الجزء 5

1.6K 83 2
                                    

فاطمة تروي الحكاية:لم تكتمل سعادتنا بعودة أخي حسين، لأننا ما زلنا نعيش القلق على الوطن كلّ الوطن، فكم من اخٍ لنا لم يعود،وكم من أبٍ تم اقتياده من نقطة تفتيش مهاناً وهو في وطنه،وكم من أمٍ جالسة على باب البيت وهاتفها في يدها تنتظر خبراً حتى وإن كان سيئاً،المهم ان يكون خبراً يخرجها من دائرة الموت الذي تعيشه كلّ لحظة.فجأة وإذا بباب منزلنا يطرق بشدة،معه صوت الجرس الذي لا يتوقف،شعرنا بالرعب،عدا أخي حسين الذي كان رابط الجأش،هدأنا وطلب منا الدخول إلى الغرفة،إلا أنني صرخت:أخي حسين كيف نتركك،فقلدتني آمنة:أخي حثين لا نتركك.وكان صوت الطرق مستمراً، فكلمنا حسين بحدّة وبصوت منخفض: ادخلوا الغرفة بسرعة ولا تخافوا.أمي كانت ترتجف وتبكي خوفاً على ولدها،فأخذتها وآمنة بسرعة إلى غرفة الضيوف في الطابق الأرضي، وأغلقنا الباب وراءنا،ومن ثم فتحت الباب قليلاً لأراقب ما يحدث، فقد كنا شبه متيقنين ان الطارق هم جنود العدو المحتل.وحينما استرقت النظر وجدت مجموعة من الشباب يحملون شاباً قد غطته الدماء،فشهقت شهقة كاد صوتي فيها أن يسمع،ثم حاولت أن أنصت كي أسمع ما يقولون، فعرفت أنهم أصدقاء أخي حسين في الجامعة،وأنّ الجريح قد أصيب من قوات الإحتلال،وأنّهم مجمموعة مقاومة قررت أن لا تستسلم للعدو الغاشم. فأتى حسين مهرولاً إلى الغرفة،وطلب منا إخلائها، والصعود للأعلى،فقلت له:أخي لا تنسى أنّ تخصصي تمريض وإن كنت في السنة الأخيرة في الجامعة إلا أنني أستطيع المساعدة، فوقف حسين واجماً، فقلت له: أخي ليس هذا وقت التفكير،إنه وقت التضحية والفداء، فالموت في حياتكم مقهورين،والحياة في موتكم قاهرين.فقال أخي:سلام الله عليك يا أمير المؤمنين، إذا تعالي معي ودعي أمي وآمنة تصعدان إلى فوق، فصرخت آمنة:أنا مع فطوم هنا، لا فوق"وردت عليه والدتي:وهل سأظل أنا بلا دور في هذه الملحمة،أنا سأتجه إلى المطبخ لأعدّ للشباب شيئاً يسدّ رمقهم، فرمقنا حسين بنظرة الموافق،أحضرت حقيبة الإسعافات الأولية،وباشرت عملي مع المصاب الذي كان ينزف بغزارة، وكانت آمنة تراقب ما يحدث عن كثب،ورغم مرارة الوضع وتعامل الجميع بحذر، إلا أنّ آمنة كانت تضفي على المكان جواً من المحبة والإبتسامة بتصرفاتها العفوية، بعد مرور قرابة الساعة وبعد أن استطعت السيطرة على النزيف وخياطة الجرح، سمعنا صوت صراخ،وطرق شديد على الباب وكأنه سيكسر، فطلبت من الشباب الصعود للدور الثاني،وشعرنا بالإرتباك،فهذه المرة الزوار هم من شياطين الليل، فقفزتْ آمنة لتقول:أنا افتح باب للهرامي،أنا،فجائني إلهام أنّ أفضل حل لتشتيت العدو هو خروج آمنة وأمي لهم،وبالفعل اختبأنا جميعاً،وتوجها الاثنتين

أم حسين تكمل الحكاية:كنت أرتجف وانا اتجه لفتح الباب، شعرت أنّ هذه الفتاة المجنونة أقوى مني،أو ربما لأنها لا تعي حجم الخطورة التي تنتظرنا،فتحت الباب وإذا بوحوش ترتدي زي الآدميين، دخلوا مباشرة وهم يزمجرون ويكسرون بالقضيب الذي يحملونه كل ما يعترضهم،كان عددهم لا يقل عن العشرة، انتشروا في البيت كالجراد،وأنا أصرخ بصوت مخنوق:ماذا تريدون لا أحد سوانا هنا، انا وهذه البنت المجنونة،فوقف كبيرهم بكرشه المتدلية وصرخ في وجهي:اصمتي أيتها العجوز الشمطاء، فوقفت آمنة خلفه وهي تصرخ:لا تقل لأمي عجوز،إنها أمي،فاستدار لها بكل ما أوتي من قوة ولطمها على وجهها دون مراعاة لوضعها الاستثنائي، دون رحمة ودون إنسانية، في هذه اللحظة رأيت ولدي حسين ينقضّ كما الصقر على الضابط وهو يخنقه:اتتقوى على النساء أيها الحقير،إن كنت رجلاً فواجه الرجال، فتكالب عليه القوم،وسحبوه للخارج وسط ذهولنا، وسمعنا صوت إطلاق رصاص،ثم دخل أحد كلابهم ليقول: سيدي،لقد قضينا عليه،انتهى أمره، بعدها غبت عن الوعي،وحين عدتُ إلى وعيي، وجدت نفسي على السرير وحولي بقية الشباب، وإبنتي فاطمة تمسك بيدي وهي تجهش بالبكاء،وآمنة في زاوية الغرفة تفترش الأرض وكأنها في عالم آخر، ولفتني دموعها التي لا تتوقف كالميزاب سألت فاطمة:ما الذي حدث يا إبنتي،هل كنتُ أحلم؟ فردت وهي مخنوقة:إهدأي يا أمي وتذكري قول الله عزّ وجل{ ولا تحسبنّ الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا، بل أحياءٌ عند ربهم يرزقون}فعدت أسأل وأنا أجول بنظري بين بقية الحاضرين:أو تمزحون معي، أخبروني ما الذي حدث" وهنا بدأت أفقد رشدي فصرخت: أجيبوا، فردّ عليّ أحد الشباب: خالة، لقد استشهد حسين، وما إن قتلوه انسحبوا من البيت، ولم يكتشفوا أمر وجودنا" كان حسين رجلاً يا خالة، لم يتمالك نفسه حين رآهم يهينونكما أنت وآمنة، غيرته لم تسمح له. فقلت:ِألهذه الدرجة أرواح الآدميين رخيصة عندهم؟! أو تريدون أن تفهمونني أنّ حسين قد راح ؟ أين جسده الطاهر إذاً، فنكس الجميع رؤوسهم، وأجاب أحدهم:بعدما سمعنا إطلاق الرصاص،وانسحابهم من البيت توجهنا إلى النافذة لنتأكد مما حدث، فوجدناهم قد أخذوا جثة حسين وهي تشخب دماً معهم في السيارة، وقد لحقت آمنة بسيارتهم وهي تصرخ:أعيدوا حسين، أعيدوا حسين، ولكن دون جدوى فحملقت دون شعور في آمنة وأنا أتحرك من سريري وأنظرُ إليها بازدراء:هذه المجنونة،إنها فال نحسٍ علينا، إنها كالغراب منذ ان حلت في هذا البيت أذهبت بركته، أمسكتها من ذراعها ولم أكترث للوقت المتأخر والجو البارد والممطر، ورميتها خارج المنزل وهي تصرخ، ولم أشعر بالرحمة اتجاهها،لأنّ قلبي حينها حينها كان يحترق على ولدي الذي ارتحل

يتبع >>

المجنونه ( مكتمله)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن