((الأمان ..))
مرت أربعة أيام منذ وصول دانييل ,,مرت بسرعة ما بين زيارتها لوالدها والتفتيش المستمر عن سيارتها التي وجدوها مففكة في أحد المناطق المجهولة إلى قطع وهاهي الآن تتصل بشركة التأمين بسبب هذه المشكلة ..طبعا أصيبت دانييل بالإحباط لكنها قد تشتري سيارة جديدة عند وصولها إلى نيويورك .
شيء آخر كان يثير تساؤلات دانييل هو مهنة رايان ,,لطالم رأته مشغولا وهي تراه يخرج من المنزل ,وفي أحد الأيام رأته خارجا من المنزل وهي تجلس مع كايت وكأنها نطقت بالسؤال فقالت كايت (إنه طبيب !) نظرت دانييل إليها مندهشة ,,فقالت كايت ضاحكة (كأنك لا تصدقين) اعتذرت دانييل وقالت (لم أقصد ) لكنها كانت تقول في نفسها أيعقل أن يكون ذلك المتعجرف المتحجر الأحاسيس طبيبا ,إنها لاتتخيله يداوي الجراح أو يواسي عائلة فقدت عزيزا ...قالت كايت ( لاتقلقي ,لطالما كان رايان رجلا غامضا فتحت مظهره القوي يكمن رجل في غاية اللطف والحنان )
كانت دانييل تفكر في كلام كايت وهي ترتشف العصير في المطبخ
أيعقل أن يكون لطيفا ؟؟؟؟
( مرحبا ,مالذي تفعلينه هنا ؟) قالت مورا عندما رأت دانييل تجلس وحدها فقالت دانييل مبتسمة ( لاشيء ,لقد أصابني الملل فقط )
جلست مورا إليها على الطاولة قائلة ( فتاة في مثل سنك لا يجب أن تشعر بالملل ..حتما هناك أشياء تستطيعين القيام بها هنا )
(أعلم ولكن لاأجد هذا مناسبا ) قالت بجدية
( مالذي تعنينه يا نيلي ؟) قطبت مورا حاجبيها وأصبحت تشبه رايان كثيرا في تلك اللحظة *كفي عن التفكير به * نهرت دانييل نفسها ..
(لا تسيئي فهمي يا عمتي ولكن ماذا سيكون موقفي عندما يحصل شيء لأبي وأنا في الخارج أتنزه ) صمتت قليلا وقالت
(أنا لم آتي إلا لأجله )...
(أعلم هذا ) ردت مورا بتعاسة ثم قالت بحماسة (لكن بإمكانك الذهاب إلى البحر فهو لايبعد سوى .....)
(ميلين ونصف ) قالت دانييل مقاطعة مورا ثم نظرت إلى عيني زوجة أبيها وقالت (أعرف هذا ) ثم شربت ما تبقى في كأسها من العصير جرعة واحدة لتنظر بداخله بتمعن وكأنها بتحديقها إليه ستحل مشكلة السلام في العالم ..
ساد صمت قصير قطعته مورا قائلة ( لقد أخبرني والدك كل شيء)
اشتعل غضب دانييل ليس من زوجة أبيها بل من والدها بنفسه ,كيف يجرؤ أن يشرح للناس ما حصل ؟وهي لا تعرف ما حصل ولم يبالي بشرحه لها ,لكنها حاولت أن تخمد غضبها فما ذنبها المرأة على أي حال ؟ نهضت لتغسل الكأس فقد أرادت أن تشغل نفسها حتى لا يتأجج غضبها قالت وهي تدير ظهرها لمورا (أحقا ؟) هذا ما استطاعت قوله ,سمعت صوت عمتها وكأنه يأتي من البعيد ( إنه يريدك أن تفهمي أن ما حصل كان لابد أن يحصل ,أغنه سوف يشرح لك وسوف تفهمين لماذا فعل ذلك ..إنه نادم فعلا لأنه لم يرك طوال تلك النوات ,نادم لأنه لم يشاركك فرحك وحزنك ..) اخذ رأس دانييل يدور وأحست أنه على وشك الانفجار
لماذا تقول لها كل هذا ؟
(دانييل ,أنظري إلي !) كانت هذه مورا التي أصبحت خلف دانييل فاستدارت دانييل تنظر إليها بقوة زائفة وهي تعلم أنها إن لم تخرج من هنا ستجهش بالبكاء
(إنه آسف !) قالتها مورا واضعة يديها على كتفي دانييل
فتحت دانييل فمها لتقول شيئا لكنه ضاع عندما دخلت روزيتا بوجهها المحمر نشاطا وحيوية قالت دانييل في نفسها *ياله من توقيت * ابتسمت دانييل ابتسامة كاذبة (أظنني سأذهب لأتمشى في الحديقة ) واستطاعت أن تخلص نفسها من عمتها التي قالت بعد أن رأت أن دانييل لن تتحمل كلنة أخرى ( لا تتأخري على العشاء )
(لا تقلقي !) وخرجت مسرعة من الباب الخلفي
أخذت تفكر وهي تمشي بين زهور الحديقة المتفتحة في الشتاء وقد أخبرتها روزيتا أنها لاتتفتح إلا في الشتاء ..واتجه فكرها إلى زوجة والدها التي استطاعت أن تقرأ ما تفكر فيه فحتى والدتها كانت لا تستطيع فهم ابنتها في معظم الأحيان ...
وضعت يديها في جيبي تنورتها الطويلة واستنشقت ملء رئتيها هواء نقيا وأخرجته على دفعات صغيرة تماما كما تفعل عندما تتوتر مغمضة عينيها ,وعندما فتحتها وقع نظرها على الأرجوحة التي نصبها لها والدها عندما كانت صغيرة ..اقتربت منها متذكرة تلك المرة التي أتوا فيها ليروا المنزل هي ووالدها ووالدتها ,لقد ركبت هذه الأرجوحة وجعلت والدها يدفعها عاليا ..
بدون أي تردد ,جلست دانييل على الأرجوحة ثم أخذت تدفع نفسها عاليا مغمضة عينيها وكأنها عادت طفلة في العاشرة .زادت دانييل سرعتها وهي تتذكر عندما قالت لوالدها (بقوة يا أبي ,دعني أطير عاليا )
(لن تستطيعي الطيران بدون أجنحة )
أجفلت دانييل من الصوت الذي ظنته من مخيلتها وفتحت عينيها لترى رجلا غريبا يقف بعيدا عنها قليلا وهو يبتسم واضعا يديه في جيبيه ,من هو ذلك الرجل لم تره في حياتها .....عينان بنيتان وملامح طفولية
تقدم منها قائلا (ياله من عار أن تنسي شقيق صديقتك العزيزة )
صمت ثم ضحك إزاء ملامح الذعر الواضحة على وجهها فقال (دعيني أذكرك قليلا ..جيريمي الثرثار )
( يا إلهي !) شهقت وقد عرفت من هو ..إنه شقيق تيريزا مايسون ...صديقتها وهو توأم تيريزا وصديقها العزيز ...تخلصت من الأرجوحة وركضت إليه لتحتضنه كما تحتضن الأخ الذي طال غيابه وهي تضحك ..
قال ضاحكا (هذا يعني أنك عرفتني )
نظرت إليه غير مصدقة (إنني أعجز عن الكلام ,لقد تغيرت كثيرا .إنك ....) ولم تستطع وصفه .
(وسيم !) قال مكملا جملتها فضحكت وتابعت (وطويل أيضا ,من كان يظن أن جيريمي صاحب النظارات التي بحجم شاشة التلفاز والقصير سيصبح هكذا ؟)
قال ممازحا (صمتا يا فتاة ,ستدمرين صورتي أمام النساء ) صمت ثم قال ناظرا إليها من رأسها حتى أخمص قدميها (ومن كان يظن أن نيل باركر ذات الضفائر بلون الوحل والوجه المليء بالنمش ستصبح أجمل من عارضات الأزياء ؟؟!!) ضحكت دانييل من قلبها وقالت (إنك تجاملني يا جيري, كيف حال تيريزا ؟)
(ماتت!) قالها بجدية فانصدمت دانييل لكن ملامحه أنبأتها بالكذب
(أيها الكاذب !) ضحك جيري من أعماقه ,ضربته دانييل على كتفه وقالت (هذا ليس ظريفا يا جيري )
(بل ظريف صدقيني ,كان لابد أن تري تعابير وجهك ) وأخذ يقلدها فقالت دانييل (حسنا ,لست بهذه البشاعة .والآن أخبرني كيف هي تيريزا ؟)
(إنها أم لثلاثة أطفال صبيان وفتاة )
( يا إلهي ! بمن تزوجت ؟)
( برجل فرنسي ,أتى عن طريق شركة السياحة التي تعمل فيها ..)
سألت بمكر(وماذا عنك أنت ؟هل هناك فتاة في حياتك؟)
تهد تنهيدة طويلة قائلا وهو ينظر إلى شيء خلفها (إنني مخطوب لهذ المرأة الجميلة ) فاستدارت لتنظر وإذا بنظرها يقع على كايت التي أتت إليهم ,لم تستطع دانييل أن تنبس ببنت شفة ..قالت بسعادة (لا أصدق ,,) واحتضنتهما قائلة (أنا سعيدة من أجلكما )
(شكرا ) أجاب الاثنان في نفس الوقت فضحكوا ,قالت دانييل
(لم لم تخبريني يا كايت ؟)
(لقد أردت أن أخبرك لكنه أراد أن يفاجئك ) ردت كايت بخجل
(وقد فاجأني حقا!) ثم تابعت (لندخل إلى المنزل وأخبراني كيف حصل ذلك ,هيا ) ثم دخلوا جميعا ..
**********************
كل شيء يسير على ما يرام ,فوالدها تحسنت صحته وعلاقتها بمورا وكايت كانت طيبة أما علاقتها مع أختها فلم تكن مثل علاقتها مع كايت ومورا لكنها بدأت تتحسن فبعض الأحيان كانت ميا تضحك عندما تسمع دانييل تضحك مع كايت لكنها تعود وتنغلق على نفسها مرة أخرى لكن مشكلتها الحقيقية ليست مع ميا بل مع رايان ,وتذكرت مشاجرتها منذ يومين فهو لازال على اعتقاده السخيف ...ذلك اليوم كانت في غرفة مكتب والدها والتي من الأفضل أن تسميها مكتبة لأنها فسيحة بسقفها العالي المزين بالنقوش وبتلك الثريا المتوسطة الحجم . كانت قد انتهت من اتصال لشركة التأمين بشأن سيارتها ,فأخذت تتأمل المكتبة برفوفها المليئة بالكتب المنوعة وحدثت دانييل نفسها أنها ستمضي الكثير من الأمسيات وهي تقرأ في هذه الكتب ..لفت نظرها لوحة معلقة على الحائط وقد عرفتها ,أنها لوحة لكاندينسكي فقد قدمت أطروحة تخرجها عنها عندما درست في جوليارد ..(أي شخص ينظر لهذه اللوحة سيظن أنها خربشات أطفال لكن المحترف هو الوحيد الذي يقدر الفن ) كانت افتتحت الأطروحة بهذا السطر ونالت عليها علامة رائعة ... لكن مالذي تفعله هذه اللوحة هنا ؟صحيح أن والدها يقرأ الشعر والروايات لكن اللوحات والتحف هي آخر اهتماماته
(هل أعجبتك؟) أتى هذا الصوت الساخر من عند الباب فالتفتت ورأت رايان يقف ممسكا بالباب ,,تسارعت نبضات قلبها تماما مثل ما تفعل عندما تراه ,كان وسيما جدا فقد نمت لحيته بشكل طفيف وارتخت ربطة عنقه الرمادية التي تلاءمت مع بذلته السوداء ..لابد أنه رجع لتوه من الشركة كما علمت أنه يعمل فيها مع والدها منذ سنة ونصف ...
كانت تريد شكره للكذبة التي أطلقها بشأن سفرها إلى بوسطن حتى يغطي غيابها لكنها تتردد مخافة أن يقوم بفتح ذلك الموضوع عن سبب قدومها إلى هنا ويبدأ باتهامها مرة أخرى ,ويبدو أنها ستؤجله مرة أخرى فملامحه تدل عل أنه سينفجر في أي لحظة قالت (إنها المفضلة لدي لكني لا أعرف كيف يحتفظ بها أبي لأ.....)
دخل الغرفة ورمى الحقيبة على أحد الكراسي مقاطعا بعبوس
(إنها هدية من عمتي بمناسبة عيد زواجهما.)
(آه !) هذا مااستطاعت قوله وكان هذا غباء منها فقد فسرها رايان بشكل خاطئ ,لأنه نظر إليها بحدة بتلك العينين التي لن ترى فيهما غير الحدة والكراهية والغضب وقال
( ماذا يعني هذا ؟)
(لاشيء,إنها جميلة ) ثم ابتسمت متابعة كلامها (لابد أنك متعب ,سأتركك الآن ) واستدارت مغادرة الغرفة
(انتظري!) اخترق صوته العميق سكون الغرفة فتجمدت مكانها ,مالذي يريده ؟إنها تتمنى أن يكف عن ذلك التهديد والتوعد ,لتعيش بسلام في هذه الفترة مع والدها .
استدارت لتجده جالسا على حافة مكتب والدها عاقدا يديه على ذراعيه ووجهه خال من التعابير ,,,,قال وعينيه مثبتتين على وجهها (هل كنت تخططين للاستيلاء على تلك اللوحة ؟؟) لم تصدق دانييل ما قاله وتصاعد غضبها الذي جعل وجهها يحمر مثل ميزان الحرارة تقدمت إليه وقد أعماها الغضب (اسمع أيها المتذاكي ,أنا لا أسمح لك بأن تتهمني بهذا الشكل ..)
(بل لي كل الحق بذلك يا عزيزتي ) نهض الآن وأصبح قريبا منها لدرجة أنها لم تستطع التنفس فابتعدت خطوة إلى الخلف لتضع بينهما مسافة لأنها قد تتهور وتصفعه مع أنه يستحق هذا .
تابع يقول(واسمعيني جيدا ,لأني سأقول هذا مرة واحدة ولن أكرره ..من الواضح أنك لن تذهبي قبل أن تحققي مرادك لذلك قولي الآن ماهو ثمن خروجك من حياتنا ؟؟) استغرق دانيل لحظة لتفهم قصده ثم شهقت عندما فهمت ..أيرشوها هذا الأحمق المجنون ...فقالت بحدة (ماذا قلت ؟)
(أظنك سمعتني جيدا ) قال واضعا يديه في جيبيه
(سمعتك لكنني لست واثقة مما تعنيه ,أترشوني ؟)
صرخت به بحدة
(لا داعي لادعاء الدهشة عزيزتي ,إنك تضيعين الوقت على كلينا .فكم..) لم يكمل لأن دانييل رفعت كفها لتصفعه لكنه أمسك بيدها بدون أن يهتز مقدار أنملة وكأنه كان يتوقع ردة فعلها هذه
قالت وهي تهتز غضبا (لم يحدث أن رفعت يدي في وجه أحد لكنك تستحق هذا ..دعني أيها المختل ... ) نفضت يدها من يده فتركها وتابعت (من تكون لتقول هذا عني ؟هل أتيتك طالبة المال لتستنتج أني لست هنا إلا من أجله ؟هل أبدو كالمتسولة ؟أجبني..)
(إني أعرف شاكلتك من النساء ) قال وعيناه تقدح شررا
اهتز صوتها لكنها ضبطته (إنك لا تعرفني )
تابع وكأنها لم تتكلم (وأعرف أيضا كم يقاسي المعلمين في أحوالهم المادية ,لذا وفري علي هذا الهراء .)
(يا إلهي! إنك مريض عقليا ,إنك تعاني من جنون الارتياب ) مشى بسرعة إليها وأصبح قريبا منها لدرجة استطاعت معها أن تلاحظ رموشه الطويلة وقال والغضب يتطاير من عينيه التي أصبحت مثل الكهف المظلم (لن أسمح لامرأة أخرى باستغفالي!) ثم وكأنه صحا من حلم مزعج فقد ظهرت عليه الدهشة فعرفت دانييل أنه قال الكثير مما لم يرد أن يقوله ؟,لقد باح بما لم يكن يريد أن يعرفه أحد وخصوصا هي ..من هي تلك المرأة التي خدعته واستغفلته كما قال ,أرادت أن تسأله لكنها لم تفعل ..
إنه يراها على هيئة هذه المرأة الجشعة ..فغضبت ولمعت عيناها وكررت (إنك لاتعرفني) ثم استدارت بشجاعة لتخرج من هذه الغرفة فقد أحست بالاختناق لكنه أمسك بذراعها مانعا إياها من الخروج فسقطت خصلة من شعرها على جبينها
قال (لقد اسنفذت كل الفرص ,لقد عرضت عليك المساعدة لكنك رفضتها أنا أحذرك , سأبقى أراقبك ) نفضت يدها منه وقالت بسخرية ( هل تسمي هذه مساعدة ؟بل هي ابتزاز ..) تابعت وهي تضحك بسخرية ( لقد اعتقد أننا من الممكن أن نصبح أصدقاء لكن من المستحيل أن يكون لدي صديق بهذه العقلية المختلة ) خرجت من الغرفة صافقة الباب وأحست بأن الدموع تتجمع في عينيها لكنها لن تسمح له أن يبكيها أبدا ,أخذت نفسا عميقا وتوجهت إلى غرفتها لكن مورا استوقفتها عند باب غرفة الجلوس قائلة ( مالذي حصل يا دانييل ؟لم أنت غاضبة ؟؟)
لو تعرفين !!حدثت دانييل نفسها ...
لكنها ردت كاذبة (إنهم أصحاب شركة التأمين الأغبياء سيؤخرون معاملاتي ,,كنت أود الجلوس والتحدث معك قليلا لكنني أشعر بصداع ..سأصعد قليلا لأرتاح ..أراك لاحقا ) وصعدت السلالم بسرعة ولم تنتظر جواب مورا التي أخذت تتساءل عما أصاب دانييل ...ماذا جرى لها ؟أرادت أن تريها البيانو الجديد الذي اشترته من أجل دانييل وميا لتتعلم دروس الموسيقى ..
فتح باب مكتب جوناثان وخرج رايان غاضبا جدا ,,مثل دانييل ..لكن ألم تكن دانييل هناك منذ دقائق ؟هل تصادمت مع رايان ؟
منذ أن ظهرت دانييل وهناك نوع من التوتر بينها وبين رايان ..
مالذي بينهما ؟لقد أملت بأن يكون هناك نوع من الترابط بينهما فدانييل هي الفتاة التي ستجعل رايان سينسى تلك المخلوقة المنحطة ..فمنذ سنة ونصف ورايان لم يعد كما كان ,لم يعد اللطيف والضحوك بل أصبح يغرق نفسه في العمل ليل نهار وكأن العمل هو طعامه وشرابه ,ليس من الصحيح أن يبقى هكذا وليس من الصحيح أن يخرج غاضبا بهذا الشكل
(رايان ؟) تداركته قبل أن يخرج فتوقف واستدار فقالت
(مابك؟إلى أين أنت ذاهب؟)
(لقد نسيت شيئا في المكتب ,يجب أن أحضره لن أتأخر ) وخرج بنفس السرعة التي صعدت بها دانييل السلالم ..هناك شيء وستحاول أن تعرف ما هو ...
*****************************
هبت ريح رطبة قادمة من البحر , تخللت خصلات شعرها الكستنائي وهي تجلس متذكرة ما حصل مع رايان منذ يومين
ما أروع هذا المكان إنه كما تتذكره تماما عندما كانت تأتي هنا في صغرها . الأمواج المتلاطمة بهدوء تريحها وتذهب التوتر منها .نهضت ونفضت بنطالها الجينز الذي يتناسب مع الكنزة البيضاء التي ترتديها والسترة الوردية وعادت أدراجها نحو المنزل مفكرة في والدها الذي لم يخرج من المنزل إلى الآن ,لقد تحسن كثيرا عن أول مرة رأته فيها فقد أزالوا الأنابيب والأجهزة منه ... مرت من طريق مختصر فرأت منزلا رائعا في البعيد يبدو مهجورا ,يا للأسف فهو يبدو جميلا جدا ,,المنزل الذي لطالما حلمت بامتلاكه ...من قد يترك منزلا مثله ,,مع أنه يبدو حديث البناء ..أكملت طريقها وفجأة أحست بصوت قريب فظنته أرنبا فالأرانب تكثر في هذه الأنحاء لكنها رأت جسما صغيرا يستند إلى شجرة وكأنه طفل ,اقتربت أكثر فرأت فوكس صديق ميا شقيقتها
(مرحبا ,مالذي تفعله هنا؟) جلست بجانبه وقد بدا على ملامحه الطفولية الجميلة الحزن (مرحبا آنسة باركر!) ياله من طفل مهذب!
(ما بك؟) سألت دانييل وقد رأت التردد على ملامحه فأجاب سائلا (هل لي أن أقول شيئا ولا تقولي لأحد خاصة ميا ؟)
(بالطبع!)
(هل تعدين بذلك ؟) قال ملحا وخصلات شعره تتطاير وفقا لحركاته فأجابت ( أعدك وبشرف الكشافة !) ثم رفعت يدها تؤدي تحية الكشافة فضحك فسألت مدعية الغضب (ماذا؟)
(إنها اليد الخطأ ) فضحكت قائلة
(لم أدخل الكشافة لذلك لاأعرف والآن أخبرني !)
بدأ فوكس بالكلام شارحا لها أنه قد اشترى هدية عيد ميلاد ميا لكن أحد الأطفال في صفه قد كسرها وأراها الهدية التي كانت عبارة عن مجموعة أحصنة صغيرة فخارية جميلة أحست دانييل بالكآبة للطفل الصغير وأكمل قائلا (وضربته !!) شعرت أن أحدهم قد عاقبه على فعلته وقد أصابت لأنه قال (وأمي رفضت أن تعطيني نقودا لكي أتعلم ألا أضرب شون مرة أخرى لكنه يستحق هذا لأن ميا كانت مستاءة لأنها تظن أنهم نسيوا عيد ميلادها )عندها بزغت فكرة رائعة سوف تقربها من أختها الصغيرة وقالت (لدي فكرة )
(ماهي ؟) سأل ببراءة فقالت (يجب أن تساعدني وسوف أساعدك)
نظر إليها وتابعت ( سأشتري لك هدية أخرى لميا وسوف تساعدني لأقيم حفلة عيد ميلاد رائعة لميا ,ما رأيك ؟)
تردد الطفل وقال (لكن أمي سترفض )
(لا تقلق ,سأتدبر الأمر!والآن هل تساعدني أم لا ؟)
فكر قليلا وقال (حسنا ,اتفقنا !) ثم احتضنها قائلا (شكرا لك !)
وعندما كانا في طريق عودتهما قال فوكس فجأة (إن اسمي ليس فوكس!) نظرت إليه باستغراب وقالت (ما هو إذن؟)
قال (اسمي سامويل !لكن لاأعرف لماذا ينادونني بفوكس لأنه اسمي الأوسط؟) قالت دانييل (أتريد أن أناديك به؟) هز رأسه موافقا وقالت ( سأناديك سامي اذا ناديتني نيل أو دانييل
(حسنا !)
**********************
عندما وصلت إلى المنزل وجدت سيارة رايان متوقفة عند الممر الرئيسي للمنزل واستغربت هذا لأنه ليس موعد عودته إلى المنزل عندما دخلت إلى المنزل سمعت أصواتا عالية
آتية من غرفة الجلوس
توقفت عند الغرفة وسمعت ميا تقول
( لقد اشتقت لك كثيرا يا أبي!)
أبي!!!
دخلت دانييل إلى الغرفة ورأت والدها يجلس هناك وأحست أن الدموع تتجمع في عينيها وهمست (أبي!!) التفت إليها الجميع ولم تعرف كيف وصلت إلى والدها واحتضنته بقوة وهي تنشج بهدوء
قال ممازحا( لقد أصبحت طويلة جدا يا نيلي ) ضحكت من بين دموعها التي مسحتها وقالت (لقد اشتقت إليك كثيرا ,لم لم تخبرني بقدومك اليوم ..)
تدخلت مورا وقالت (حتى نحن لم نعرف ,,لقد أتى مع رايان ) انتبهت دانييل إلى وجود جيريمي وكايت بالإضافة إلى مورا ووالدها وميا ..عندها دخل رايان فضحكت كايت قائلة (عندما نتكلم عن الشر يظهر ) تسمرت دانييل مكانها عندما رأت ,كان أوسم من كل مرة تراه فيها وقد ارتدى بنطال أسود وكنزة كحلية مع سترة بنية ,,لم تره بالملابس العادية فقد تعودت شكله بالبذلات وتلك الابتسامة التي أطلقها لأخته عندما سمعها كانت أروع ابتسامة رأتها في حياتها ,,أحست بوهن في عظام ركبتيها لابتسامته ..
قالت مورا ( ويحك يا كايت ,,إن رايان ليس شر بل هو الابن الذي لم ألده ) واحتضنته بحب ,توقعت أن يبدو غير مرتاحا لعناق عمته فقد رأت ترافيس عندما تحتضنه والدته ,كان يشعر بالحرج لكن رايان احتضن عمته بحب متبادل ,,لم تستطع أن تشيح بنظرها عنه إنه يحيرها ,,إنه يبدو محبا مع الجميع لكن معها ينقلب حاله 180 درجة وترى في عينيه التي ترى فيها الحب الآن ,ترى فيها البغض والكره ...نظر إليها عندما ترك عمته ووجدها تنظر إليه فأشاحت بنظرها بسرعة ,,,رأته يتجه نحوها فأدركت أنه سيجلس بجانبها ,,لاتريده يجلس بجانبه فالمشاعر التي تشعر بها تجاهه لاتريحها لكن لامفر لأن الأريكة التي تجلس عليها هي الوحيدة الفارغة لكن لو تفسح كايت المكان الذي تجلس فيه سيكفيه ,,,,ماهذا؟؟لو نهضت الآن سيشعر الآخرين بما فعلت ,,,تبا لهذا ...
جلس بجانبها وقال لها بعفوية ( كيف حالك يا داني ؟؟)
رمشت بعينيها وقالت بتوتر (ماذا تعني بهذا السؤال ؟)
ابتسم ساخرا وقال ( لا يوجد إلا معنى واحد لهذا السؤال!)
ردت بتوتر ( أنا بخير ما دام أبي كذلك !)
( جيد ) رد ثم أهملها كليا وقد انسجم مع والدها الذي أحسته كأب له أكثر من مجرد زوج عمته ..كيف يحبان بعضهما هكذا
*********************
جلسوا بعد العشاء يرتشفون القهوة وقد بدت دانييل مستغرقة في أفكارها تفكر في العلاقة الوطيدة التي تجمع بين والدها ورايان .
أحس رايان بشرودها فتساءل عما يشغل بالها ,,كانوا يتكلمون عن دروس ميا للموسيقى واعتراضها على هذه الدروس
(إنها صعبة للغاية ) كررت ميا بغضب فتخل رايان وقال
(لنسأل داني !)
التفتت دانييل إليه وقالت (عفوا ؟؟) نظرت إليه متصلبة
سأل رافعا حاجبيه (هل دروس الموسيقى صعبة ؟)
(آه!) رت ثم تابعت ناظرة إلى ميا (إنها ليست صعبة وبإمكاني المساعدة إذا أردت ) حدقتها ميا بنظرة عنيفة وقالت ( لاأريد أن أتعلم !) وخرجت مسرعة من الغرفة فقال والدها ( ما هذا ؟؟)
ردت كايت ( إنها مدللة فقط !) أحست دانييل بالغضب يمتزج داخلها فقالت (اعذروني ) وخرجت خلف ميا سأل الأب (مالذي يحدث؟) مالت كايت على رايان وقالت (لاأدري لنسأل رايان !)
(وما شأني أنا ؟) ثم تابع ( ربما ميا مستاءة لأنها تظن أننا نسينا عيد ميلادها ) لكن كايت أكملت هامسة ( ربما هو شأنك بسبب التوتر الذي ألاحظه بينك وبين دانييل !)
( إنك حمقاء يا كايت ) هزت كتفيها بعدم اقتناع
سمع عمته تقول (أوه لاتقلق فقد أخبرتني نيل أنها ستقوم بهذه المهمة فهي ستقوم بحفلة مفاجأة لأختها )
(أحقا ؟؟) رد رايان بتشكك وقد فرح الجميع
صعدت دانييل السلالم وهي تشعر بالغضب من أختها ..هذا يكفي من الألعاب الطفولية ,وصلت إلى غرفة ميا وقد علق عليها إشارة ابق خارجا ,طرقت الباب عدة مرات لكن لارد ففتحته ووجدت أختها تتصفح مجلة رسوم متحركة وقالت بحدة (ألاتعرفين أن تطرقي الباب ) ردت دانييل بغضب ( لقد طرقته )
( ماذا تريدين ؟) تابعت ميا بوقاحة فسحبت دانييل المجلة منها وقالت (اسمعيني ,أتظنين أني قد أتيت لأفسد حياتك أو آخذ منك أبي ,إنه ليس لي وحدي ,إنه لي ولوالدتك وكايت ورايان ..إنني فقط أريد أن أعرفه ,أريد أن أراه عندما يصرخ....)
قاطعتها ميا (إنه لايصرخ !) ردت دانييل بحزن
(لكني لاأعرف هذا)
ثم سكتت وقد أرادت أن تقول أريد أن نكون أصدقاء لكن ستكتفي بهذا ثم خرجت من الغرفة فاصطدمت برايان عند الباب فتأففت قائلة (ليس أنت أيضا !!) وابتعدت
*************************
مرت ساعة وهي تجلس في الشرفة في زاوية مظلمة مستندة على حاجز الشرفة ....نظرت إلى تحرك أغصان الأشجار واستمعت إلى حفيف الأوراق تحت الليل الدامس الذي تضيئه ألف نجمة والتي تعكس أضواءها على بركة السباحة ومياهها الراكدة التي تكاد تكون مثل السماء في سوادها ..أخذت تنظر إلى ذلك براحة وهدوء ناسية ما وتر أعصابها قبل وقت قريب .
كادت أن تنام من الهدوء والسكينة فالجميع لابد أن يكونوا نيام الآن .سمعت حركة عند باب الشرفة فرأت ظلا طويلا لم تتبينه لكنها أحست بشيء غريب يسري في أوصالها ..تقدم ذلك الشخص حتى ظهر وجهه تحت ضوء النجوم ,أظهرته أضواء النجوم الخافتة وسيما جدا فحبست أنفاسها ,,لقد جعلها متأرجحة بين مشاعر لم تألفها ,,,لماذا أتى ؟؟ثم تذكرت أنها رأته عند غرفة ميا فتأجج غضبها ..أيظن أنها ستجرح أختها الوحيدة ؟
تصاعد غضبها فأشاحت بنظرها وقد لاحظها فتقدم منها ..
تمتمت بصوت مسموع لتجرحه (لقد تساءلت ما سيفسد هذا المنظر علي؟؟) استند على الحاجز ولم ينظر إليها بل نظر إلى الأشجار التي تحيط بهم كالأسوار (حقا وماهو ذلك ؟)كان صوته أجشا وظهرت فيه لكنة خفيفة فاستغربت لأنها لن تنتبه لذلك
أجبته بحدة (أنت ) ونظرت إليه متوقعة أن ترى الغضب لكن لدهشتها ضحك ضحكة خفيفة ..إنه لم يضحك لها أبدا
وبهذه المسافة القريبة ,أحست باندفاع حمرة الخجل إلى خديها حتى كادت أن تلمسها لتخفف الاحمرار لكنها لم تفعل ولم تستطع أن توقف خفقان قلبها الأحمق ،ماذا دهاها ؟؟
لحسن حظها لم تكن الأضاءة قوية ليلاحظ ماحدث من تغيرات في وجهها لكن مزاجه تبدل عندما لاحظ سكوتها وتحديقها به فقال (ما بك؟)عادت ملامحه إلى العبوس مع أنها لاتحب هذه الملامح لكنها أسلم لها من ابتسامته الجذابة ,ردت (لاشيء ,لكني ظننت أنك تتكلم بلكنة .لابد أنيي أتخيل لأنك أميركي ..) قالت جملتها الأخيرة بهمس وكأنها تكلم نفسها ..أخذ يحدق إليها للحظات ثم استدار عنها وتهالك على الأريكة التي في الشرفة وقال بملل
(لا تقولي لي أن كايت لم تخبرك عنا ..)
نظرت إليه وقالت (عنكم؟؟)
(أنا ,هي وعمتي؟؟) قال بعدم تصديق وفهمت قصده فقالت بنفاذ صبر(ماذا تعني؟) لمعت عيناها تحت الضوء الخفيف فبدت جميلة جدا حتى بشعرها الكستنائي المربوط إلى الخلف والغير مرتب وقد بدت بشرتها بلون الفضية النقية تحت النجوم .
وضع رايان يده على جبينه مغمضا عينيه ليبعد عنه الصورة الجميلة عنها بلمعان عينيها وبشرتها الجميلة ..ماذا دهاه؟*قل لها ما تريد واذهب فلديك مناوبة بعد أربع ساعات *لابد أنه الإرهاق الذي يجعله يهلوس هكذا ,قال بنفاذ صبر
(نحن إيرلنديون )
(أحقا؟) ردت بلهجة فكتمت حماسها عندما رأته يدعك جبينه فقالت(يجب أن تذهب لتنام .) رفع رأسه بحدة فأكملت وهي مرتبكة وخافت أن يفهمها خطأ ( أقصد أنك تبدو متعبا ولديك عمل في الغد !!) ثم صمتت وقد أحست بالغباء لما قالته ..
حدق بها للحظات ثم قال بجدية ( اسمعي,أظن بأن العائلة لاحظت ما يحصل بيني وبينك ..لذلك..)
قاطعته ( مايحصل بيني وبينك ؟ماذا يعني هذا ؟)
(أقصد ما يحصل من مشاجرات لأن كايت لاحظت وبما أنها لاحظت هذا يعني أن عمتي لابد قد لاحظت لذلك يجب أن نتظاهر بعدم كره بعضنا حتى نقوم بتسوية ما بيننا )
ردت بحدة (قد ننجح بذلك إذا قمت بشيء واحد وهو أن تتخلى عن الأفكار الحمقاء التي كونتها عني ) وتابعت بغضب وتهور (ليس لأن امرأة مختلة خانتك يعني أن كل النساء مثلها فأصابع اليد غير متساوية !) لاحظت أنها تمادت لأنها رأت ملامحه تسود وفكه يشتد فهمست (أنا آسفة ) نهض واقترب منها حتى أصبحت تشم رائحة عطرة فارتجفت ظنا منها أنه سوف يضربها لكنه قال ( لقد جئت ظنا مني أن بإمكاني القيام بمعاهدة صداقة كما يقول السياسيون لكنني غيرت رأيي ,,وأتعرفين المثل القائل أبق أصدقائك قريبين ....أنا متأكد أنك تعرفين البقية ..)
فأكملت هامسة ( وأعدائك أقرب ..هل أصبحت العدو الآن ؟؟؟)
هز كتفيه وكأنه يقول لها أنها لم تبق لديه أي خيار ..
قالت بكل مرارة( لماذ تفعل هذا؟)
قال (أنت تعرفين لماذا , وأيضا ألم تقولي بأنك لا تريدين صديقا مختلا مثلي ؟؟) ثم تابع ببرود مخيف ( وأيضا لا تبدي رأيك في ما لايعنيك ,فأنت لاتعرفين عني شيئا )
قالت ساخرة (أذكر أنني قلت نفس الشيء عني ) لكنه لم يستمع لها واستدار خارجا فنادته (رايان!)
(نعم ,عزيزتي !) رد بسخرية
قالت بتصميم ( عندما تعرف الحقيقة وتعرف أنك مخطئ ,
ستعض أصابعك ندما )
أجاب ليغيظها ( لا ,لن أفعل لأنني أعرف الحقيقة وأعرف أنني دائما محق ) أحست بالجنون لثقته فصرخت به
(ولا تنادني بعزيزتي ,فأنا لست عزيزتك أيها الأبله ) لكن الصمت هو الوحيد الذي رد فتهالكت على الأريكة والغيظ يأكلها ..
أنت تقرأ
""عيناك عذابي... مميزة ومكتملة ""/الكاتب الاصلي : dew
Romanceخرجت دانييل وهي تفكر من يكون هذا الرجل ؟؟ولماذا يبحث عنها ؟ ركبت سيارتها اللاند روفر الكحلية متوجهة الى منزلها .لقد كانت تسكن في المنزل الذي كانت والدتها تسكن فيه بعد أن ذهبت دانييل الى الجامعة وهو طبعا ليس المنزل الذي كانت تسكن فيه عندما كانت صغيرة...