الجزء 6

1.5K 85 1
                                    

جارهم يروي الحكايةكنتُ أسترق النظر من نافذة بيتي المقابل لبيت أم حسين بحذرِ شديد،كان بيتي يطل على ثلاث جهات،ما جعلني أشهد الحدث بأكمله،حتى لحظة رمي هذه الفتاة التي لا أعرفها خارج البيت، شعرت بالأسى قبلها،خصوصاً أن الطقس كان ممطراً،وبارداً،راقبتها لعلي أفهم ما يدور، وإذا بها تسير بمحاذاة جدران المنازل المجاورة وهي تتلفت يمنة ويسرة،حتى مرّت سيارة مليئة بجنود الاحتلال، فاختبأت سريعاً وراء إحدى براميل النفايات،وحين تأكدت أنهم ذهبوا واصلت مسيرها،إلى ان وصلت إلى سور المقبرة، تأملتْ ملياً في بوابتها وكأنها تقول شيئاً،شعرتُ انها كانت تبكي،لأنها كانت بين الفينة والأخرى تمسح وجنتيها، وأخيراً قررت الدخول إلى المقبرة،وما زلت أراقبها،تفاجئت بدخولها إلى المغتسل، بداية تركت الباب مفتوحاً يبدو أنها خائفة،وما زلت أراقبها من زاوية بيتي في الإتجاه الآخر،وما زال الباب مفتوحاً، ها أنا أراها تسحب قماشاً أبيضاً يبدو أنها ستتخذه دثاراً،ومن ثم أغلقت الباب وراءها،وأطفأت المصباح،عدت إلى غرفتي،وأنا أحمل في رأسي ألف سؤال، وما إن أذّن الفجر، وقمت لأتوضأ وأصلي كان أول همي بعد الصلاة أن أراقب تلك الفتاة الغريبة الأطوار، وكانت الشمس لم تشرق بعد والعتمة تلف المكان، وإذا بها تخرج من المغتسل تلبس ملابس الأموات وتتجه إلى منتصف المقبرة، كان سور المقبرة منخفض مما يمكن المارة من مشاهدة كل ما يجري فيها،فبيقت أتسائل:ترى ما الذي تفعله هذه الفتاة #المجنونة الغريبة الأطوار،وإذا بمجموعة من جنود الإحتلال كانوا يختبئون في المقبرة ويبدو أنّ هذه الفتاة كانت تراقبهم،لأنّ ما حدث بعد ذلك لم يكن في الحسبان،حيث وجدت تلك الفتاة تختبيء حلف أحد القبور وحينما اقترب الجنود لينفذوا مهمتهم السرية،والتي من ضمنها مراقبة بيت جاري أبا حسين كما يبدو، خرجتْ إليهم بشكل درامتيكي، فظنوا أنّها شبحاً،أو أحد الأموات قد قام من قبره،ففروا هاربين من المقبرة كالجرذان،فظللت أضحك رغم مأساوية ليلة البارحة،إلا أنّ هذه الفتاة الشجاعة بردت غليلي، ورأيتها بعد ذلك وهي تخلع الكفن من عليها وترمي به جانباً وتولي هاربة من المقبرة، واختفت عن ناظري، وبعد أن هدأ الوضع في نهار ذلك اليوم، أخذت زوجتي وتوجهنا لبيت جارنا لنطمئن عليهم بعد الحادث الأليم،كانوا في وضع صعب وكانت المستشفيات حينها محاصرة،إلا أنّ أبناء الوطن الأوفياء قد حصروا أسماء مجموعة من الأطباء الذين كانوا يعالجون الجرحى بشكلِ سري، فاتصلنا بأحدهم و حضر حالاً ليرى وضع الشاب المصاب، والأم المريضة وبعد أن اطمئنينا عليهم،وقبل أن نتوجه إلى الباب تذكرت ما رأيته البارحة فعدتُ أدراجي وقصصت لهم ما رأيت

حسن يكمل الحكاية:أنا من ضمن الشباب المقاوم الذين كنا في بيت حسين تلك الليلة، لم أشعر براحة ضمير أبدأً بعدما طُردت تلك المسكينة في تلك الليلة الظلماء، ونحن نقف مكتوفي الأيدي لم نحرّك ساكناً، كرهتُ نفسي، ودست الرجولة تحت قدميّ من تلك الليلة، وأقسمت ان لا أطلق على نفسي رجلاً إن لم أجد آمنة، ففكرتُ ملياً فيما سأفعل، فاستعدت الحكاية التي سردها جار صديقي الشهيد حسين، فحدثت نفسي:لم لا أعود إلى مغتسل المقبرة ليلاً لعليّ أجدها، ولكنني خشيت من الوضع الأمني، فقررت أن أراقب المكان نهاراً، وأبحث عن ما إذا كان يوجد مداخل فرعية للمقبرة،أو أبواب خلفية، وخططت للأمر جيداً، وما إن أذّن الفجر حتى انطلقتُ إلى الموقع، ووصلت مع بداية تمازج الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر،وكنت أراهما تماماً كحياتنا، بانّ الحق ممكن أن يختلط مع الباطل، إلا على من مُليء قلبه بنور الله. طرقت باب المغتسل بهدوء، ولكنني لم اتلقى جواباً، ثم طرقته ثانية وثالثة فلم يجبني أحد، حتى قررت أن أفتحه، أدرت نظري في الغرفة لم أجد فيها أحدا، هممت بغلق الباب والعودة من حيث أتيت، وإذا بي أسمع صوت شيءٍ ما قد وقع على الأرض، فتحته مجدداً ودخلت إلى الداخل، وبدأت البحث هنا وهناك وانا أنادي بهمس: آمنة، آمنة" فرأيتها مختبئة خلف سرير المغتسل الإسمنتي، تقدمت إليها بهدوء: أختي آمنة، لا تخافي جئت حتى آخذكِ معي،فبكت بحرقة كما لو لم تكن مجنونة وهي تقول: أنا أحب حثين، أنا لا أقتل حثين، أنا أقتل الأشرار. فأجبتها وأنا مختنقٌ بعبرتي: لا بأس عليكِ لا تبكي، أنا اعرف انكِ لم تقتلي أحد، قومي معي هيا. وكنت قد احضرت معي بطانية لتضعها على كتفها لتقيها من البرد القارص، وبصعوبة أقنعتها أن تأتي معي، وأخذتها مباشرة إلى المخبأ الذي يختبيء فيه الشباب المقاوم، دخلت معها متسللاً كعادة كل واحدٍ منا، وما إن صرت وسط المجموعة حتى وجم الجميع، وعمّ الصمتُ المكان، والكل يبجلق فينا، فابتلعتً ريقي لأنني شعرتُ انني ارتكبت جريمة عظمى لا اعلم حجمها فبادرت: خير يا شباب لم هذه النظرة؟ هل ثمة مكروه، فسحبني قائد المجموعة إلى إحدى الزوايا وقال غضباناً وهو يهمس:ما الذي تفعله؟ أتريد أن تقضي علينا جميعاً؟! كيف تُحضر هذه المجنونة إلى هنا؟! ألا تعرف أنّ بسببها ربما نُكشف وينتهي كلّ شيء؟ فأجبته بحزم:هذه المجنونة على حدّ قولك طُردت شر طردة دون ذتب وأمام أعيننا ولم ندافع عنها رغم مظلوميتها، ولن أسمح لأحد بعد اليوم أن يؤذيها، على الأقل احتراماً لروح أخينا الشهيد حسين، وأنا من سيتحمل مسئولية وجودها وهنا وأتعهد أن لا يحدث لكم شيء بسببها

يتبع >>

المجنونه ( مكتمله)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن