نظرت حولها تبحث عن مخرج ... فتلك العيون النارية و انتفاضة الجسد تنذر بالشر ... حاولت الإسراع إتجاة غرفة النوم لتوصد الباب خلفها حتى يحضر " تيم "... لكنه انقض عليها كما النمر الجائع يعتقلها من خصرها بقوة ... لتصرخ مذعورة تنادي باسم "تيم" ... ألقاها بقسوة على الأريكة الكبيرة كما لو كانت كيساً من طحين ..آهات الألم التي أطلقتها لم تثنيه عن عزمه ... قال بصوتٍ جليدي فقد الحياة و قد احمرت عيناه و اتسعتا بجنون :
_ "تيم" ... دائماً "تيم" ... هذه المرة لن يخلصك مني سوا الموت يا غيدائي ... الموت فقط
حاولت "غيداء" النهوض مجدداً من على الأريكة رغم ضعفها و ألمها ... لكن " قيس " أسرع بدفعها من جديد على الأريكة بقهر ينطق من عينيه ...أطبق على كتفيها و هو يجبرها على الإستلقاء و قد جلس على ركبتيه فوق الأريكة يحاصرها بجسده ... صرخت غيداء بذعر و هي تحاول دفع جسده بعيدا :
_ ما الذي تريده ؟؟ ابتعد عني الان ... ابتعد أيها الحقير ...
ضحك " قيس " بسخرية و هو يقول :
_ هذه هي " غيداء" صاحبة اللسان السليط الذي لا يمكن إيقافه
بتر ضحكته و هو يقول من بين أسنانه بغيظ مطبقاً كفيه على عنقها يخنق انفاسها و قد غيب المخدر أدراكه تماماً :
_ أريد روحك فقط "غيداء" ... أريد أن تختفي من هذه الحياة ... قد أرتاح من هذا العذاب الذي فرضته علي بجنونك و حقدك و انتقامك ... خمس سنوات و أنا أنتظر لحظة ظهورك
ضغط على عنقها بقوة دون وعي أو رحمة ... ركلت بقدميها تتمسك بالحياة ... تمسك بذراعيه تحاول إبعاده .. لكن ما يمكن أن تفعل امام جسده الضخم و غضبه الهادر؟!! ... تحشرجت أنفاسها و توسعت عيناها رعباً و هي تشعر بالموت يقترب منها بخطى سريعة... سوادٌ غطى وعيها لتختفى مقاومتها و يرتخي جسدها و صراخه الحاقد يختفي من عالمها
_ سبعة عشر ... عمرك كان سبعة عشر ... سبعة عشر... كنت صغيرتي أنا ..فقط انا ...كيف تحولت لهذه المخادعة الحقيرة التي لا تعرف الرحمة
رفع يده عن عنقها و قد لاحظ ارتخائها ... تملكه الذعر ... شعر برأسه يدور بدوامة ... مالذي فعله !!! لم يرد قتلها فعلاً !!! بلا أراد قتل تلك التي ظهرت في لندن و دفنت الفتاة ذات السبع عشر ... هز جسدها بعنف ينادى اسمها " غيداء " ... ضرب وجهها بصفعات متتابعة
_ انا لم أقصد ... " غيداء" ... أنا آسف ..فقط عودي إلي ... غيداء .. غيداااااء
استيقظت تشهق بعنف حتى كادت أن تشق رئتيها متألمة... لتتبعها بسعلات متتالية و هي تمسك بعنقها مذعورة من ذلك الضخم الذي يحدق بها محاصراً جسدها بجسده .... تفاجأت به يضمها لصدره المضطرب و قلبه يضرب خدها كمطرقة ... لم تجرأ على الحراك و هي تسمع صوته يبكي !!! من هذا المجنون ؟ !!... تظاهرت بالإغماء ثانية و هي تحاول جاهدة السيطرة على ذعرها و ارتجافها ...انهار قيس على الأرض و هو يبعد نفسه عنها يضرب جبهته بغضب و هو يردد:
_ سبعة عشر ... سبعة عشر فقط.. .. كنتِ طفلة ... طفلتي ... لما هربتِ مني في لندن ...لماذا ؟؟
تسارعت صور الماضي بالتراص أمامه و هو يعود لأيام ظن نفسه بأنه المسيطر عليها ... بأنه يسير حياتها كما يشاء ... لم يدرك بأنه يحفر قبره بيديه
كان عمرها سبع عشر عاماً فقط... من الصعب ملاحظتها بتلك الثياب الواسعة المهترأة ... و شعرها الأشعث المعقود بعشوائية ... تمسح أرض النادي الرياضي الذي يرتاده خلال عطلته ... و رغم الوضع المزري الذي تغرق به ... كانت دائماً تبادل الجميع بابتسامة و ضحكة ناعمة ...عيناها تشع بطاقة غريبة ... أي قدرة تمتلكها ؟ ....إنها تبدو طفلة ... و لكنها قوية و صلبة... حاول تجاهل أفكاره ... و لكن كان فضوله ينمو اتجاهها كل يوم ...هو لم يكن يحتاج لأي علاقة جديدة ... فجدوله حافل بالفتيات الجميلات ... الفاتنات ... الأنيقات ... لكن و لا واحدة تقترب من سحر تلك الطفلة... خلف أكوام الملابس التي ترتديها و الإهمال الواضح لترتيب نفسها و أظافرها المتكسرة ... تقبع ملكة متوجة بين بنات حواء ... لكنها طفلة ..طفلة... ما ينفك يذكر نفسه بذلك حتى يخرجها من تفكيره و خاصة أن عطلته اقتربت من الإنتهاء و سيعود للندن لاستكمال دراسته
_ هاااااااااي .... أنت... بما تفكر ؟؟
نظر " قيس " لأخيه " تيم" الذي وقف إلى جانبه و هو يمسح حبات عرقه التي تجمعت على جبينه بعد أن مارس تمارينه الرياضية ...بدأ "قيس" بضرب كيس الملاكمة أمامه يفرغ انفعالاته و توترته متجاهلاً سؤاله
قال "تيم " و هو يعقد حاجبيه قلقاً على حال " قيس " المتبدل منذ فترة :
_ هل أنت بخير ؟؟
أجابه دن أن يتوقف عن لكم الكيس :
_ أتركني يا "تيم" و شأني ...دع هذا اليوم يمر بسلام
_ لكن .. أنت لا تبدو ..
قطع كلماته مع ارتفاع صوت صراخ "غيداء" و هي تحاول ضرب شابٍ بممسحتها الطويلة و السخط يشتعل من عينيها :
_ أنت حقير و وغد ... سأكسر يدك التي حاولت لمسي أيها الحيوان القذر المقرف ...
كان الشاب يحاول تفادي ضرباتها و هي يصرخ بتسلية :
_ يا مجنونة .. ما الذي تفعلينه ... أنا لن أنظر لك يا وجه القذارة
زاد غضبها اشتعالاً و هي تلقى الممسحة من يدها و هي تقول بغيظ :
_ وجه القذارة !!! سأريك من هو القذر
أمسكت بدلو المياة الوسخة و سارعت بإلقاء محتواه باتجاه الشاب العابث الذي شهق بصدمة و هو يحدق بتلك المجنونة وسط ضحك رواد النادي ... تقدم ناحيتها و هو يصرخ بغيظ :
_ سأقتلكِ أيتها البائسة
رفع يده يريد أن يصفعها و هي تحدق به بثبات .... لكن يد " قيس " الذي أسرع إليها كانت الأسبق ... أمسك ذراعه يلويها و يدفعه بعيداً يحذره قائلاً :
_ إياك أن تضرب فتاة يا قليل النخوة و الشرف و الرجولة
صرخ الشاب و هو يعود لتقدمه اتجاه " غيداء" و هو يصرخ :
_ لا تتدخل يا هذا ..يجب أن تتعلم التهذيب تلك الوقحة
وقف " قيس" بمواجهته و هو يعقد ساعديه بتحدٍ و من خلفه " تيم " يتوعد الشاب بنظراته ... أدرك الشاب بأنه لن يقدر على خدش هذا الضخم و من معه و إن حاول سيكون الخاسر بهذهِ المواجهة ...قال و هو يحاول لملمة بقايا كرامته المبعثرة و قد فاحت رائحته النتنة :
_ سأتكلم مع مدير النادي ليتصرف معكِ يا حثالة
انسحب الشاب و المياة تقطر منه و ضحكات الإستهزاء ترافقه ... نظر "قيس" لغيداء المرتجفة و هو يسألها بحنان :
_ هل أنتِ بخير ؟؟
نظرت إليه و عيناها تتفجران بنيران الألم و الغضب :
_ شكراً لك ... و لكن كان يمكنني تدبر أمره دون تدخلك يا سيد
ابتسم قيس ساخراً و هو يقول :
_ حقاً !!... هل كنتِ لتتحملي صفعة من كفه الثقيلة
وضعت يدها على خصرها و هي تقول بنزق :
_ و من قال لك بأن يده كانت ستصل لوجهي !... كنت سأكسرها قبلاً
ضحك قيس و هو يقترب منها حتى كاد أن يصطدم بها :
_ كم أتمنى أن أرى هكذا أمر ... طفلة ... تكسر ذراع ثور هائج
حدقت به دون أن تهتز من قربه و هي تقول :
_ يمكن للطفلة أن تطبق الأمر عليك الآن إن أحببت
فغر "قيس" فاه أمام وقاحتها ... أراد ان يرد عليها و لكن " تيم " سحبه بعيداً و هو يقول :
_ هل جننت !!! تريد أن تخوض شجاراً معها أنت الآخر !!!