الجزء 11

61 0 0
                                    


لبست القرية حلة زاهية في تلك الليلة .. لقد عادت الديمقراطية للبلاد ونفضت الاحزاب الغبار القديم وبرزت في الساحة .. كانت الشعارات الجميلة المتباينة تزين طرقات البلدة ومكبرات الصوت تعلن عن العديد من المؤتمرات التأسيسية لجهات عديدة تمتد من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار.. كان شريف يقف على منصة "حزب الاستقلال الوطني" الذي ينتمي إليه والشعارات التي تدعو للسودان الجديد تغطي المكان، صور مرشح الحزب عصام عبد الجواد تملأ الساحة وتزين المنصة .

- انتخبوا ابن المنطقة المهندس عصام عبد الجواد من أجل حقوقكم الضائعة نحن لدينا من المستندات ما يزج خصوما في السجون .

ملكة تجلس مع جموع أهل البلدة تستمع إلى ابنها الذي وقف شامخاً وصوته القوي يجلجل في المكان ، شريف عضو اللجنة الدائمة في حزب الاستقلال الوطني ، ظلت ملكة تحلم بهذا اليوم الذي يتبوأ فيه أحد ابناء محمد أحمد هذا المنير الحر.. هاهو شريف يجسد أمالها وأحلامها يقف أمامها الان .. شريف الذي آثر البقاء في البلدة مصدقاً لنبوة شيخ صالح الغرقان .. كان صوت شريف القوى الاسر يرجرج المكان والجميع يستمعون له بحب عميق.

افتريت السيارة الباترول تشق طرقات البلدة يكسوها الغبار ، تطاردها أسراب الكلاب كانت تسير مترنحة عاكسة الاضطرابات النفسية التي يعاني منها سائقها.. أوقف صابر السيارة ونظر من النافذة إلى شقيقه شريف في المنصة يخطب في الجموع الحاشدة.. كانت كلمات شريف تترامى إلى اذنية وتنكأ جروح عميقة في نفسه .. قديماً قالت العرب الجياد الأصلية تظهر عند نهاية السباق .. سباق المسافات الطويلة .. شريف قد ربح الجولة انصهر مع أهل القرية طيلة السنوات العجاف الماضية وهم جالسين يستمعوا إليه في حب حقيقي لم يعرفه صابر.. حب القرية لإبنائها المخلصين .. ملكة أمه تجلس مع المواطنين وشقيقته زينب التي تركها صغيرة غدت ألان كاعب حسناء تجلس جوار أمها "أين محاسن وكمال بل اين صديقه معاوية؟؟" غابت عنه فترة بل حقبة من عمر البلدة التي رفضها في لحظة من لحظات الشيطان.. عندما سيطرت عليه نزعاته الذاتية.. لم يشعر بالعار في حياته كما يشعر الآن.. اندفع بسيارته بعيداً توقف أمام باب بيتهم.. نفس المنزل .. كل شيء في مكانه كأنه غادره بالأمس عدا فراش والده الخالي في أقصى الفناء وليد شقيقه كان مستلقى يطالع صحيفة "السودان الجديد" وليد الذي تركه طفل كبر وانخرط في الحزب أيضاً استوى وليد جالساً يحدق في الزائر الغريب الذي دفع باب البيت دون ان يقرعه وجلس قبالته ..وجه صابر نظره حب طويلة إلى شقيقه جسدت كل التعاسة التي يعانيها .

- أنا صابر يا وليد !! هب وليد والقى الصحيفة جانباً واحتضن شقيقه في حب جارف.

- أهلاً يا أخي، لم اتعرف عليك لأول وهلة. سأذهب لأنادي أمي.

خرج وليد تاركاً صابر يتأمل المنزل في حزن بالغ، نظر إلى صورة السيد علي الميرغني معلقة في مكانها المعهود، الطمبور القديم في مكانه معلق إلى الجانب الآخر، لم تمضي لحظات وانفتح الباب دخلت ملكة، هب صابر واندفع نحوها ازاحته بعيداً

الساقيةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن