#1# مقدمة .

5.4K 261 119
                                    

في غرب مدينة نيوكاسل الإنجليزية، أمام بيت عتيق و حديث الحلة، تقف أمامه بعيون جامدة و كأنها تحفظ معالمه لحظة فراقه، سمعت صوت عائلتها و هي تناديها للذهاب و مفارقة هذا العش الذي كان له شرف احتضان طفولتها.
متكئة بصمت على تلك النافذة، بعيدة كل البعد عن الأحاديث المتداولة في السيارة حتى جذبتها كلمات أمها و هي تقول: لا ضرر في الإنتقال فلقد أخبرني والدكم بأن له منزلا بأحد الضواحي أشد رقاء من القديم.......
التوت شفتي تلك الفتاة بابتسامة ساخرة لتقول بهمس: لقد أفلس زوجك حضرة الأم الجليلة و لولا إرث والده لأصبحتي كالمتسولين الذين لاطالما نهرتهم و استحقرتهم بأفعالك.

اختفت ملامح المنازل و حيوية المدينة تدريجيا مع طول المسار لتتبدد و يحل مكانها أشجار الصنوبر المغلفة بذلك الغطاء الناصع و الذي يسمى الثلج، أصدروا أخواتها عدة أصوات متذمرة من طبيعة المكان الذي سيقيمون فيه نظرا للجو الريفي الذي يتخلله.
توقفت السيارة أمام منزل ضخم متباين الألوان تعددت و امتزجت لتعطي بتجانسها صورة هذا العمران البهي و الجميل للقلب قبل العين.
تسابق الإخوة فيما بينهم لأخذ أغراضهم و التي كانت تسع لأمة نامية نظرا لعددهم الكبير، فقد كانت العائلة تتكون من ثلاثة فتيات و خمس ذكور، لو رأيتهم مجتمعين لكذبت أنهم من نفس الرحم، فلكل فرد منهم عاداته و تقاليده، هواياته و اهتماماته، حتى سيمات وجههم اختلفت و تعددت و هذا لكون والداهم من أصل مختلف ،فالوالد مندرج من عائلة أوروبية عريقة أما الوالدة فتتميز بجذورها اللاتينية و هذا ما أعطى ذلك الخليط الغير متجانس.

ربعت ذراعيها حول صدرها بضجر تاركة المجال لعينيها البنيتين بتأمل حرب الثيران التي تحدث أمامها و كل ذلك من أجل قطعة من القماش، فما إن فرغت الساحة حتى أذنت لساقيها بالتوجه لصندوق السيارة آخذة منه حقيبتها الوحيدة و المتواضعة، أسرعت نحو الداخل هروبا من الصقيع طمعا باستقبال الدفء لتتلقى كرة استوطنت بين حاجبيها ،لم تتغير حالتها الخارجية كثيرا فلعل التعود قد لعب دورا في ذلك لذلك أخذت الكرة من جديد و قذفتها نحو ذلك الصعلوك البالغ العاشرة من عمره و ترميه بها أرضا. ابتسمت بدون تصديق لعلو ضحكات ذلك الأخير بعد تلقيه تلك الضربة المبرحة لتعلن رسميا جنون أفراد عائلتها.

بعد تعاونهم في إدخال كل الأغراض و الأثاث و غيرها تربعوا أعلى تلك الأرائك في غرفة الجلوس ليصدح صوت والدهم يخطب كالحاكم وسط رعيته قائلا :كما تعلمون كان موضوع انتقالنا لأسباب من شأنها البحث عن الأفضل و.......
لتقاطعه فتاة تألقت بشعرها الحالك قائلة بنبرة متحمسة: أتركنا من كل ذلك و انتقل للأهم...
حمحم الوالد من جديد ليردف: إذن بشأن توزيع الغرف ف......
و ثانية اختفى الجمع تاركين خلفهم أب و زوجته مبتسمين من تصرفات أبنائهم إضافة لتلك الشابة الضجرة، توسدت تلك الأريكة الريشية منتظرة انتهاء معركة القرن لنيل لقب الغرفة الأفضل، ساعة ساعتان و الصراخ في أوجه ليتلاشى أخيرا مسببا في قيام تلك الفتاة صاعدة الأدراج بخطوات هادئة، لم تتعب نفسها بالبحث عن غرفة لها، فلو انشقت السماء و الأرض لو ابتاعت تعويضة الحظ الجيد من أمهر السحرة ما نالت غرف خاصة لها، لذلك بدأت بفتح الأبواب الواحد تلو الآخر بحثا عن شريك سكن جيد أو بالأصح بحثا عن مسبب مشاكل أقل لا يهدد من سكينة و هدوء جوها و استراحتها، و أخيرا استطاعت العثور على أخيها الأصغر ذو الثامنة، قد يندهش البعض كيف لغر مثله نيل غرفة شخصية تحت إسمه في خضم نزاع الكبار ببساطة صرخة خافتة منه كفيلة بتحريض الوحش الذي يسكن حضرة المدام أمي.

Danger?!حيث تعيش القصص. اكتشف الآن