حكايتنا مع العزلة، وعدم الإنصات، تلك العزلة التي ربما
تفرض نفسها عنوة علينا، أو يفرضها الأهل بدعوى الحفاظ
على بناتهم من غيلًن البشر؛ وما هي إلا كل شر.
روفيدا فتاة بالخامسة عشر من عمرها، نعم لازالت صغيرة
على الزواج ولكن من طباع هذه العزبة تزويج الفتيات بسن
صغير، حديثها يفوق سنها بمرات كحديث إمرأة بسنِ
الثلًثين بسبب كثرة جلوسها مع نسوة القرية، وأيضًا ساعد
جسدها في بلوغه وظهور مفاتنه بسن مبكرة على كثرة
الخطاب، بشرتها بيضاء، وعيناها واسعة، لم تكن تحب
الضفائر وعلى الرغم من قصر شعرها إلا أن والدتها كانت
تجدلها رغمًا عنها، فارعة الطول بجسد متناسق، كل من
كان يراها يقوم بإلقاء كلمات غزل وهذا ما جعل والدها
يغضب ويقسو عليها دون ذنب تقترفه. كثيرًا ما كان ت
تتسائل:
"هبة الجمال نعمة أعطاها الله لي؛ لماذا أدفع ثمنها جهلً من
التعليم والدين؟ وأصبح امرأة وأنا لم أذق شقاوة الطفولة
حتى الآن؟
كانت تعيش مع أبيها وأمها في عزبة صغيرة، تتبع مركز
دسوق، ولها أخًا واحدًا اسمه وحيد؛ كانت تعشق اسمها لأنه
هو من قام بتسجيلها به، كان يضحكها كثيرًا بما جناه يومها
من ضرب بسبب معارضة والدها عليه لأنه كان يريد أن
يسميها مسعدة على اسم جدتها، ووحيد همس للموظف
بأذنه أن يسميها روفيدا لأن والدتها توفيت بعد ولادتها
مباشرة وهذا الإسم كان وصيتها؛ أشفق الموظف وقام
بتسميتها بناء على طلب هذا الفتى الشقي ولكن سرعان ما
اكتشف الأب ما حدث وانهال عليه بالضرب.
منزلهم كمعظم البيوت الريفية، كبير جدًا، ولكن أثاثه بسيط،
الأرض كلها "حصير" وغرفة الضيوف بها مقاعد خشبية
و"كنب"، غرفتها كانت بأول البيت تطل على الشارع، أما
غرفة والدها ووالدتها ففي الجزء الأيمن من البيت
وبجوارها الحمام، وأيضًا غرفة وحيد المغلقة من سنوات
بالجانب الآخر من البيت وكأنها شقة منعزلة.
كانت روفيدا تمتلك مفتاحها، عندما التقطته من وحيد قبل