الجزء 07

82 0 0
                                    


كان الليل قد خيم على المدينة.. المستشفى الخاص يتلامع بأنواره الزاهية.. الغرف الفخمة المطلية باللون الأبيض والزهور التي تغطي المكان تجعل المريض لا يعرف "هل مات حقاً ودخل الجنة أم لايزال على قيد الحياة ؟!".. وقف صابر وأمه عند فرش الجدة المريضة، رددت المرأة العجوز في صوت واهن.

- كيف حال الولد محمد أحمد والأولاد؟

- الجميع بخير ويقرؤنك السلام.نظرت الجدة نظرة حب عميق إلى صابر.

- هل جاءت أمك لتأخذك منا؟!

لاذ صابر بالصمت الحزين، نظر إلى ساعته وتناول صندوق الدواء جوار جدته وتناول منه كبسولة ورفع رأس جدته على ساعده وناولتها ملكة كوب الماء، ابتلعت الجدة حبة الدواء بصعوبة واستلقت مرة أخرى. رن جرس بانغام جملية معلناً انتهاء الزيارة، دلف صابر وأمه إلى خارج الغرفة ومن ثم إلى خارج المستشفى.. وصلت السيارة إلى المنزل الذي كان يلفه الهدوء في ساعة متأخرة، تناولت ملكة العشاء مع ابنها وصلت العشاء ولم تجد مناصاً من النوم الذي زادت اضطراباته وطافت بها الأحلام إلى القرية والتحول المفاجئ الذي حدث لإبنها صابر.. ظلت تمر في أحلامها في شكل كوابيس مزعجة.. رأت ابنها يبتعد عنها في صحراء تعوي فيها الرياح في محيطات لا نهائية من الرمال وهي تناديه وصوتها يذهب أدراج الرياح.. سبب لها ذلك آلام شديدة جعلتها تواقة للرحيل بأسرع فرصة وقد مضى على فراقها للقرية ردحاً من الزمن خالته حقباً طوال..

استيقظت مبكرة كما أعتادت البكور في الريف وجلست مع رب الأسرة في الشرفة المطلة على الشارع الذي تنساب فيه السيارات الفارهة تنهب الطريق نهباً وأمامها درزينة من الدرجات النارية تعوي مبددة هدوء الصباح عن المدينة التي لا زالت تتثاءب لاستقبال يوم جديد..قطعت ملكة حبل الصمت والإحراج الذي خيم على عم أولادها منذ ظهورها المفاجئ..

- لقد قررت العودة اليوم.. وانت تعرف ظروفي جيداً.

كان عم عبد اللطيف يخشى هذه اللحظة ويتحاشاها رد في خنوع.

- إذاً ستأخذي صابر معك.. ارجوك لا تفعلي فقد ملأ علينا هذا البيت بالفرحة وفاطمة تحبه كأبنها تماماً.. قد خطت مستقبله بيدي.. هل تريدي أن تهدمي ذلك في لحظة؟

كان كلام عبد اللطيف يعبث بمشاعر ملكة ويجعلها في حيرة بين عقلها وقلبها. وغلبت عليها عاطفة الأمومة.

- أنت وزوجتك يا عبد اللطيف مكان حبي وتقديري وأنا أعلم أنكم بحسن نية تريدوا لنا خيراً ولكن..

ظل عبد اللطيف يعتصره الألم، لم يستطيع أن يتصور هذا القصر عديد الطوابق من غير صابر..

- هل هذا رأيك النهائي ؟!

فكرت ملكة قليلاً وجمعت كل رابطة جأشها لتتخذ القرار الصحيح حتى لا تتجني على ابنها فأجابته:

الساقيةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن