الفصل الخامس عشر والاخير

17.7K 175 1
                                    

طعنة أصابت قلبها بمقتل ... الحقيقة أمامها تجسدت و ذكرياتها تتدفق سريعاً كطوفان يجعلها تتأرجح على حافة الهاوية ... تعيش مكان اختها لشهور ... تشعر بالألم و بمذاقات مختلفة ... أصبحت أكثر إدراكاً لوجع "جيداء" ... فهمت ما أكثر ما قاسته ... يتم ... تشرد ...ظلم ... إنتقام ... و حب ... حب لم تسمح له بالإزهار و هي تغتال قلبها بسيوف الكره و الحقد ... 
دخلت "غيداء" الجناح بعد رحيل "كندا" ترتجف ... هذا المكان ليس لها ... هي الغريبة ... مجردُ دخيلة... نهلت من حب طفلين رائعين يناديانها بـ "ماما" ... و زوجٌ ليس بزوجِها جعلها تفهم معنى الحب ... و كيف يكون العشق ... ما معنى أن يخفقِ قلبُها باسم رجلٍ تذوبُ بين ذراعيه كقطعة سكر ؟... كيف حدث كل هذا ؟؟ كيف سمحت لنفسها بأن تهوى زوج أختها ؟؟!!... كيف يمكن أن تقتل هكذا مشاعر تختلج صدرها ؟!!.... 
أسرعت تدخل غرفتها و دموعٌ ملتاعة تحتشد بعينيها ...إتكأت على الباب المغلق و هي تحرر اهاتها الثكلى ... تنهار قدميها أرضاً تضم ساقيها لصدرها و هي تضرب رأسها برتابة على الباب تهمس بذهول :
_ اخرج يا "تيم" مني ... غادرني و إن أحرقت قلبي ... لا مكان يجمعنا ... لست لك و انت ما كنت في يومٍ لي ... إجعل الحب بقلبي يذوي فقد يخفُ وجعي ... إمسح طعم قبلاتك عن شفتي العطشى ... فهي مسروقة كما لمساتك و غمراتك ... علمني كيف أتنفس بدونك... علمني كيف أعيش دون نظراتك الناعسة... علمني و غادرني ... غادرني و إن قتلتني و امنح الحياة لغيري ...لتلك التي أحببتها عمراً ... و انسى الحلم القصير الذي جمعك معي
طرقاتٌ جزعة على باب الغرفة جعلتها تنتفض واقفة تبتعد عن الباب و هي تسمع صوت "تيم" من الخارج قلقاً :
_ "غيداء" ما الأمر ؟؟ إفتحي الباب .. لما أغلقته ؟؟ ... "غيداء" أسمع صوت بكائك ..ما الذي حدث معكِ؟ إفتحي الباب الآن بالله عليكِ
لم تدرك ان صوت بكائها كان مرتفعاً ... شعرت بالدنيا من حولها تدور ..حاولت التقدم لتفتح الباب و لكن لم يقابلها سوا الظلام ليتبعه ارتطام و صوت "تيم" الجزِع يودع وعيها يصرخ باسمها 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ
استيقظت "وسن" على ذكرى نحرها في ليلة زفافها على من عشقت ... و نزف قلبها يغدق بدموعه المرة يشعل النار في صدرها... شعرت بجدران المنزل تطبق على أنفاسها ... و وجود "إياس" بالخارج يدق حصون صبرها و تحملها لوضعٍ كانت سبباً به و لو جُزئياً ... تريد الخروج من المكان بعيداً عنه و عن نظراته ... لقد تحول لرجلٍ يقوده الغضب ... عيناه تحرقانها ببأسه ِ و حزنه ... لا تريد ان تكون سبباً بقتل كل ما هو جميلٌ فيه ليبقى سخطه و نقمته 
أسرعت تخرج ثيابها من الخزانة تلبسها على عجل ... فتحت باب غرفتها تريد الهرب من كل هذا دون أن تبحث عن "إياس" .... لكن و ما أن وضعت يدها على مقبض الباب الخارجي حتى جمدها صوت "إياس" البارد و هو يخرج من المطبخ 
_ إلى أين "وسن" ؟؟ 
إرتخت يدها عن المقبض و هي تقول بجمود دون أن تلتفت إليه :
_ سأخرج لاستنشاق بعض الهواء في الخارج 
إقترب منها و هو يقول بهدوء :
_ لن يكون من الطبيعي خروجُكِ وحيدةً بعد ليلة زفافك ... سآتي معكِ فقط ...
إلتفت إليه تقاطعه و عيناها تشتعلان غضباً :
_ لاااا ... أريد ان أذهب لوحدي ... لا أريدكَ معي 
شدّ "إياس" على قبضته و هو يضغط على أسنانه:
_ "وسن" ... توقفي عن التصرف كطفلةٍ حمقاء ... لا نريد أن نثير حولك أي حديث يسيء إليكِ... 
إنهالت دموعها دون قيد و هي تقول منكسرة فاقدة قدرتها الهشة على التحمل :
_ أنا لست سوا طفلة أفسدها الدلال .. غبية و متهورة , منعدمة التفكير ...صحيح ؟؟ تكلم ... هذه انا .... هكذا تراني "إياس" ... أنا هي التي ضيعت نفسها لتسقط بين يدي حقيرٍ بِلا أخلاق ... انا السبب بكونه لمس جسدي و حصل على كل شيء مني ... انا السبب بكونهِ إغتصبني دون مقاومة 
لم يعي "إياس" على نفسه و هو يتقدم منها يقبض على كتفيها يهزها بعنف يردد بغضب :
_ اخرسي يا "وسن" ...إخرسي ... لا تتكلمي 
لكن عنفه لم يزد "وسن" سوا اندفاعاً و تفجراً و هي تصرخ دون وعي :
_ لااااااا ... هذه هي الحقيقة ... انت ما تنفك ترا "سلطان" فوق جسدي يحصل مني عما عجزت أنت عنه 
بلحظة ... و كما لو كانت بين يديه كدمية قماشية بلا وزن ... دفعها بإتجاه الحائط ليرتطم ظهرها بقوة و هي تشهق و قد كتمت أنفاسها ... سقطت متكومة على الأرض تجاهد لإدخال الهواء لصدرها و لكن عوضاً عن هذا كانت تصدر صوت صفير من صدرها و عيناها تجحظ برعب 
حدق بها "إياس" بغضب ... يشعر بجسدِه يرتجف قهراً ... و صورتها على ذلك السرير و سلطان بجانبها تقتله ... كيف يمكن أن يمحي تلك الصور من ذاكرته ؟؟ ... كيف يجعل صوت حب "وسن" اعلى من صوت ضحكات "سلطان" الساخرة ... 
فجأة ... عاد للواقع و قد أدرك ما فعل ... فزِع و أسرع لـ "وسن" و هو يناديها ... ساعدها على الجلوس و هو يساندها بين ساقيه يريح رأسها على صدره يمسح على شعرها يردد بخوف:
_ تنفسي ... تنفسي ...لا تخافي ... دعي الهواء يتسرب لصدرك "وسن" ... 
ثواني مرت كالدهر ... و "وسن" تعجز عن التنفس ... حتى استجابت ... تتنفس بصعوبة ..تبكي و قد أدركت انها وصلت لخط النهايةِ معه ...ضمها "إياس" لصدره و هو يردد باكياً :
_ أنا آسف "وسن" ... آسف ... لا أعلم ما الذي يحدث معي ... لا أصدق بانني اتصرف معكِ بهذا الشكل ... لم أكن هكذا يوماً 
دفنت "وسن" رأسها بتجويفِ صدره تبحث عن أمان و هي تقول بصوتٍ قد بح :
_ أعلم ...أعلم "إياس" هذا الرجل ليس من أحببت و عشقت ... 
أسند "إياس" جبينه على قمة رأسها و هو يهمس باسمها ... إبتعدت "وسن" عنه قليلاً و هي تحدق بعينيه الشفافة و قد تكدرت ...
_ لا أريد أن أكرهك "إياس" ... لا أريد أن تتحول لهذا الرجل الغاضب الحانق بسببي ... أحتاج لـ "إياس" الحنون الهاديء الذكي القائد الذي أحببته ... أما هذا الرجل فأنا أمقته 
عاد يضمها لصدره بقوة و هو يقول برجاء:
_ أرجوكِ أحتاج لبعض الوقت فقط ... أرجوكِ صبراً على وجع قلبي حبيبتي ...
أغمضت عينيها باستسلام و هي تهمس بضعف :
_ لن أكون سبباً بضياعك حبيبي ... سأثبت لك بأنني أعشقك 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــ
ببطء فتحت عينيها تحاول أن تدرك مكانها ... شعرت بدفءٍ إنساب لكفها يلمس كل خلايا جسدها ... إبتسمت بحب و هي تلتفت لـ "تيم" يحضن كفها و قد غفى بجانبها على كرسيٍ جلدي ... عادت تغمض عينيها براحة كاذبة ...فقط كانت ثانية واحدة جعلت كل شيء يرد إليها .... الفرق بين "غيداء" و "جيداء" ..بأنها مجرد مرسال ... نهضت بسرعة و هي تسحب كفها تلهث بأنفاسها تضم نفسها ...أفاق "تيم" سريعاً و هو يقول بصوته الناعس:
_ "غيداء" إستيقظت أخيراً حبيبتي ... هل أنتِ بخير؟؟
هزت رأسها دون ان تنظر ناحيته و هي ترتجف ... جلس "تيم" بجانبها وهو يقول بقلق :
_ ما الأمر "غيداء" !!! مالذي قالته "كندا" لكِ لينقلب حالك بهذا الشكل؟؟ ... ثلاث أيام و أنتِ تحت رحمة الحمى تهذين و تتكلمين الألمانية بأمرٍ لم أفهمه !!... تكلمي "غيداء" سأساعدك ...صدقيني 
حدقت به تطرف باهدابها سريعاً و هي تردد :
_ ثلاث أيام ؟؟!! 
_ صحيح .. ثلاثة "أيام ... في الليلة التي حضرت بها "كندا" إلى هنا ... كسرتُ باب غرفتكِ بعد سقوطك ... حرارتك كانت مرتفعة للغاية ...الطبيب قال ان لا سبب عضوي لكلِ هذا ... الأمر أقرب للإنهيار العصبي 
نهضت "غيداء" من فراشها سريعاً و هي تقول بقلق :
_ يا الله ... ثلاث أيام ...!!! "ريناد" ... كيف حالها ؟؟ 
ترنحت بوقفتها و "تيم" يسرع لمساندتها و هو يقول :
_ "ريناد" بخير ... لقد قررت الذهاب للمدرسة اليوم ... قالت أن ذلك سيساعدكِ على التحسن ... 
دفعته "غيداء" بعيداً و هي تشعر بان ناراً تنهشُها مكان لمساته ... و هي تهمس بجزع :
_ إبتعد عني 
قطب "تيم" حاجبيه بحيرة و هو يقول بعصبية :
_ "غيداء" ما الأمر ؟؟ لن أعود معكِ لهذه اللعبة ... ما الذي يحدث ؟؟ إن عادت "كندا" تخبركِ بموضوع الطلاق فقد أخبرتك لقد رددتكِ لعصمتي في آخِرِ يومٍ للعدة 
مررت "غيداء" أصابعها على وجهها و هي تقول بإنهيار :
_ يا ليتك لم تفعل 
قست عيني "تيم" بشدة و هو يقول ببطء :
_ "غيداء" ... هل عادت الذاكرة لكِ؟؟ ... هل إستعدتِ مشاعر الكره و الحقد ؟؟ هل سأعود معكِ لتلك السنين السوداء !!!
انهارت "غيداء" على طرف السرير تبكي بحرقة و هي تقول متوسلة:
_ أرجوك "تيم" أُتركني وحدي الآن ... و سيكون بيننا حديثٌ طويل ... اعدك ... ستعلم بكل شيءٍ حدث في الماضي و ما سيحدث بالمستقبل ...لكن أحتاج لبعض الوقت 
هزّ "تيم" رأسه بأسى و هو يقول بألم :
_ كما تشائين .. و لكن إفهمي هذه المرة و عند أول إشارة غدر .... لن يكون لكِ مكانٌ هنا ...
خرج سريعاً و هو يصفق الباب ورائه و هي تشهق بالبكاء :
_ لم و لن يكون لي مكان معك ... 
مسحت دموعها بقسوة و هي تردد بنفسها :
_ علي أن أسلم التسجيل للإنتربول ... "جيداء" و معاذ" و "تيم" بخطر ...
لبست ثيابها على عجل و خرجت غافلة عن العيون التي ترصدُها من خلف زجاج النافذة السوداء ... همس "ريموند" بغضب :
_ أخيراً تحركتي سيدة " غيداء" ... كدت أفقد صبري ... توقعت أن تتحركي بشكل أسرع بعد زيارة "كندا" 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــ
خرجت "غزل" من مكتب "غيث" و حمرة الخجل تكتسح بشرتها السمراء ... منذ أن توضح كل شيءٍ بينهما و هو يعود معها لمشاكسته القديمة و تلميحاته الوقحة التي لا تتوقف دون أن يلتفت لتحذيراتها و تنبيهاتها كما لو أن الأمر يمتعه ... 
تقدمت لمكتب السكرتارية ...لتجد مديرة مكتب "غيث" تتبادل حديثاً ودياً مع إمرأة مقعدة كما لو أنها تعرفها من قبل ... 
تقدمت منهما و هي تلقي التحية تقدم بعض الأوراق لمساعدة "غيث" التي قالت :
_ سيدة "غزل" أقدمُ لكِ الآنسة " وعد" إنها صديقة للسيد "غيث" منذ زمنٍ طويل.

رواية أهواكِ يا جرحي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن