رفض مستمر

37.7K 1K 99
                                    

كانت حياة تتأمل إياد بعينيها المملوءتين بالخوف والضعف، أحسّت أنها في مأزقٍ خانق، كأنها قد وضعت في زنزانةٍ لا مفر منها. كلما فكرت في قراره وعقابه اللعين، كان قلبها يختلج كأنه يوشك على الموت، فقد أصبحت الآن زوجته، وهذا يعني أنها ستظل مقيدة به إلى الأبد.
تأملها إياد بابتسامة جانبية مرسومة على ثغره، وكان يحاول تجسيد الحب الذي يكنه لها، رغم أنه كان يدرك عمق خوفها وضعفها. أراد أن يثبت لها أنه سيكون درعاً واقياً، لا يتيح لها الندم على خيارها. في أعماقه، كانت لديه نوايا طيبة بأن يجعل منها أجمل أسعد على وجه الأرض.
"أعطني فرصة واحدة فقط، وسأثبت لك أنني أستطيع أن أجعل حياتنا ملونة بالحب والسعادة."

سمع صوتها الخافت الذي يشبه همسات الرياح، جاءته كدعوة للحزن:
"أريد أن أذهب إلى غرفتي."

ابتسم لها ابتسامة عريضة أشبه بشعاع نورٍ يتسلل عبر الظلمات، ليقول:
"لا، عزيزتي، من الآن فصاعداً، ستصبح غرفتنا واحدة. اتفقنا؟"

تسمرت عيناها في ذهول، واختل توازنها. ابتلعت ريقها بصعوبة، وكادت أن تتحدث، لكن صوته استبق لحظتها:
"حبيبتي حياة، ستكون حياتنا جميلة جداً. فقط امنحيني فرصة لأعبر لك عن حبي. سنكون معاً حتى النهاية، ولن نفترق أبداً. صدقيني، أريد أن أسعدكِ مدى الحياة."

تطلعت إليه بحزم، واستشعرت بعض الصدق بين كلماته. في أعماقها، كانت تعارض الفكرة برمتها؛ لا تريده، ولا تريد الحياة معه، لكن حبل الطاعة كان مشدوداً حول عنقها، يجبرها على الاستسلام. تنهدت عميقاً وخرجت الكلمات من بين شفتيها بجمودٍ يأمل التحدي:
"لقد تزوجتني رغماً عني، لكن هذا لا يعني أن تقنع نفسك بأنني سأكون زوجتك. اعتبر هذا الزواج صفقة عمل أو عقاب كما تشاء، فالأمر لا يعنيني. سأفعل كل ما في وسعي للتخلص منك."

صُدم إياد من قسوة كلماتها، التي بدت كالرصاصات التي تنغرس في قلبه. لأول مرة، شهد لؤمها وحدتها في خط التحدي. نظر إليها ببرود وجمود، وفجأة ارتسمت على وجهه سخرية مُرّة وهو يُجيب:
"هل تظنين أنكِ ستتخلصين مني حقاً؟"

ابتسمت بسخرية، مدعومة بإرادتها الصلبة:
"لا أظن، أنا متأكدة."

حرك رأسه بإيجابية، والثبات لا يزال يكسو عينيه، ثم بلل شفتيه قبل أن يأخذ نفساً عميقاً. نظر إليها مجدداً، وانطلقت كلماته كأنها صخرة تسقط في فم ظلام: "ابتعادكِ عني يعني نهاية حياتك. لن تخرجي من هنا إلا على قبرك، هل تفهمين؟"

أجابته بتحدٍ جلي، مع قليلٍ من الحزن الذي حاولت إخفاءه:
"لقد تزوجنا، ولكن لا يعني هذا أن تعتبرني زوجتك فعلاً و..."

قاطعها قبل أن تنهي جملتها:
"ونكون كأي زوجين حقيقين صحيح؟"

توجهت نظراتها نحو الأرض، خجلاً من الاندماج في تلك الفكرة، وتأججت وجنتاها. ترددت قليلاً لكن حركة رأسها جاءت موافقة. أردف إياد متفهماً: "حسناً، لن أقترب منكِ حتى تكوني مستعدة، ولن أجبركِ على شيء، اطمئني."

أحببت معذبي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن