الفصل السادس : الساحِرة البَيضاء.

174 15 164
                                    

جُدرانٌ مُهتَرِئة مِن حَجَرِ البوكِ يَتشبثُ بِها بضعُ شمعدانٍ يجاهدُ لتحويلِ و َلو جزء صغيرٍ منَ العتمةِ ضياءً... و رغمَ ذلكَ لا تزالُ هي المهيمنُ.

رطوبةٌ فظيعة فَتَكَت بالجوِ حَتى أمسى السقفُ يمطرُ قطراتِ الندى المتشبثةَ بهِ بيأسٍ لألا تسقط.

و غرفةٌ ضُجعَ بابُها بالقضبانِ المعدنيةِ لَم تحتوي فيها سوى كرسيٍ منَ الخشبِ و سريرٌ قديم.

قَد يُخيلُ لكَ أنّ الوقتَ ليلًا.. لا عجبَ فالظلامُ سيدُ المكان... لَكن مَن يعلمُ إن كانَ كذلكَ حقًا أم لَم يكن، فهنا يستمرُ الغيهبُ طوالَ ساعاتِ اليومِ الأربعِ و العشرين.

فإن عدنا إلى تلكَ الغرفة... نجدُ امرأةً جلست على السريرِ ترمقُ الخلاءِ بعينيها الياقوتيتينِ و يبرقُ في نظراتها الفارغةِ شعاعًا منَ الحنين.

بالطبعِ هي لَم تَمتلك قطعًا مظهرًا تراهُ كُل يوم... رُبما لَيسَ هُناكَ أحدٌ غيرها في كُلِ هذا العالمِ بشعرٍ أبيضَ كبياض الثلج حتى إنهُ يكادُ يشعُ وسطَ الظلام ؛ عينانِ كالياقوتِ و بشرةٌ شاحبة البياض.. أو ربما يوجد.

هي تسترجعُ مِن ذكرياتها لقطاتٍ و مقتطفاتٍ صغيرة معَ أحدِ الأقربينِ إلى نفسها و قلبها... ربما الوحيد الذي تبقى منهم حيًا يرزق..

ذلكَ الذي لا تتذكرهُ سوى طفلًا لطيفًا محبًا، لطالما أبهجَ حزنا و آنسَ وحدتها بابتسامتهِ البريئة.. أنارَ عتمتها بضياءِ عينيهِ الذهبيتانِ اللتان التمعتا ببراءة و كيفَ كانت تعبثُ بخصلاته الكحلية الناعمة كُلما دنا منها

هَمست ذلكَ الاسم الذي لطالما أطلقتهُ عليهِ بصوتٍ رغمَ رقتهِ إلا أنهُ تحطمَ لثقلِ الهموم " دين..."

تلكَ اللحظة كانت هدوءً طغى على مصغاها، صخبًا دوى في قلبها... لَكن حدثَ ما حولَ هدوءَ مسامعها صخبًا و صخب قلبها فوضى عارمة.

أحدُ الحارسانِ اللذانِ راقبا غُرفتها تسائلَ و التعجبُ يغمرُ نبرتهُ " هَي !، أسمعتَ ؟، جلالتهُ قَد تراجعَ عَن فِكرةِ قتلِ ذلكَ الممسوس."

أجابَ الثاني بنبرةٍ ساخرةٍ لا مبالية " ابنُ الساحِرة ؟، أجل أجل لقد سمعتُ !، حسنًا.. ما ينتظرهُ هو مصيرٌ أسوأ منَ الموتِ بأي حال !."

زفرَ الأولُ مبتسمًا باستهزاء " أليسَ كذلكَ ؟، هذا يعني أنهُ المختارُ بعدَ كُل شيء !، يا لهُ مِن مسكين.. ما زالَ شابًا بعدَ كُل شيء !."

فحيحٌ أصدرهُ الثاني أثناءَ شهيقهِ فقالَ " اسمهُ كانَ على الأرجح ... اوه أجل إنهُ...."

صدمةٌ سُكبت عليها كدلوِ ماءٍ باردٍ وسطَ الشتاء يسري رعشةً ابتداءً مِن رأسها و حَتى أخمصِ قدميها دافعًا حدقتاها للإتساعِ على مصراعيهما دونَ وعيٍ منها و قلبها إلى الخفقانِ متسارعًا حدَ التوقفِ فدارت بها الدنيا تتأرجحُ في كُل إتجاهِ لتشعرَ بتوازنها و قَد اختلَ رغمَ كونها تجلسُ بالفعل.

MIREN-NEVERLANDحيث تعيش القصص. اكتشف الآن