الجزء 05

80 1 0
                                    


وصلت العربة مدينة شندى والشمس تصلي الأرض بشواظ من النار، نزلت ملكة دون أن تتلفت كثيراً هذه المرة كعادة أهل القرى، فقد غدت أكثر تمرساً على حياة المدن.. اتجهت صوب موقف سيارات الأجرة واستقلت أحداها بعد أن أعطت السائق الورقة التي بها العنوان.. انطلقت العربة تشق شوارع شندى المتربة، مثيرة في سيرها عاصفة من الغبار.. وصلت السيارة إلى العنوان المطلوب.. نزلت ملكة وهي تحضن صرة ملابسها بقوة، خاصة بعد أن عرفت أهمية الأوراق والمنشورات التي تحملها.. اقتربت من الباب الحديدي المطلي باللون الأحمر وقرعته برفق، قرعات رتيبة، بدأت حركة غير عادية تدب داخل المنزل الهادئ الذي كان يبدو شبه مهجور من فرط الهدوء المخيم عليه.. انفتح الباب واطلت منه عينان مذعورتان لشاب في مقتبل العمر، اعتاد مداهمة رجال الأمن، عندما لمح الزائرة ذات المظهر الساذج اطمأن قلبه، وابتسمت له ملكة مشجعة.

- السلام عليكم.

- أهلاً يا والده.. تفضلي بالدخول.

قال الشاب ذلك بهدوء لا يخلو من الحذر وأفسح لها الطريق وما كادت تتوسط الفناء حتى قفز ثلاث شباب آخرين من على حائط المنزل المجاور.. أثار ذلك فزع ملكة لأول وهلة.. ضحك الأربعة وأخذوا ينظرون إلى ملكة في دهشة لم تدم طويلاً..

- ءأنتم جماعة الأشباح؟

باغت هذا الاستفسار الشباب الذي فتح الباب

- نعم .. من أين عرفتي هذا الاسم السري.

- ارسلني لكم عصام عبد الجواد، مهندس في اسمنت عطبره.

- عصام أبو خير.. يا هلا بك.

ذابت جميع ثلوج الشك في نفوس الشباب وكان فرحهم بوجود ملكة بينهم عظيماً ودخلوا إلى حجرة العمليات، كانت بها آلة كاتبة وأوراق طباعة وشعار مكتوب على قماشة وأربعة أسرة، جلست ملكة على إحداها تتأمل هذه الخلية النشطة في اعتزاز ثم فتحت صرت الملابس وأخرجت المنشورات وسلمتها إلى الشاب الذي فتح الباب.. فض الشباب المظروف المرفق مع المنشورات وأخذ يقرأ وبين الفينة والفنية ينظر إلى ملكة في اعجاب شديد ثم ردد في انبهار.

- هذه المرأة عظيمة.. كما يقول عصام.

التفت الشاب إلى ملكة في اعجاب شديد معرفاً نفسه

- نحن مجموعة الأشباح، أن بكور، وهذا عمر شوكة وهذا عثمان أبو العاص وذاك على أبو جلب.

كان اعجاب ملكة بهذا العقد الفريد عزيماً.. أولاد في سن ابناءها يتعاطون السياسة ويركبون المخاطر.. ما الذي يدفعهم إلى هذا ؟! سؤال عويص لم تجد له إجابة.

- بارك الله فيكم يا أولادي.

- نامي الآن... واستريحي يا أماه..

أومأ لها بكور في عطف وانهمك في عمله على الآلة الكاتبة، كان يسعل بصورة متقطعة إثارة شفقة ملكة، يعاني من داء الربو اللعين.. جعله يسعل طوال الليل ويدخل ذلك الدواء البخاخ العجيب في فمه ويستنشقه بعنف حتى تهدأ أنفاسه، جلس عمر صاحب الخط البديع يكمل ما بدأه على قطعة القماش المشدودة أمامه.. عبارات موجهة ضد السلطة.. ظلت ملكة تنظر إلى هذه الألغاز في فضول قروي.. أبو العاص يجمع قصاصات ورق من صحف قديمة وخرج علي للصلاة في الفناء الخارجي.. تردد في نفس ملكة الطيبة أكثر من سؤال حائر من هؤلاء؟! أين ابائهم وامهاتهم؟ ... ما طبيعة العمل الذي يقومون به .. الغاز.. الغاز..

الساقيةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن