خائنة

42.1K 1K 109
                                    

"ماذا هناك، ينال؟"

تحدث إياد وهو يخطو خارج عتبة المنزل، طغت مشاعر القلق على صوته عندما وردته عبارة ينال القلقة:
"إياد، أريدك أن تأتي حالاً إلى المكتب. لقد افتعلت مصيبة."

تجلى القلق على وجه إياد، حيث عقد حاجبيه وشعر قلبه يقرع كطبول الحرب. تساءل ملياً:
"ما الأمر؟ تحدث."

ابتلع ريقه كأن كلماته عالقة في حنجرته، وأجاب بصوت خافت:
"عندما تأتي سأحدثك بكل شيء. أنا منتظرك في مكتبك."

أنهى إياد المكالمة وعقله مشغول بالأفكار.
كان عازماً على عدم ترك حياة تفلت من قبضته، أوصى الحراس بصرامة أن لا يدعوا لها أي منفذ للهروب. كان عقابه لهم ينتظر، لكن في تلك اللحظة لم يكن لديه متسع من الوقت للتفكير، فصديقه كان في محنة، ومن واجبه الوقوف بجانبه. أما عقاب الحراس وأمر حياة، فسينتظر.
في لمح البصر، وصل إياد إلى الشركة، وهرع كالسهم نحو مكتبه، تحت وقع نظرات الموظفين المتعجبة. بعضهم ألقى عليه التحية، لكن لم يكن شيئاً من ذلك يعنيه، فكل ما يشغل باله كان ينال. دفع باب المكتب ووجد صديقه جالساً، يضع كلتا يديه على رأسه، ساكناً كالتمثال، جامد الملامح، لا يدل على أي انفعال. اقترب منه إياد وكأنه يحاول استدراجه من عالمه البائس، وجلس بجانبه، واضعاً يده بحنان على كتفه:

"ما الأمر، ينال؟ ماذا حدث؟"

التفت ينال إليه، عينيه تشعان بالانكسار، صوته متصدع وكأن كل كلمة يقوله تمزق قلبه:
"لقد كانت عنده في المنزل، يا إياد."

تعجب إياد من تلك الحالة التي ينضح بها صديقه، متساءلاً بحيرة:
"من التي كانت في منزل من؟ لم أفهمك."

تحدث ينال بنبرة تتسم بالضعف، وكأن قلبه المثقل بالبكاء يخرج من حنجرته:
"سلام."

انهمرت دمعتان بريئتان من عينيه، وكأنهما نهر من الألم الذي اكتفى بصبّ نفسه في أعماق قلبه. قال بنبرة متوجعة:
"لحقت بها، ورأيتها تدخل إلى منزله. وكان يقول لها 'حبيبتي، مطيعة وتحبني جداً'. لقد خانت قلبي يا إياد، لم أعد أريدها أبداً. لا أريد رؤيتها، إنها خائنة وحقيرة. شتمتها وهزأتها عندما التقيت بها في المبنى، ومن بعد ذلك تركتها ومشيت."

كان إياد صامتاً، يستمع له بعناية تفوق الوصف، داخله صراع بين التعاطف مع صديقه وبين الإدراك أن انفعاله قد يكون قاصراً. رأى فيه الأحمق الذي لم يمنح سلام الفرصة لتبرير اختياراتها. تنهد بعمق، وكأنما يحاول أن يستنشق شيئاً من الهدوء، ثم قال بصوت مليء بالحكمة:

"أنت مخطئ في تصرفك. كيف يمكنك شتمها بينما لا تعرف ما حدث معها؟ كان يجب عليك أن تعطيها الفرصة لتسرد قصة جرحها، ومن ثم تحكم عليها. الأمور ليست دائماً بالسطحية التي نراها."

استمر الحديث بينهما، كعاصفة تدور في دوامة من المشاعر المتناقضة، في حين أن كل كلمة كانت لها وقعها، وكل دمعة كانت تحمل قصة. في تلك اللحظة، استشعر إياد أن محادثتهما كانت بوابة لعالم معقد من الألم والخداع، وأن الصداقة الحقيقية تكون في الاستماع، والتفهم، والمزيد من التسامح.

أحببت معذبي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن