السائق على غير عادته اليوم، لفت انتباهي؛ فوجهه لونه
شاحب، ويداه لا تقوى على القيادة.
سألته وأنا يساورني القلق:
مالك ياعم سمير؟
قال لي بصوت يصاحبه أنين:
معدتي تعباني شوية يا دكتورة، شكلي تقّلت في الفطار.
تجول بنظرهِ أثناء القيادةِ حتى وجدَ على يمينهِ مسجدًا،
فقال:
هستأذنك بس خمس دقايق أروح الجامع ده أغسل وشي .
قلت له وبعيني مسحة من الشفقة:
طيب نروح مستشفى، وأنا هعتذر عن المحاضرة بتاعة
النهاردة.
التفت إلي وأشاح بيده بالنفي قائلًً:
لا لا لا لا أنا كويس والله.
أطفأ محرك السيارة في هدوء، وأوقفها أمام المسجد ودلف
بداخله.
نظرت لساعة الهاتف وأخذت أحدث نفسي؛ المحاضرة
الساعة الواحدة لا زال هناك ساعة كاملة علي الموعد، دوي
صوت الآذان، فأيقنت أنه لن يخرج قبل أن يصلي، أخرجت
أوراق المحاضرة لألقي نظرة.
وكان العنوان "كيف تغير نفسك"
تعمقت في القراءة فأخذني الوقت، نظرت للساعة مجددًا
وجدتها الواحدة إلا ربع، دقات قلبي باتت سريعة، وعقلي لا
يكف عن التفكير، حدثت نفسي في صمت؛ ترى ما الذي
حدث وجعله يتأخر كل هذا الوقت؟ قلقي جعلني أخرج من
السيارة.
وأقف أمام المسجد، نظرت للباب وجدته مغلق ولكن هناك
صوت صراخ أنثوي يدوي بالمكان، وقفت مترددة لعدة
دقائقِ ولكنني قررت اكتشاف ما يجري حولي، اقتربت من
باب المسجد أكثر فأكثر ولمست الباب ففتح ، ما إن نظرت
بداخلهِ حتى فزعت، وتطايرت كل أوراق المحاضرة من بين
يدي عندما رأيت هذا الكم من النساء، نظرت إحداهن إلي
نظرة غريق يستغيث، والأخرى تلطم وجهها وتصنع
بأظافرها شوارع من دماء، وهناك من تجلس وتهز منكبيها
وتقول كلمات غير مفهومة، وامرأة يبدو على ملًمحها أنها