراحة فقد بدأ يتملكني القلق مما قد يحدث . و غرقت في أفكار مؤلمة و أنا أتصور المستقبل . ماذا سأفعل إذا لم يستطيعوا القبض على العصابة ؟ هل ستلاحيقني "سيبا "حينها ؟ هل ستحاول قتلي و قتل من أحب ؟ ام تستقطبني معهم ؟ ام تلفق لي تهمة أخرى ؟و ماذا سيكون مصيري حينها ؟ هل سأستطيع اتباث براءتي ، مجددا ؟ استطاع الهلع ان يحكم قبضته حولي ، و الخوف من المجهول كان يتسلق قلبي ببطء و يلف حباله المؤلمة  حوله ، ويغرس فيه براثنه السامة  ، لكنها كانت حبالا واهية ، وبراثن سهلة الكسر ؛ اذ اختفت كلها إثر صوت رنين الهاتف قربي معلنا أن هناك من يتصل بي . حملته بكل شوق ، و لأول مرة في حياتي ، تطابق توقعاتي الواقع ، إذ أن المتصل كان الشخص الذي انتظرت مكالمته بشوق طوال هذه الأيام المنصرمة.

حبال واهية حيث تعيش القصص. اكتشف الآن