الجزء 3

2.1K 97 0
                                    

السائق عادل يروي الأحداث: أكاد لا أصدق ما أرى، كيف لهذه المجنونة التي انتشلناها من الشارع تصبح سيدة قصر بين عشية وضحاها ، بل وأنها بسبب جنونها المفرط تسببت في الكثير من الخسائر للعائلة، فكم من تحفٍ قد تكسرت بسببها، وكم من موقفٍ حرج وضعت فيه السيدة نرجس، وحينما كنت أتعجب من قوة تحملها كانت السيدة تردّ عليّ بهدوء: عادل، هل تعتقد أنّ لي طاقة صبر على تحمل هذه المجنونة الغبية النتنة؟! إنما لي هدف ما إن أصل إليه سأرميها خارج هذا القصر، وأعيدها من حيث أتت. هنا أدركتُ تماماً أنّ وجود هذه المعتوهة وجودٌ مؤقت لغاية ما، ولكن هذا الوجود قد طال أمده، سبعة أشهرٍ مضت ولم نسمع بخبر حملها، فإلى متى سيبقى الحال هكذا يا ترى؟! فأسررت إلى السيدة نرجس:لمَ لا تاخذهما إلى الطبيب لترى سبب تاخر حمل آمنة، فاستساغت السيدة الفكرة وحجزت موعداً لدى أعرق وأغلى مستشفى في المدينة، وقد أخذتهم بنفسي إلى هناك، انتظرت طويلاً حتى خرجوا، ولكنني لاحظت ملامح الحزن قد ارتسمت على محيا السيدة نرجس، بينما آمنة في عالمها تهولوس، والسيد هاني على مقعده يتأمل المجنونة وهو مبتسم وكأنه ينظر إلى ملكة جمال الكون
هرولت ناحية السيدة نرجس: ها سيدتي ماذا حدث، هل من أخبار تسر الخاطر؟ فرمقتني السيدة بنظرة حادة وقالت: بل أخبار تسدّ النفس وتنكد العيش فشهقت وقلت لها:ويلي، ما الخبر؟ لا حول ولا قوة إلا بالله. فصرخت السيدة في وجهي:ما الخبر يا عادل هل ستبقى تولول كما النساء، هيا خذنا إلى القصر بسرعة، لا أعصاب لديّ. فأسرعت لفتح باب السيارة لها، وساعدت السيد هاني ليدخل إلى السيارة التي صممت خصيصاً في الخلف لكرسيه الكهربائي، ثم فتحت الباب للمجنونة على مضض، وانطلقنا ناحية القصر
وحينما وصلنا، دخلت السيدة نرجس وهي غاضبة إلى مكتبها في الدور الأرضي، وطلبت من ولدها هاني اللحاق بها، وطلبت مني الانتظار في بهو القصر لحين تطلبني، فسمعنا صراخاً وبكاءً يقطع القلب، وكان كما يبدو صوت السيد هاني، وفجأة فُتح باب المكتب، وإذا بالسيدة نرجس تخرج وهي تصرخ: بدرية بدرية، خذي حقيبة صغيرة ضعي فيها قليلاً من الملابس وقليلاً من الطعام واعطها لهذه المجنونة، وأنت يا عادل خذها وارمها في أقرب شارع عام وخذ هذا المبلغ أعطها إياه قبل أن تنزل من السيارة لتدبر حالها، وإجراءات الطلاق غداً ستتم، فقد أكد الطبيب أنّ لدى إبني عجز تام ولا يمكن أن ينجب. انتهت مهمتكِ يا آمنة،وإذا بالسيد هاني يأتي مسرعاً بكرسيه الكهربائي وهو يصرخ باكياً: أمي دعيها، لقد أحببتها، لقد غيرت آمنة حياتي، لقد أشعرتني بقيمة الحياة، أتوسل إليكِ
إلا أنّ السيدة نرجس ردت عليه باستعلاء: أو تتصور أن أتحمل مجنونة في قصري لو لم أعتبرها وعاءً لإنجاب حفيداً لعائلة سليم، أما بعدما سمعنا فما عاد لها داع، خذوها للخارج.
وكان المشهد الأخير لها في القصر،المجنونة وهي تُسحب كالحيوانات إلى سيارتي وهي تصرخ: لا أريد لا أريد

متسول يكمل الحكاية: كان فصل الشتاء قد بدأ، والشوارع تكاد تكون خالية من المارة في منطقة تسولي، كانت الشمس على وشك المغيب حين رأيت سيارة فارهة تقف على ناصية الشارع، وتسحب منها فتاة بالقوة إلى خارجها وهي تصرخ: لا لا أريد، أريدهاني، هاني يموت. أصبت بقليل من الخوف، خشيت أن تكون عصابة مجرمين، فاختبأت خلف إحدى أعمدة المحلات التجارية أرقب الوضع من بعيد. وحين دققت النظر وجدتها شابة جميلة ولكنها تتصرف بشكل غريب، ما إن تاكدت من خلو الشارع من السيارات والمارة حتى اقتربت منها، فكلمتها بحذر: هي انتِ، ما قصتكِ ها؟ فصرخت في وجهي بهستيرية مفزعة. ففرت هارباً وأنا أصرخ: أرعبتني يا مجنونة. نعم كاد قلبي يتوقف من شدة الخوف، إنها مجنونة، خشيت أن تعضني، ولكن الفضول بدأ يأكلني، وجمالها يغريني وأنا أعزب وفقير، فلعب الشيطان بعقلي، لمَ لا أستدرجها وآخذ حاجتي منها، ولن يعرف أحد بما سأفعل، وهي مجنونة لا حول ولا قوة، فلن تدافع عن نفسها ولن تفضحني، وأساساً من سيعرفني وأنا متسولٌ لا بيت ولا عنوان. فقررت أن أقترب منها مجدداً، ولم أعلم أنها قد خبأت لوحاً من خشب وراء ظهرها، وما هي إلا لحظات إلا وأنا في عالمٍ آخر فقد ضربتني باللوح الخشبي على رأسي، وإذا بالدماء تسيل على وجهي، فشعرت بالدوار بداية، ولكنني استجمعت قوتي ،وكنت أستشيط غضباً، فهممت بالركض وراءها لأنتقم منها، هي تركض وأنا أركض، فجأة سمعنا صفارة الإنذار تضجُ في الشوارع، وأبواق السيارات لا تهدأ، والناس تركض على غير هديٍ وكأنّ القيامة قد قامت، ترى ما الذي يحدث، توقفت عن الركض لأستفسر عما يحدث، أما المجنونة فقد اختفت وما عدتً أراها، وحين سألت أحد المارة الذي كان يتصبب عرقاً رغم برودة الجو، عرفت منه أنّ البلد المجاور لنا قد دخل حدود بلادنا، وسيطر على أهم وزارات الدولة وقتل ما قتل من جنود بلادي، باختصار عرفت أننا ومن دون سابق إنذار أصبحنا بلداً محتل

يتبع >>

المجنونه ( مكتمله)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن