((الفصل التاسع ))

4.3K 75 1
                                    

((الفصل التاسع ))


أرادت أن تتصل بترافيس الساعة الرابعة فجرا ,,فهي لم تذق طعم النوم ,,طوال الليل أخذت تتقلب في فراشها ..وتحلم بكوابيس مزعجة جعلتها تستسلم وتستيقظ ...أرادت أن تخبر شخص ما عما يقض مضجعها ,,رفعت سماعة الهاتف في غرفتها لكنها أحست بتأنيب الضمير ...قد يكون نائما لكنها تريد أن تخبره أو تخبر جيسيكا ..وضعت سماعة الهاتف ثم رفعت ساقيها وجلست جاعلة ركبتيها تصل إلى صدرها وأخذت تفكر ..مالذي جعل والدها يعطي والدتها ذلك المبلغ الكبير من المال ومن شركة ليست شركته وحده بل هي شركة مورا وابني أخيها وابنته الصغيرة ..ليس لديه الحق ..حتى ولو كان ذلك هو ثمن ابتعاده عنهم ..وثمن نفقتها هي ووالدتها ...هل كان يظن أنه بهذا المال سيشتري سعادتها ؟ هل يظن حقا أن ذلك المال سيعوض سنين من الاشتياق له ومعاناتها من فقدان حبه ..كلا ! لن يعوض أبدا ,,هل نسي الحب والعطف الذي كانت تنتظره ؟ أو مجرد وجوده عندما كسرت ساقها بعد طلاقهما مباشرة ,, كانت تتجه إلى المدرسة على دراجتها عندما خرج شخص من اللامكان وكادت أن تصطدم به لكنها انحرفت بدراجتها وانقلبت ,,كان ذلك الشخص هو ترافيس وهكذا التقت به وبوالده الذي أخذها إلى المشفى مباشرة ,,غالبت دموعها وألمها ذلك لعدم تواجد والدتها لأنها كانت في جلسة استماع في المحكمة مع أحد زبائنها وشعرت بحزن عظيم لعدم تواجد أبويها معها في ذلك اليوم المشؤوم ,,,ومنذ ذلك اليوم بدأت صداقتها مع ترافيس وعائلته اللطيفة .كانت والدتها قد عادت إلى ممارسة المحاماة التي تركتها عند زواجها واكتفت بكونها أستاذة حقوق ,, مما أشعلها عنها ..
تدحرجت دمعتان على خديها وهي تتذكر المرات التي تأخرت فيها في المدرسة والمسرحيات التي كانت تعزف فيها والتي لم تحضرها والدتها أو حتى تأخرت في حضورها ,,
رمت بنفسها على الوسادة ودموعها تتساقط على وجنتيها كالشلال وهي لاتزال تشد على صدرها بساقيها ,,لم تكن تريد أن تذهب للركض ,,ضحكت بسخرية من نفسها ,,لطالما كان الركض دواءها إلى جانب الموسيقى والقراءة من الأحزان لكنها لاتريد أن تذهب ,,,,
مرت أكثر من عشرين دقيقة وهي مستلقية بدون أي حركة ,عندها قررت أن تخرج للركض.
ارتدت ملابس الركض وعقصت شعرها ,,لقد ذهبت مبكرة عن موعدها الاعتيادي لكنها لم تهتم .نزلت السلالم بهدوء يعم الأرجاء ..وصلت إلى الباب الأمامي( أليس الوقت مبكرا قليلا على الركض؟) جاءها صوته الساخر وتسمرت مكانها
رباه! هل من المعقول أنها من كثرة حبها له أصبحت تتخيل صوته ,,
استدارت نصف استدارة ويدها على مقبض الباب ,,إنه هناك يقف عند نهاية السلالم بجانب غرفة الجلوس
تسارعت نبضات قلبها لرؤيته ..فعلى الرغم من منظره في عباءة النوم وشعره المبعثر والذي يدل على أنه استيقظ من نوم مريح إلا أن هناك هالة من الجاذبية والثقة تحيط به
ازدردت ريقها بعد أن أيقنت أنه ينتظر جوابا منها ,فجاء صوتها بارد ولا مباليا قائلة
(لقد اكتفيت من النوم فقلت لمَ لا أبدأ مبكرة هذا اليوم الرائع؟)
هز رأسه بدون أن يقول كلمة وكأنه لا يصدقها فانتبهت إلى الكوب الذي يحمله فقال (حسنا ,تمتعي بركضك!) وأكمل في نفسه *وبأفكارك*
تمتمت (شكرا ,وأنت أيضا )
نظر إليها متسائلا وقد خشي أن يكون قد عبر
عن أفكاره بصوت عالي
قالت شارحة (تمتع بما تشربه)
ابتسم وقال (شكرا ,ولو أنه مجرد كوب من الماء)
ردت إليه الابتسامة (أراك لاحقا ) وفتحت الباب لتخرج
(داني؟)
تسمرت مكانها عندما سمعت صوته يناديها ...ماذا يريد ؟
ألن يطلق سراحها ؟ألا يدرك عذابها؟
قالت وهي تدير ظهرها له (نعم؟)
(كوني حذرة من المجانين الذين يجوبون الشوارع)
لم تصدق ماسمعت ..رايان يهتم بها !
استدارت بسرعة فرأته عند الفسحة التي في السلالم فقال
(أراك لاحقا ..) ورفع يده بإشارة وداع وأكمل طريقه
صاعدا السلالم ..
لدقيقة كاملة لم تستطع التحرك حتى سمعت صوت باب غرفته يقفل بهدوء في البيت الساكن ..استجمعت شتات نفسها ثم خرجت .
لم تعرف ما حصل لكن أحست بان كيانها كله قد شحن بدفعة من الفرح والسعادة ..أهذا كله لأنه تكلم معها ولو كلمات تافهة ؟ أهذا لأنه قال لها أن تتوخى الحذر ..بضع كلمات متعارف عليها ملأت حياتها ولو لساعة طوال ركضها بالسعادة والرضى والأمل بأن الحياة ليست دائما بهذه السوداوية .هذه الكلمات التي لطالما اعتبرتها مملة مع والدتها أو حتى مع تشارلي الذي كان بمثابة ......لن تقول الأب ..بل العم او الخال ..هذه الكلمات خرجت من حبيبها كالذهب النقي .
حبـــــيــــبــــهــــا؟؟!!
توقفت عن الركض ..وتباطأت خطواتها وقد وصلت إلى البحر ,,أي حبيب هذا؟ هل هو رايان المبتسم والذي قضت معه أجمل ثلاث ساعات في حياتها أم هو ذلك الذي اتهمها في أول يوم لوصولها بالاحتيال؟
لأنهما شخص واحد ,,فأيهما أحبت وحتى لو أحبته فهي لن تسمع الكلمات التي تريده أن يقولها ..لأنه ماإن يعرف بأن صاحب ذلك الحساب هو والدتها ,حتى يتغير بل يجب أن تقول يعود لشخصيته الحقيقية ...
هل هو حقا ذلك الشخص الساخر المليء بالكراهية والبرود أم هو ذلك المرح والذي تضيء بسمته عالمها كله ؟
لن يحبها أبدا ,,ستبقى تذكره بصوفيا وما فعلته به ..لكن هل حقا هي تشبهها لهذا الحد ؟ هل لها نفس الشعر ونفس العينين ؟
كانت تقف مواجهة للبحر وخيوط الصبا تتسلل بخجل من خلف الغيوم السوداء فجلست لتراقب الشروق الذي بدا في هذه اللحظة لها كئيبا بشكل فظيع وممل أيضا ..

******

حاول مستميتا العودة إلى النوم ,لكنه لم يستطع ...مالذي جرى له ؟
ألأنه رآها قبل قليل ولم يتوقع رؤيتها أحس بكل هذا ؟ حسنا ..هذا صحيح!
لأنه كان يفكر فيها قبل نومه وعندما استسلم للنوم ..أخذ يحلم بها ,,أحلام جميلة جدا عنه وعنها لكن يتخللها التعقيد
كانت تمشي إليه وهي في أبهى حلة مرتدية فستانا ذهبيا يميل إلى النحاسي فنظر إليها مسحورا بجمالها وبراءتها ,,وعندما وصلت إليه قالت بدون أي مقدمات مما أصابه الذهول (أنا أحبك !) ,,لم يستطع أن يصدق وتحول ذهوله إلى فرح غامض . عندها ظهرت صوفيا من اللامكان وظهر ذلك التحري ليخبراها عن ذلك التحقيق الخاص الذي قام به بشأنها فتحول حبها الناري إلى رماد بارد واستدارت تاركة إياه يغرق في بحر شكوكه وأوهامه ,,أراد أن يناديها ليشرح لها لكن صوته لم يخرج ..عندها استيقظ وهو يحس بالاختناق وبالجفاف فنزل ليشرب وقد وجدها أمامه ,,جميلة وقد عقصت شعرها بطريقة عفوية وعيناها تتألقان في ضوء البيت الخافت لكن ليس كتألقها الدائم فقد كان هناك غموض في عينيها وتساؤل وحزن أيضا ,,مالذي يكدرها هكذ؟
أكل هذا حدث بشأن ذلك الحساب المجهول ؟هل تعرفه؟ هل هو حسابها الخاص ؟لابد أنها تعرفه وإلا لما أصيبت بذلك الذهول والشحوب الذي اعترى وجهها الجميل .سيسأل عن هذا الرقم في الصباح ,سيسأل جوناثان ولن يتزحزح من مكانه حتى يعلم ..نظر إلى الساعة ,,لقد مرت ساعة ,متى ستعود ؟ نفض الغطاء ونهض بخفة لينظر إلى الشروق من شرفة غرفته ثم قام ببعض التمارين الرياضية ومشى قليلا على جهاز المشي ,,لقد اشتراه لأن ليس لديه الوقت ليركض كما تركض هي ,,أراد أن يرافقها لكنه أيقن أنها لاتريد لأحد ان يرافقها ,,أخذ يتدرب ونسيم الصباح يعبث بشعره ..عندما مرت ساعة ونصف أنهى تدريبه واستحم فيها ,كانت لم تعد بعد ,,مالذي جرى لها ؟إنها لاتتأخر بهذا القدر ,,هل أصيبت بشيء؟
ولم يستطع أن يفسر شعور القلق الذي ينتابه بشأنها ,,,عنَّف نفسه قائلا أن دانييل باركر تستطيع الاعتناء بنفسها
سمع صوت سيارة تقترب ..من الذي سيأتي هذا الصباح ؟
وفي السابعة والنصف أيضا !! اقترب من النافذة وفتحها ليخرج إلى الشرفة ....ياإلهي!! ,,مالذي أتى به إلى هنا؟ لقد عرفه من نوعية السيارة التي يقودها فعلى الرغم من بلوغه الثمانين إلا أنه يقود سيارة تصلح لشباب في مثل عمر كايت
*ملك النسيج أتى !!!*
تمتم بذلك وقد أحس أن المشاكل قد كشفت عن أنيابها ,رأى جده وهو يخرج بكل عنفوان وأنفة وكأن هذا المنزل لايليق به وأيضا من دون أثر للتعب من قيادة السيارة
*لايجب عليه أن يقود في سن كهذا *
ارتدى ثيابه وخرج من غرفته وتوقف عند غرفة عمته وجوناثان وطرق الباب طرقات خفيفة وانتظر لكن سرعان ماانفتح الباب ووقفت عمته بكل جمال مرتدية فستانا جميلا
اندهش رايان وقال( واو ,تبدين جميلة )
انضم جوناثان إلى زوجته وقد ارتدى ملابس جميلة لكن ليست برسمية ملابس مورا وقال(يجب أن تكون كذلك ,فكما تعرف...)
وأكمل الاثنان كلامهما معا( ملك النسيج قد أتى !) وضحكا معا مما أسخط مورا فقالت (كفى ,أنتما الاثنان .سأذهب الآن لأرتدي الباب...)
قال رايان (لاأظن لذلك داع ,فأنت ترتدين ملابس جميلة كما أن الباب ثقيل عليك ,,,) فضحك جوناثان
(أقصد ,سأذهب لأفتح الباب وأنتما كفا عن مزاحكما الثقيل ..)
يالها من علاقة غريبة تلك التي تجمع مورا بوالدها ,,فلطالما انتاب مورا التوتر والارتباك عندما يزورها روبرت ويليامز لكنها حاولت ألا يظهر ذلك عليها ..
وقف رجل غزا شعره البني في وقت مضى الشعر الأبيض إلا أنه لا يزال يحتفظ بثقته التي أضفت عليه مزيج من الكبرياء والجاذبية ,,
(مرحبا بك ياأبي ) قالت مورا وقبلت والها على خديه ,
(عزيزتي ,تبدين جميلة ومتعبة أيضا ...) أنهى كلامه معنفا
(هذا لأنها استيقظت مبكرة لتجهز غرفتك ,كيف حالك يا روبرت رد جوناثان مقتربا من زوجته وأحاطها بذراعه
نظر روبرت إلى جوناثان بشيء من التحفظ وقال( جوناثان ! أرى انك تبدو بحال جيدة نظرا لما حصل لك في الآونة الأخيرة .)
(هذا بفضل رايان ..) ونظر إلى رايان الذي كان يقف بعيدا عنهم ,,
نظر إليه روبرت وهو يفكر كم كبر حفيده !
فهاهو ناضج ورجل كما تمنى والده
قال روبرت بتأثر( رايان! كيف حالك يا بني؟)
تقدم رايان إليه ومد يده ليصافح جده وكأنه غريب عنه وهذا صحيح إلى حد ما
أجاب رايان( أنا بخير ,وأنت؟)
رد روبرت بكبرياء (بالطبع أنا بخير ) مشكلة الاثنين أنهما عنيدين ولن يقبل أي منهما بالتنازل عن كبريائه والبدء بهدنة فكل منهما يحمل في قلبه معاناة وذكريات مريرة تعود إلى سنين خلت ..
جلسوا في المطبخ بعد جدال دار بين مورا وروبرت الذي أصر على الجلوس في المطبخ بينما أصرت مورا على غرفة الجلوس
جلس رايان متململا ناظرا إلى ساعته بين الحين والآخر متمنيا لو يذهب ويبحث عنها ويتمنى لو ينتشلها من ذهنه أيضا
مابها؟ مالذي أخرها هكذا؟
فكر بسخرية ,,ألم تكتف من الركض العدّاءة الأولمبية ؟
انتبه إلى جده الذي قال (هل لازلت تعمل كطبيب؟)
كانت هذه المسألة حساسة جدا بالنسبة إلى الجد الذي لطالما تمنى ان يتخذ ابنه وحفيده نفس المهنة الذي اتخذها وغضب جدا عندما اتخذ ادموند مهنة الطب ,,قد يكون هذا أنانيا لكنه أراد أن يخلفه ابنه عندما يتقاعد من الشركة
حاول بعد اتخاذ إدموند مهنة الطب أن يتكيف مع الوضع وللأسف لم يستطع
رد رايان بجمود وقد علم مايدور في ذهن جده (نعم ,لازلت أعمل كطبيب,,)ثم صمت منهيا الحديث لكن عمته أكملت بفخر(لكنه الآن يعمل الآن بنصف دوام في المستشفى وبقية اليوم في الشركة ووهو الذي يقوم يتمويل المستشفى الذي يعمل به ,ألا يدعو هذا للفخر؟)
قال جده بصوت غريب (بلى ,إنه كذلك...)
كانت فكرة تمويل المستشفى فكرة رايان فقد تعرض المشفى الذي يعمل به إلى نوع من الصفقات السيئة فقد قامت إحدى الشركات التي يتعامل معها المشفى بالاحتيال عليهم وتمويلهم أدوية تنتهي مدة صلاحيتها بعد شهر فقط من تسليمها للمشفى فقام المجلس الاداري بفض اتفاقيتهم مع تلك الشركة فعرض رايان تمويل الشركة

كره رايان أن يكون محط اهتمام الجالسين ,كما كره قلقه المتواصل على تلك المتهورة المدعوة دانييل !أين هي ؟ لقد تعدت الساعة الثامنة والنصف وهي لاتزال غائبة
سينتظر عشر دقائق فإن لم تأت فسيذهب للبحث عنها
سمعوا وقع أقدام تقترب منهم ولم يلبث إلا أن فتح الباب بقوة
(جدي!(
كانت تلك ميا التي ألقت بذراعيها حول جدها والذي أخذ يعانقها بقوة
(كيف حال صغيرتي الجميلة ؟)
(أنا بخير ,لم لم تقل لي بأنك ستأتي ؟كنت انتظرتك عند الباب )
(لقد أردت أن أجعلها مفاجأة لك ,وقد جلبت لك هدية جميلة)
لم يسبق أن راى رايان جده بهذه المودة والحنان ,فقد كانت علاقته هو وكايت مع جده سطحية جدا فقد كان يكتفي فقط بجلب الهدايا ويترك أمر الاهتمام والرعاية والحب إلى جدتهما التي توفيت منذ ثلاثة سنوات ,,لم يكن يحب أن يعانقه أي منهما ولم يكن فيه صفات أي جد عادي
(هدية أخرى ؟لكنك جلبت لي هدية يوم عيد ميلادي )
(ومالضير في ذلك ؟ألا أستطيع أن أجلب لك هدية أخرى ؟)
(لا .لاتستطيع ذلك لأنك ستفسدها بالدلال !)
كانت هذه كايت التي دخلت وعلى ملامحها الجميل علامات الغضب والاستياء..
ساد صمت في المطبخ إثر تعليقها العاصف ,فنهض روبرت وتقدم إليها قائلا برقة (عزيزتي كايت ,إنك تزدادين شبها بجدتك يوما بعد يوم ..)
ضمها إليه فأجفلت كايت لهذا ,لم تتعود من جدها هذا الحنان .ماذا حصل له؟
شعر روبرت بها تجفل ولم يلمها لأنه لم يكن قريبا من حفيديه ..تركها وهو يشعر بالحزن عندها لمح الخاتم في اصبعها
قال بتهور (ألن يتزوجك ذلك الأحمق جيريمي ؟)
تصليت كتفا كايت ونظر رايان إلى جده باستياء ..أهكذا يسأل عن أحوال حفيدته ؟ عندها أنقذت مورا الموقف قائلة (إن كايت ستتزوج بعد أربعة أشهر يا أبي )
تفاجأ روبرت ولم يصدق ماسمعه (أهذا صحيح؟)
قالت كايت بعناد (نعم ,هذا صحيح .واذا كان لديك أي اعتراضات ....) صمتت وهي تلتقط تفاحة وتهم بالخروج من المطبخ وأضافت (فالأوان قد فات على تقديمها ) ثم خرجت
ازدادت خيبة أمل روبرت من هذا اللقاء فقد كان يأمل أن تتحسن علاقته مع أحفاده الكبار فهو مقصر في حقهم منذ زمن بعيد وهو يحاول منذ أن توفيت زوجته أن يعوضهم عن حنان جدتهم الذي فقدوه كانت مهمته تقتصر _عندما زوجته حية_على تقديم الهدايا وعلى زوجته الحنان والمحبة وهو مستغرق في العمل
حاولت مورا أن تغير الأجواء ,لطالما كانت الابنة المطيعة ,,تطيعه في كل شيء ماعدا عندما تزوجت جوناثان ,,
قالت مورا بلهجة تشبه الرجاء من ميا
( ميا ,لم لاتذهبين وتنادين نيل لتقابل جدك؟)
أجابت وهي مستغرقة في أكل فطورها (لكنها ليست في غرفتها!)
تفاجأ جوناثان (لكن أين يمكن أن تكون؟)
أجاب رايان بهدوء مصطنع (قابلتها قبل أن تذهب ,كانت تريد الركض مبكرا )
تبادل جوناثان النظرات مع مورا خفية ,,نظرات ذات معنى
سأل روبرت (من نيل؟)
اجابت ميا بسرعة (إنها اختي واسمها دانييل لكننا نسميها نيل وهي تعزف البيانو بشكل رائع!)
(أختك؟! مورا عمن تتحدث الطفلة لم أفهم شيئا )
استنجد بابنته التي ابتسمت
(إنها ابنة جوناثان ..إنك تعرفها لقد رأيت صورتها على منضدة المدفأة )
(وهناك صورة أخرى في المكتب )قال جوناثان
قالت مورا وقد أرادت أن تدرس ردة فعل رايان (إنها جميلة جدا ,ستحبها ياأبي فهي رائعة ,أليس كذلك يا رايان ؟)
نظر رايان نحو عمته وقد علم بمخططها ..فأراد أن يراوغ في إجابته لكنه علم اان عمته ستفوز فقال(نعم ,هي كذلك )
وثبت نظره على عمته التي رأى في عينيها السعادة لإجابته ,,تبا لذلك .
(لكن ,مع كل احترامي يا جون لم تكن ابنتك جميلة ..فقد شاهدت صورتها ..إنها تبدو مثل الأولاد ..)علق روبرت
(لقد تغيرت ..) قال جوناثان بنبرة حزينة
عندها انفتح الباب الخلفي للمطبخ ودخلت منه دانييل ,,لم يعلم رايان مقدار قلقه عليها إلا عندما رآها تدخل بسلام عبر الباب
دخلت ولم تنتبه للموجودين فقد كانت مستغرقة في التفكير وكان شعرها مبللا وعيناها غائرتين تظللها ظلال سوداء من تحتها ,,ماذا حصل لها ؟ قطب رايان حاجبيه مستغربا
تسمرت عندما رأت الجميع ينظرون إليها وكأنها لم تتوقع أن تراهم ,,همست بخوف (ماذا حصل؟ )
ضحكت مورا وتقدمت نحوها محيطة إياها بذراعيها قائلة (لقد جئت في الوقت المناسب ,,أريدك أن تقابلي أبي)
أرادت دانييل في تلك اللحظة أن تختفي ,,أن تنشق الأرض وتبتلعها ..إنها ليست في شكل لائق لمقابلة ضيوف وخاصة هو ,,فقد أرادت أن تترك انطباعا جيدا ..وليس البنطال الكاكي والقميص البني بالملابس اللائقة ..*تبا لي *
احمروجهها وهي تصافح والد مورا وقدم نفسه بشكل لبق وقد غض الطرف عن شكلها فلم يعلق ..أحست بالخجل فرفعت يدها تملس شعرها شأنها عندما تكون محرجة ..تسمرت يدها مكانها عندما شعرت بالبلل في شعرها ,,
تبا ,تبا ,تبا ..
لقد نسيت أنها رشت شعرها بالماء عندما كانت عند البحر وقد استرسل على كتفيها بعد أم حلت الرباط الذي تربطه به
مالذي جعلها تدخل من الباب الخلفي ..فلو أنها دخلت من الباب الأمامي لما تعرضت لهذا كله ..
التفتت نحو رايان فرأته يحاول كتم ضحكته ,,تبا له ..إنه يستمتع برؤيتها محرجة ,,لقد كان في غاية الأناقة بل الجميع كذلك
ماعدا ميا بالطبع التي كانت لاتزال في ملابس نومها ,,
لابد أنه كان يعلم أن جده قادم عندما التقته ولم يخبرها عن ذلك ,,سددت إليه نظرة ثاقبة تتهمه بصمت فرفع حاجبيه بكسل
(لقد كنا نتكلم عنك قبل قليل ) أجفلت عندما سمعت صوت روبرت ويليامز..لقد كان صوته عميقا قويا وحادا لايوحي بكبر سنه
(أرجو أن يكون خير ) ردت بنبرة مازحة
أجاب روبرت (كل خير يا عزيزتي .لاتقلقي)
اندهشت دانييل من التشابه بينه وبين حفيده ,,فرايان يشبهه كثيرا ,,ملامح الوجه ,الأنف الارستقراطي ,حدة العينين ولونهما ,ماعدا أن العجوز كان يغطي شعره الذي لم تتبين لونه الشعر الأبيض والرمادي وشعر رايان أسود
(لاأظن أنها تمطر بالخارج ,أليس كذلك يا داني ؟) سأل رايان ساخرا
لم تفهم دانييل قصده فأجابته بصدق (كلا ,لم تكن تمطر)
(فلماذا شعرك مبلل ؟!) ولاح شبح ابتسامة ماكرة على وجهه الوسيم
قالت مورا (صحيح ,لماذا تبلل شعرك ؟)ونظر إليها والدها وروبرت ,,
نظرت إليه وهي تكاد تقتله بنظراتها ,ألا يكفي أن جده رآها هكذا فيزيد من ملاحظاته الساخرة ,,
لم تجد أي مهرب من السؤال فأجابته بشجاعة (لقد رششت نفسي بماء البحر لأتنشط ..)
ضحك والدها وقال(هذه ابنتي)
أكمل رايان ساخرا (جيد أنك لم تستحمي بها !) ثم نهض وهو يهم بالخروج
تأجج غضب دانييل فقالت بتهور (ربما أفعل في المرة القادمة)
)انتبهي ألا تصابي بالبرد )
(لن أفعل ,دكتور !!) وشددت على الكلمة الأخيرة بسخرية ..فابتسم
(جيد ,والآن سأذهب ,,أراكم لاحقا ) نظر إلى دانييل لثوان ثم خرج
ساد صمت غير مفهوم بعد خروجه ,,فلم تعرف ماتقول ..فتذكرت أن عليها أن تستحم أيضا فقالت على عجل (اعذروني ,سأذهب لأبدل ملابسي)
وخرجت .
التقت رايان عند السلالم فقالت هامسة بغضب (لمَ لم تقل لي أن جدك قادم هذا الصباح ؟)
كان يرتدي سترته فقال (لم أكن أعرف بقدومه )
أكملت هامسة (أتريدني أن أصدقك؟ إنك لا تطاق !)
(سؤال ؟)رفع سبابته في وجهها مستفسرا
(ماهو ؟) همست غاضبة ..فنزل الدرجة الأخيرة وأصبح مواجها لها ثم قال مقلدا صوتها (لماذا تهمسين؟)وابتسم ابتسامة عريضة
رباه ! بإمكان المرأة أن تموت من تأثير هذه الابتسامة الرائعة
تشوشت بفعل ابتسامته وقالت بصوت أجش (لاأعرف )
ساد صمت غريب ,وكان ينظر إليها نظرات غريبة ,,لولا معرفتها به لقالت أنها نظرات إعجاب ,,يجب أن تتحرك من هنا ,,
أخذت تتمتم (سأدعك تذهب ,,أراك لاحقا )
ماإن صعدت أولى درحات السلم حتى أمسك ذراعها ,,لم تكن القبضة قوية لكنها كانت كافية لإيقافها ..صعدت شحنة كهربائية هزت جسدها كله
ازدردت ريقها ببطء وصعوبة والتفتت إليه ,,قال برقة
(هل أنت بخير؟ )
استغربت سؤاله فأجابت (بالطبع ,أنا بخير ) صمتت قليلا ثم أكملت ساخرة (مابك يارايان ؟لم يرني جدك مغمسة بالوحل !
سأتغلب على موقفي)
لم يكن يعني هذا ..لكن يبدو أنها لاتريد التحدث بشأن مايزعجها وماسبب الهالات السوداء تحت عينيها الغائرتين ..وهو أيضا لم يصدق أنه سألها بهذه الرقة ,,فقد انزلق السؤال بسرعة قبل أن يكتمه
(آسف إن كنت ازعجتك ) ترك يدها بخفة وقد كره أن يتركها لسبب ما ,,أحس بابتعاد البهجة عنه عندما ترك يدها الصغيرة
ابتسمت وقالت (لم تزعجني ,بل على العكس .إنه شعور جيد أن تعلم ان هناك من يهتم ! أراك لاحقا .يجب أن تذهب وإلا تأخرت على عملك)
ثم أكملت طريقها بخفة على السلالم
..أخذ ينظر إليها مفكرا مالذي يزعجها
هذه الفتاة بارعة في كتم انفعالاتها !
التقط حقيبته ثم خرج وهو لايشعر بأدنى رغبة في العمل ,,شعور لأول مرة يشعر به .

*******

مالذي عناه بذلك السؤال ؟فكرت وهي تستحم ,,لقد كان في عينيه تساؤل واهتمام ..وكأنه حقا أراد ان يعرف مالذي يزعجها
لكن كيف عرف أن هناك مايزعجها ؟ وجدت الإجابة عندا نظرت إلى المرآة ورأت وجهها المتعب
أمضت الصباح وهي تراقب الشمس تشرق ولأول مرة لم يفلح ذلك المنظر أن يمحو تلك الأفكار التي تتزاحم في رأسها
مرت بها لحظات أرادت فيها أن تغوص في أعماق البحر الهائج ,,أن تصل إلى أعماقه المظلمة ولاتعود أبدا ,,أرادت ان تسبح داخله مع الأسماك ولاتعود
كانت الساعة العاشرة صباحا عندما انتهت من الاستحمام ,,ثم استلقت على سريرها شاعرة بالاسترخاء والراحة تدب في أوصالها
وغرقت في نوم عميق متكومة تحت الغطاء الدافئ كطفل صغير

""عيناك عذابي... مميزة ومكتملة ""/الكاتب الاصلي : dewحيث تعيش القصص. اكتشف الآن